قتلى من القوات العسكرية في جبهة الحد بيافع إثر صد هجوم حوثي    عاجل: بنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين حماس واسرائيل    كنوز اليمن تحت سطوة الحوثيين: تهريب الآثار وتجريف التاريخ    الرئيس الزُبيدي يطالب بخطط لتطوير قطاع الاتصالات    البرلمان العربي يحذر من اجتياح رفح جنوب قطاع غزة    أبطال أوروبا: باريس سان جيرمان يستضيف بوروسيا دورتموند والريال يواجه بايرن في إياب الدور قبل النهائي    الذهب يصعد متأثراً بآمال خفض اسعار الفائدة الأميركية    فتيات مأرب تدرب نساء قياديات على مفاهيم السلام في مخيمات النزوح    السلطة المحلية تعرقل إجراءات المحاكمة.. جريمة اغتيال الشيخ "الباني".. عدالة منقوصة    فارس الصلابة يترجل    عودة نجم بايرن للتدريبات.. وحسم موقفه من صدام الريال    السياسي الوحيد الذي حزن لموته الجميع ولم يشمت بوفاته شامت    صورة.. الهلال يسخر من أهلي جدة قبل الكلاسيكو السعودي    مبابي يوافق على تحدي يوسين بولت    منظمات إغاثية تطلق نداءً عاجلاً لتأمين احتياجات اليمن الإنسانية مميز    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    مليشيا الحوثي تقتحم قرية بالحديدة وتهجّر سكانها وتختطف آخرين وتعتدي على النساء والأطفال    تعاون حوثي مع فرع تنظيم القاعدة المخيف في تهديد جديد لليمن مميز    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    «كلاسيكو» الأهلي والهلال.. صراع بين المجد والمركز الآسيوي    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    صنعاء.. اعتقال خبير في المواصفات والمقاييس بعد ساعات من متابعته بلاغ في هيئة مكافحة الفساد    جريمة مروعة في حضرموت.. قطاع طرق يقتلون بائع قات من عمران بهدف نهب حمولته    القاعدي: مراكز الحوثي الصيفية "محاضن إرهاب" تحوّل الأطفال إلى أداة قتل وقنابل موقوتة    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    رغم تدخل الرياض وأبوظبي.. موقف صارم لمحافظ البنك المركزي في عدن    ميسي وإنفانتينو ينعيان المدرب الأسطوري    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    العثور على جثة مواطن معلقة في شجرة جنوب غربي اليمن    بسبب منعه عكس الخط .. شاهد بالفيديو قيادي حوثي يدهس متعمدا مدير المرور بصنعاء    عقب تهديدات حوثية بضرب المنشآت.. خروج محطة مارب الغازية عن الخدمة ومصادر تكشف السبب    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    البدعة و الترفيه    فيديو مؤثر.. فنان العرب الفنان محمد عبده يكشف لجماهيره عن نوع السرطان الذي أصيب به    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    "ثورة شعبية ضد الحوثيين"...قيادية مؤتمرية تدعو اليمنيين لهبة رجل واحد    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوثي ومسيرة إعادة اليمن إلى الوراء .. تاريخ مرير من الدجل والتضليل الإمامي
نشر في الخبر يوم 21 - 04 - 2014

يعمل الحوثيون بشتى الوسائل اليوم لمسابقة الزمن للمضي قدماً في الانقلاب على الثورات والجمهورية، وإعادة اليمن من جديد للحكم الإمامي البغيض لا يفرقون بين وسيلة وأخرى مهما كانت سيئة، في ثقافة ممنهجة وتقليدية ماضوية تعصبية أئمتهم الأوائل بعد أن ولج العالم القرن الواحد والعشرين، وغزت الأمم الفضاء، في تكريس لمنهج التخلف والرجعية إلى ما دون العصر الحجري.
وفي هذه الدراسة التي رصدت الكثير من هذه المظاهر السلبية والغوغائية، نقدم فيها ما تيسر فقط لإطلاع الجمهور عن منابع هذه الثقافة.
تضليل الأتباع منهج دائم
يعمل الحوثيون على إعادة ثقافة هزيلة قديمة عفا عليها الزمن، وهي إطلاق الألقاب والتبجيلات والخرافات والمعتقدات الجوفاء التي تتنافى عقلاً ونقلاً مع المنطق، في القرن الحادي والعشرين.. ومن ذلك مثلاً: أنهم في الحرب الأولى مع الدولة عملوا على إطلاق الشائعات أن حسين الحوثي هو المهدي المنتظر وأنه مكلف من الله لإقامة دين الله ونصرة الحسين بن علي -رضي الله عنه-، وأنه يوحى إليه وأنه ينزل نور من السماء إلى بيته وهو الوحي الذي يأتيه، وأنه أحق بملك اليمن، وأن نصرته نصرة للإسلام، وأنه يقاوم أمريكا وإسرائيل في صعدة.
ومن ذلك مثلاً ما ورد في حديث والده بدرالدين الحوثي في مقابلة صحفية مع صحيفة "الوسط" عقب الحرب الأولى عام 2004، وهو منشور في ملصقاتهم اليوم "أن الشعار (الصرخة) حاجز بين المسلمين وأمريكا لكي لا تدخل عليهم بأية طريقة".. وأن "شعارهم يستحق التضحية بالدماء للحفاظ على الإسلام والمسلمين".. و"أن الاحتفال بيوم الغدير مصلحة دينية لأن فيها إظهار لولاية علي بن أبي طالب، وأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – جمع المسلمين في يوم الغدير وهو عائد من حجة الوداع بمكة وأعلن لهم ولاية علي بن أبي طالب".. وفي تلك المقابلة الصحفية أيضاً، أقر بدر الدين الحوثي بالتمييز والاصطفاء، وضَعَّف حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، وأن التقوى عندهم (آل البيت) أقوى من غيرهم. واتهم الزيدية الذين أفتوا بضلال حسين بدرالدين الحوثي، وعدم جواز خروجه على الدولة، اتهمهم بالضلال، وأن الحق مع ابنه حسين.
كما اتهم السلفيين بأنهم يحكمون السنة في القرآن، ويعتقدون اعتقادات ليست في معتقدات أهل البيت (الشيعة). وفي وثيقتهم التي اعتبروها مرجعية فكرهم ونشاطهم التي تسمى ب"الوثيقة الفكرية"، عززوا من هذا التمييز واعترفوا به صراحة بالقول: "أما مسألة الاصطفاء فالذي نعتقده أن الله سبحانه وتعالى يصطفي من يشاء من عباده جماعات وأفراداً كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) آل عمران الآية 33 وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) ونعتقد أن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة وأنه يهيئ في كل عصر من يكون مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها (إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله) ومنهجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجية أهل البيت عليهم السلام".
وبعد مقتل حسين الحوثي لم يصدقوا مقتله، وقالوا كما قالت بنو إسرائيل: ذهب لملاقاة ربه وسيعود، حتى الأب بدرالدين لم يسلم بمقتله، وعند تسليم رفاته عام 2013 أقاموا له ضريحاً، واتخذوا جرفه الذي قتل فيه وضريحه مزارين، والأسوأ من ذلك يسمونه "مقدساً"، ويطلقون عليه لقب "قدس الله سره" و"عليه السلام"، وإقامة المنادب والمآتم والتبرك بالزيارة ويؤسسون لأماكن حج جديدة في صعدة تأسياً بإيران والعراق، وأنه سيأتي بعد فترة يطلبون الشفاء من قبره، وصاروا يعظمونه كتعظيم الأنبياء، مع أن الزيدية لا تؤمن بالأضرحة، وذلك نهج الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- وقد عمل بعض الأئمة على هدم بعض قباب القبور في صنعاء وتعز، إلا أنهم أبقوا على قباب الأئمة وأضرحتهم مثل قبة المتوكل التي في التحرير بسبب أنها اتخذت مسجداً، وقبة الوشلي والسراج وقبة المهدي وغيرها رغم أنها قباب على أضرحة.
مع أن هذه الأعمال غريبة في عصر القرية الواحدة للكون وعصر القرن الواحد والعشرين والأنترنت وغزو الفضاء، لكنها ليست غريبة في الفكر الشيعي الإثني عشري، ومنهم الحوثية في اليمن، التي تنتمي إلى التراث التقليدي للشيعة الجارودية في اليمن وبتصرفات اثني عشرية. ويلتقون في ذلك مع التراث الصوفي الدروشي.
وهذا الأمر أصبح تقليداً وعقيدة سارية بين مدعيي الإمامة من الشيعة، وأسلافهم منذ عهدهم الأول في اليمن. ففي تراثهم المتواتر وتقليد الأئمة بعضهم بعضاً صارت هذه الأعمال المنافية للعقل والمنطق.
إطلاق الألقاب والتبجيل والتقديس
فإذا نبشنا في سير الأئمة الأولين نجد كثيراً من هذه المعتقدات والأقوال، ومنها: قالوا على قبور الهادي وابنه الناصر والزيدي القاسم العياني وغيرهم "أنها مزارة ومباركة".
ومن ذلك مثلاً ما قاله الواسعي في تاريخه عن الإمام المهدي أحمد بن الحسين الذي خرج على الملك المظفر الرسولي وادعى الإمامة وقام بقيادة معارك متعددة على الدولة الرسولية إلا أن الملك المظفر أخمد حركته وقتلته الحمزات، قال عنه: "قبر الإمام المهدي أبو طير مشهور يزوره الناس ويتبركون به، وقيل إنه ظهرت له كرامات بعد موته".. وقال الكبسي في تاريخه "اللطائف السنية ص 140″، "وصار له الحظ الأوفر من اعتقاد الناس بمشهده [قبره] وكثرة الأوقاف عليه حتى صار أهل البلدان معتاشين على أوقافه قرناً بعد قرن"!!
بل إن مجدالدين المؤيدي عظمه أكثر من ذلك، كما في كتاب (خيوط الظلام للبتول ص 133) فقال: "وكان هذا الإمام المهدي (أبي طير) كثير الشبه بجده (المصطفى) خلقاً وخلقاً"!!
وقال بعض مؤرخيهم: "إن قبر الإمام أحمد بن الحسين، الذي قتلته بعض الزيدية المتحالفة مع الملك المظفر الرسولي قبره مبارك ويستشفى عنده وتفوح منه رائحة المسك، والدعوة عنده مستجابة"!!
ومن ذلك مثلاً ما قيل عن الإمام المطهر بن يحيى الذي سمي (المظلل بالغمامة)، الذي جاء بعد أحمد بن الحسين.
فهذا الرجل كان خارجاً على حكم الدولة الرسولية أيام الملك داوود المؤيد بن الملك المظفر، ودخل مع المؤيد في حروب عدة، ولما كان السلطان المؤيد داوود قريب الهجوم على المطهر أرسل الله – كما يذكر مؤرخو الإمامة – سحاباً كثيفاً التصق بالأرض، وأخفى المطهر عنه، فرحل هو ومن معه ونجوا، فأطلقوا عليه لقب "المظلل بالغمامة".
بينما يذكر صاحب كتاب "العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية أن المطهر فر هارباً من المؤيد في جبال اللوز وحصلت له مشقة عظيمة، وحصلت بذلك مساجلات شعرية بينه وبين الملك داوود المؤيد. ولم ترد عبارات المدح والغلو وخوارق العادات إلا في كتب الشيعة ومؤرخيهم، أو عند بعض المتصوفة.
وقال هذا الإمام عن الملك المظفر الرسولي عند وفاته قولة مشهورة، تعكس عظمة الملك المظفر وجلالة قدره وعلمه وثقافته ومقارعته الأئمة، وتعكس الإنصاف عند الإمام أيضاً، فقال: "مات التُّبَّع الأكبر.. مات معاوية الزمان.. مات من كانت أقلامُه تُكَسِّر سيوفَنا ورماحَنا".
وقد ذكرت كذلك شطحات متعددة في تاريخ الواسعي ص 201 عن (كرامات) بعض الأئمة، ومن ذلك مثلاً "أن التراب الذي فوق قبر الإمام المؤيد يحيى بن حمزة إذا وضع في محل لم يبق فيه حية ولا ثعبان، ويبقى نفع هذا التراب سنة، ومن كراماته أنهم يتعمدون إطفاء المصباح الذي في قبته ثم يشاهدون المصباح بعد ذلك مشتعلاً متقداً".
وقال الإمام الشوكاني مكذباً ذلك الاعتقاد: "ومما شاع على الألسن أنه إذا دخل رجل يزور قبر الإمام يحيى بن حمزة ومعه شيء من الحديد لم تعمل فيه النار بعد ذلك، وقد جربت ذلك فلم يصح". (خيوط الظلام ص 145، عن البدر الطالع للشوكاني ص 852).
على الرغم من أن يحيى بن حمزة هذا شهد له كثير من المؤرخين بالإنصاف والصلاح وعف لسانه عن سب الصحابة وأنكر على من يسب الصحابة، ولذلك عارضه قومه وخرجوا على إمامته.. ومن ذلك ما وصفه الجندي في كتاب "السلوك في طبقة العلماء والملوك" ب"كمال العلم ورسوخ الدين، ولولا حسد الأشراف له لاستقام إماماً فإن الإجماع منعقد على صلاحه لذلك".. وفي الدولة المتوكلية أيام الإمام يحيى حميد الدين، تواصلت هذه الدروشة الدينية والخرافات الباطلة.
وفي ذلك يقول المناضل الأستاذ محمد الفُسيِّل: "إذا تجاوزنا تاريخ حُكم الأئمة لأكثر مِن ألف عام وحصرنا حكمهم خلال القرن العشرين في عهد الإمام يحيى حميد الدين لوجدنا أنّهُ استطاع أن يحيط حكمه بهالة دينية زائفة ضلَّلَتْ الملايين منذ قيام حكمه في أوائل القرن العشرين وحتى اغتياله عام 1948م.
لقد كان حُكْمَاً كهنوتياً مستبداً يدّعي أنّهُ ظل الله في الأرض.
وأنّهُ ذاتٌ إلهيّة مقدّسة لا يجوز لأحد أن ينصحَهُ أو ينتقدَهُ. ومَن يفعل ذلك فهو من البُغاةِ الكَفَرَة".
ويستطرد الفُسيِّل يقول: "الأجيال التي لم تعشْ في أيّام الإمام يحيى لا تستطيع أن تتصوّر كيف استطاعَ حُكم الإمام يحيى أن يطمسَ من عقول الملايين القدرة على التفكير إلّا في إطار تقديس الإمام تقديساً عقائديّاً دينيّاً لا يفرّق بينه وبين الله. كما أنّ هذه الأجيال لا تستطيع أن تتصوّر معاناة الأحرار في نضالهم ضد تلك الخرافة المقدسة.
لأنّهم كانوا في الواقع يناضلون ضد عقيدة الشعب في الإمام. فكان أي حُرٍّ يريد انتقاد الإمام أوّل ما يخاف على نفسه من أبيه أو أمِّهِ وأقرب الناس إليه أكثر من خوفه من الإمام. فكُلُّهُم مضَلَّلُون يُقدِّسون الإمام ويبادرون بتكفير مَن ينتقدهُ وينبذونه، ورُبَّما سلّموهُ للإمام تقرُّباً إلى الله!!". (مجلة معين- العدد 243 سبتمبر 2001م).
ولعل أشهر دروشة من هذه الدروشات وتضليل الأتباع ما شاع عن الإمام أحمد حميد الدين في حادثة "القطرنة" وامتلاكه "الجن"، وكيف كان يستخدم المذياع الذي لم يكن يعرفه الشعب اليمني بعد للضحك به على الأتباع.
اختلاق خصم وتشويهه لاستحلال دمه
يعمل الحوثيون اليوم على اختلاق خصوم لهم تحت أي مسمى وبأية حجة، ليس لمجرد العداء والتخاصم وحسب، ولكن لشرعنة حروبهم ولتصفية ما يمكن أن تشكل عقبات لهم أمام مشروعهم العام، وهو إعادة الإمامة بثوب اثنى عشري، لم تعهده اليمن من قبل. فمنذ اللحظات الأولى لمشروعهم وهم يعدون له بشتى الوسائل، حيث بدؤوا بحفر الخنادق والمغارات والمتارس في الجبال وإعداد المليشيات قبل أن تشن الدولة عليهم حروبها الأربع الأولى، في مران وحيدان وساقين التي قالوا عنها أنهم مظلومون ومعتدى عليهم وهم يدافعون عن أنفسهم، خلصت الحروب وتراجع الجيش فاستولوا على صعدة بأكملها.. وفي اعتدائهم على كشر بحجة قالوا جاؤوا بطلب من بعض قبائل كشر، فاعتدوا على المساجد والمدارس وأحرقوا المصاحف، واستولوا على قرى ومزارع المواطنين، وزرعوا الألغام والموت لقبائل كشر وحجور.
وفي دماج قالوا: "يوجد أجانب وسيرحلونهم"، فهجروا كل السلفيين من بلادهم دماج، وهدموا مدارسهم وبيوتهم ومساجدهم واستولوا على أراضيهم وأموالهم.. وفي حوث قالوا: "للدفاع عن أنفسهم من بيت الأحمر"، ففجروا بيت الأحمر وكم مسجد على الطريق فاحتلوا حوث وما جاورها.
وفي همدان قالوا: إنهم جاؤوا "لكسر عصابة تقطع مسلحة وفتح الطريق"، ذهبت عصابة التقطع وقاموا باحتلال همدان وتدمير المساجد والمدارس وبيوت المواطنين، وفي أرحب قالوا: "لفتح الطريق"، وفي عمران اليوم يقولون: "للمطالبة بإقالة المحافظ والقشيبي".
ومؤخراً حاولوا بشتى الوسائل استعداء الإصلاح واستفزازه وجرجرته لمواجهة مسلحة معه بحجج مختلفة وواهية.
وعملوا بآلتهم الإعلامية على قذف وتشويه كل هؤلاء لاستحلال دمائهم وبناء مشروعهم.
ولم تكن هذه التصرفات والتبريرات وليدة اليوم، إنهم يتبعون خطوات من قبلهم من الإمامة، منذ مجيء مؤسسهم الأول وإلى اليوم.
ولعل أشهر حدث تزوير شخصي ما زورته الإمامة أيام الإمام الأول المؤسس يحيى بن الحسين الرسي، في حق علي بن الفضل الحميري، وذلك لتنفير الناس منه والعمل على مقاومة ملكه والخروج عليه.
حيث نسبوا له أعمالاً شنيعة وقبيحة ولا تمت للإسلام بصلة؛ مثل استحلال الحرمات وزنى المحارم واللواط وادعائه النبوة، والاستمتاع بتعذيب النساء وأسرهن وذبحهن، وشرب الخمر، وأشهر تلك الأعمال في تلك القصيدة المشهورة التي نسبت إليه، والتي تقول:
خذي الدفّ يا هذه واضربي *** وغنّي هزارك ثم اطربي
تولّى نبيّ بني هاشم *** وجاء نبي بني يعرب
احلّ البنات مع الأمهات *** ومن فضله زاد حلّ الصبيّ
لكل نبيّ مضى شرعه *** وهذي شريعة هذا النبيّ
فقد حط عنا فروض الصلاة *** وحط الصيام ولم يتعب
وما الخمر إلا كماء السماء *** حلال فقدّست من مذهب
فكان هذا الأمر ذريعة للهادي لمقاومة دولة علي بن الفضل، ومن بعده ابنه الإمام أحمد الناصر، بينما شهر عن ابن الفضل أنه ثار على سياسة توزيع الثروة في اليمن، وأنه كان يميل للاستقلال باليمن عن العباسيين والمهديين العبيديين الفاطميين في بلاد المغرب.
يدل على ذلك أنهم استخدموا في قتل ابن الفضل أحد شيعتهم المستقدم من العراق، وفي ذلك يقول مؤرخ دولة الإمامة محمد الكبسي: "وفي سنة ثلاث وثلاثمائة أراح الله العباد والبلاد بهلاك الطاغي علي بن الفضل على يد شريف حسني وصل من العراق".
الإمام الناصر يشوه الحسن الهمداني
ثم كان التشويه الآخر لأبي الحسن الهمداني أيام الإمام أحمد الناصر بن الإمام يحيى أحمد بن الحسين، واتهام الهمداني بالزندقة وسب آل البيت وحبسه وصرف الناس عن قراءة كتبه وإضاعة بعضها وإحراق البعض الآخر. فقد قال المؤرخ محمد الأكوع، محقق كتاب "الإكليل" في ذلك: "لا غرابة إذا حورب وأوذي، وحيكت حوله المؤامرات، من خصومه البعداء، ورمي بكل عظيمة حتى استطاعوا أن يؤثروا في قلب ملك اليمن وفارس حمير بن أبي حسان أسعد بن أبي يعفر الحوالي، فزج الهمداني في السجن بصنعاء، وضيق عليه الخناق، ولم يراعِ حق الجوار ولا القرابة ولا فضله ولا علمه ولا ولا.. استجابة لرغبة الذي تربطه السياسة المشتركة، والتي يعدها القادة أنها فوق كل اعتبار حتى فوق الدين، الذين يؤولونه ويستخدمونه في أغراضهم ومصالحهم".
وقال الأكوع أيضاً في مقدمة كتاب الإكليل ص 44/ج1: "ونقل ابن أبي الرجال في كتابه "مطالع البدور" عن بعض مؤرخي الزيدية: اعتقل لشأن في دينه، قيل بصنعاء، وقيل بصعدة أيام الناصر أحمد وأيام أسعد بن أبي يعفر، إلى أن قال: لهج ابن الحائك بتفضيل قبيلة قحطان على عدنان، وحقَّر ما عظَّم الله وتجاسر على انتقاص من اصطفاه الله"، وانظروا إلى هذه الكلمات الأخيرة "حَقَّر ما عظَّم الله وتجاسر على انتقاص من اصطفاه الله"، وهذه الكلمات مقصدهم سلالتهم واستعلائهم على الآخرين.
الإمام عبدالله بن حمزة والمطرفية
وفي بداية القرن السادس الهجري، إبان ضعف الدولة الأيوبية في اليمن، جاءت أشهر أعمال القتل والاجتثاث للمخالفين، حتى ولو كانوا من الهادوية أنفسهم، وحكم عليهم بالكفر والقتل، وبلادهم دار حرب "يقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم، ويُقْتلون بالغيلة والمجاهرة، ولا تقبل توبة أحدهم".
وقد أورد عبدالفتاح البتول في كتابه "خيوط الظلام – ص118″ تلك النصوص وفتواه، وأورد صورة بشعة للإمام عبدالله بن حمزة، في معاملة مخالفيه وتكفيرهم وإبادتهم، فقال: "كفّر عبدالله بن حمزة المطرفية وكل من قلدهم أو يحبهم أو يحسن الظن بهم, بل وكفر كل من يشكك بكفرهم, وقد وصل به التعصب والغلو إلى تكفير كل من لا يتبعه من الزيدية ووسع دائرة (التكفير) حتى شمل تكفيره جميع المسلمين ما عدا أنصاره حيث يقول: (فقد صح لنا كفر أكثر هذه الأمة).
الإمام شرف الدين يشوه العلامة الوزير
لقد كان الإمام شرف الدين شديد التعصب لمذهبه شديد الوطأة على من خالفه، فقد هاجم العلامة المجدد محمد بن إبراهيم الوزير هجوماً عنيفاً، وشنع عليه تشنيعاً كبيراً تعصباً، رغم أنه من آل البيت وعلى مذهبهم في بداية الأمر، وتحامل لموقف العلامة ابن الوزير ضد جده الإمام المهدي، وبلغ الإمام شرف الدين في خصومته وعداوته للعلامة ابن الوزير حتى قال عنه: "خرج عن مذهب أهله إلى مذهب الضلال، واشتهر محمد بن إبراهيم الوزير بما يسقط عدالته، ويخرجه عن حد قبول الرواية والشهادة" (خيوط الظلام ص 174، عن هجر العلم ومعاقله للأكوع).
الإمام المؤيد أحمد بن القاسم وأهل فيفا من عسير
ومع كل دولة إمامية تنشأ يتخذ الأئمة سياسة تشويه الخصوم لضربهم، ففي القرن الحادي عشر الهجري؛ زمن الإمام المؤيد القاسمي بأهل فيفا في عسير.
ومن ذلك مثلاً ما فعله الإمام المؤيد أحمد بن القاسم بأهل بلاد "فيفا" بالقرب من عسير سنة 1135ه، من تشويههم دينياً وقبلياً واجتماعياً. فقد روى الكبسي في تاريخه "المسالك والممالك" ص 324، 325، "أن أهل تلك البلاد لا يعرفون الله ولا رسوله، ولا أحكام الإسلام، ولا صلاة ولا صياماً، وكانت أنكحتهم على الجاهلية الجهلاء والغرانيق الأولى..إذا اشتهت المرأة رجلاً تزوجها من دون عقد ولا شهادة، وإذا وصل إليهم الضيف أكرموه وطلبوا له من نسائهم أجملهن يبتن معه في فراشه –إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل –".
وأضاف "أن جيش المؤيد ارتكب بحقهم مجزرة كبيرة، ولم يكن لهم سلاح إلا السهام والأوضاف [قطعة أو قماش صغيرة في اليد تجعل وسطها حجر صغير يرمى به الخصم، مثل المقلاع الذي يستخدمه أطفال الحجارة في فلسطين ضد الصهاينة] وجيشه مدجج بالبنادق والمدافع، واستولت جيوش الإمام على أموالهم وقراهم وكل ما يملكون.
فشردوهم في البلاد، وغني الفليس من أموالهم، وذللوا عاصيها، وملكوا صياصيها".
تشويه الإمام الهادي محمد بن المتوكل للفقيه سعيد الدنوي
ظل المعارضون لحكم الأئمة وأتباعهم يشوهون في كل زمان ومكان وأثناء معارضتهم وحياتهم، ففي القرن الثاني عشر الهجري برز اسم الفقيه سعيد بن صالح بن ياسين العنسي الدنوي صاحب الدنوة في إب معارضاً لحكم وطغيان الأئمة، بسبب أنهم كانوا يبيحون ويهدرون إب وتعز وعدن واليمن الأسفل عموماً وريمة أرضاً وإنساناً للقبائل المناصرة للإمامة وقطع الطريق، من قبائل بكيل والجوف وحاشد من ذو محمد وذو حسين وغيرهم، فبرز الفقيه سعيد بن صالح العنسي للتصدي لتلك الهمجية، فاجتمع الناس حوله من اليمن الأسفل ككل والمناطق الوسطى حتى قال المؤرخون إن اليمن الأسفل كله من عدن وحتى سمارة شمالاً وحتى زبيد غرباً دان للفقيه سعيد واجتمعوا تحت رايته وكونوا الجيوش المحاربة للتصدي للإمامة، وكانت أول ثورة وانتفاضة سنية ضد الإمامية منذ إسقاطهم الدولة الطاهرية.
استشعر الأئمة خطر تلك الثورة وخطر الفقيه سعيد أن هذه الثورة يمكن أن تسترد الحكم للسنة في اليمن، فقام الأئمة بتشويه الفقيه سعيد باتهامه بالسحر والشعوذة وأنه المهدي المنتظر، واتهموه في دينه ليؤلبوا عليه القبائل والقضاء على الثورة، فتم للإمام الهادي محمد بن المتوكل ذلك في القضاء على تلك الثورة وأسر الفقيه وقتله، بسبب خيانة قبائل بكيل من ذو محمد الذين دخلوا في جيشه وراسلوا الإمام سراً لاعتقاله وكشف جيشه، مقابل مكافأة لنقيبهم أبو حليقة، فقاموا فعلاً باعتقال قادة جيش الفقيه والغدر بالفقيه سعيد في يريم سنة 1257ه – 1841م. وكان أبو حليقة وقبائل ذي محمد ينقمون على الفقيه لأنه كسر شوكتهم وأخرجهم من قصورهم وأموالهم التي استولوا عليها في إب، فلما عفا عنهم ودخلوا في جيشه ضد الإمام كانت منهم الغدرة بسبب ذلك.
وفي الوقت الذي كان أبو حليقة ينتظر مكافأته من الإمام الهادي كافأه بأن ضرب عنقه على الملأ. وفي تشويه سمعة الفقيه سعيد جاء في "حوليات يمانية"، كما جاء في كتاب "خيوط الظلام ص 282″: "وفي جمادى الأولى لسنة 1256ه نشأت فتنة الفقيه سعيد في اليمن الأسفل، وهذا (الشيطان) ما هو إلا أكبر أهل الطغيان الذي شق للمسلمين العصا وتبع هواه وعصى، وقد صارت جميع البلاد من جند الباغي اللئيم والطاغي سعيد"..
الإمام يحيى وتشويه الأتراك
عمل الإمام يحيى على تشويه الأتراك وتكفيرهم لتهييج اليمنيين بالمقاومة ضدهم، مما جعل المشايخ يلتفون حول الإمام لمقاومة التواجد التركي في كل مكان في اليمن، وفي آخر العهد العثماني في اليمن عند إعلان صلح دعان، وعقد الإمام يحيى صلح (دعان) مع الأتراك سنة 1908م، كان الشيخ ناصر الأحمر معارضاً للصلح ولموقف الإمام يحيى نتيجة للتعبئة الإمامية ضد الأتراك، فقد فوجئ الشيخ ناصر مبخوت الأحمر أن الإمام يحيى بدأ يتحدث عن الأتراك بأنهم مسلمون إخوة لليمنيين بعد أن كان يصفهم بأنهم مستعمرون، بغاة، كفار تأويل، وأن من قتل تركياً دخل الجنة!
ولم يكن الإمام يحيى أول من كفر الأتراك، فقد سبقه الأئمة قبله لكي يعملوا على التفاف اليمنيين حولهم لقتال ومقاومة الأتراك في اليمن؛ فقد عمل الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم على نشر وبعث علماء الزيدية إلى القرى لنشر المذهب الهادوي وفقه الهادوية حتى يتحولوا إلى المذهب، فقد كان يتعصب لمذهبه إلى درجة أنه كان يقول بكفر الأتراك ويدخل في حكمهم من والاهم، ولو كان معتقده يخالف معتقدهم، وهذا ما عرف عندهم بالتكفير بالإلزام، حيث أن الأتراك حسب زعم المتوكل إسماعيل (كفار) والكفار إذا استولوا على بلاد وملكوها، ولو كانت من أراضي المسلمين تعتبر بلاداً كفرية؛ لأن أهلها أقاموا تحت أوامر وقيادة الكفار. وعلى هذا المنهج سار الحوثيون اليوم.
حيث يعتبرون أن كل من خالفهم عميل لإسرائيل وأمريكا، أو هو إسرائيلي وأمريكي.
بعد ذلك الصلح بدأت الخلافات مع آل الأحمر، وبعد وفاة الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر، بدأ الإمام يحيى مواجهته العسكرية لقبيلة حاشد وأبناء الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر، وبدأت المواجهة في حجة، عندما أيد الشيخ ناصر بن ناصر بن مبخوت الأحمر محسن شيبان في مواجهته للإمام يحيى، وأرسل أخاه الشيخ حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر لمناصرة محسن بن شيبان الذي ثار بسبب قيام الإمام يحيى بحبس أخيه يحيى بن شيبان الذي كان مسؤولاً عن حجة بتهمة إجراء اتصالات مع الإدريسي.. ونجح الهجوم على حجة، وتمكن المهاجمون بقيادة الشيخ حسين بن ناصر الأحمر ومحسن شيبان من الاستيلاء على قاهرة حجة وبعض حصونها، فقد كان أمير حجة سيف الإسلام أحمد بن يحيى خارج المدينة، لكن الإمام أرسل وساطة كان نتيجتها انسحاب المهاجمين بسلام وعودتهما إلى بلاد العصيمات.
وبعد فترة عاد الخلاف بين الإمام يحيى وبين الشيخ ناصر بن ناصر الأحمر، وأرسل الإمام جيشاً كبيراً حاصر حصن (حبور) في (ظليمة) وضربوه بالمدافع تحت مبرر أن أهل مناطق حاشد من رعية الإمام ولا ينبغي أن تبقى تحت سيطرة الشيخ ناصر الأحمر، وأيضاً تحت مبرر ضمان توريث النساء.
كانت الحملة مكونة من جيوش متتالية: الأولى عام 1341ه بقيادة الشريف عبدالله الضمين، والثانية بقيادة الأمير عبدالله أحمد الوزير عام 1343ه، وثالثة الحملات وأكبرها كانت بقيادة أمير حجة أحمد بن يحيى 1346ه..
وكانت نتيجة كل هذه الحملات انتصار جيوش الإمام يحيى وفرض سيطرتها مما أدى إلى إذعان آل الأحمر وتسليمهم للرهائن المطلوبين بعد أن أبدوا مقاومة شديدة.
الإمامان يحيى وأحمد وتشويه الزرانيق
واصل الإمامان يحيى حميد الدين وابنه أحمد قصة أسلافهما في تشويه الخصوم ومحاربتهم، وهذه المرة ضد قبائل الزرانيق التهامية. إذ اتهم الإمام يحيى قبائل الزرانيق بالعمالة للطليان والإنجليز، وفي 8 مارس 1928م من القرن العشرين قام الإمام يحيى حميد الدين بتجهيز جيش جبار لاجتياح تهامة وإخضاع قبيلة الزرانيق, بعد أن أعلن زعيمها الشيخ أحمد فتيني جنيد أنه لا سلطان للأئمة عليه وأن الإمام عميل بريطاني لأنه وقع على صلح دعان عام 1911م وانتهك سيادة اليمن الطبيعية وسلمها للمحتلين، لكن الإمام رد عليه بأنه عميل لإيطاليا التي كانت تحتل الجانب الغربي من مياه البحر الأحمر في اريتريا، وأنها تمده بالسلاح والمال.
وصل جيش الإمام إلى تهامة وعاث فيها فسادًا ونهب أكثر من «100» قرية كان أهلها مسالمين, لكن وبمجرد وصول قوات الإمام بقيادة علي بن الوزير نائب الإمام حينها والطامح إلى وراثة العرش إلى ضواحي مديرية الدريهمي جنوب مدينة الحديدة – حاليًّا – انقض عليه مقاتلو قبيلة الزرانيق وأذاقوه هزيمة منكرة دفعه للعودة إلى صنعاء ليجهز الإمام جيشاً آخر بقيادة قائد من صعدة ومن قبائل بني قيس يسمى علي بن يحيى القيسي.
ثم تحرك الإمام أحمد، كولي عهد لأبيه، في جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل ضد قبائل الزرانيق، وبعد حصار القبيلة من كل اتجاه بعد عام ونصف من القتال والحصار تمكن من إخضاع الزرانيق، وكان قد اتهمهم بالعمالة للإنجليز وأن الإنجليز يساعدونهم على التمرد على الإمامة.
وإمعاناً في تضليل الأئمة للشعب والناس، أطلق الإمام أحمد العديد من الشائعات والأساطير المغرضة المضللة. ومن ذلك مثلاً ما أورده الباحث اليمني الدكتور عبدالودود مقشر- أحد أبناء تهامة – الذي قام بإعادة كتابة التاريخ التهامي المتمثل في أطروحته الأكاديمية لنيل شهادة الدكتوراه والمعنونة ب"حركات المقاومة والمعارضة في تهامة 1918-1962م"، في دراسة ل"مارب برس": "استطاع احمد "يا جناه" آخر الأمر أن يُجند عددا من أبناء المنطقة كعملاء وطابور خامس، وهم من مشائخ وتجار الزرانيق، وبعد معركة شرسة وانتحارية دخل السيف احمد بيت الفقيه في 26 سبتمبر 1929 وعاث وجيشه بالمدينة قتلاً ونهباً وقام بهدم قبة ولي الله الصالح أحمد بن موسى عجيل (الفقيه الذي تنسب إليه مدينة بيت الفقيه حاليا)، ودُكت المنازل والقلاع وأطلق السيف أحمد الأساطير على أنه لا يُهزم وصاحب الكرامات وأن الجن تحميه حتى أُطلق عليه أحمد ياجناه وقام بأسر معظم مقاتلي الزرانيق بعد فرار زعميهم الشيخ أحمد فتيني جنيد عبر البحر وهو جريح وأسر زعيمهم الميداني الشيخ محمد سعيد مقبول وترحيله مع 721 من مقاتليه إلى سجن نافع بحجة حيث تم تصفيته هناك بعد انتصار السيف احمد «ياجناه» ذاع صيته كقاهر الزرانيق في كل أرجاء اليمن ليُصبح ولي العهد المنتظر، وهو ما عجل بغضب الأسر الهاشمية التي توارثت حكم اليمن عبر شروط الإمامة الزيدية التي تقضي بأن يكون الحاكم من العلماء حسب 14 شرطًا لم تتوفر في السيف أحمد".
اعتمادهم على السحر والشعوذة
ما روج عن الحوثيين في استخدامهم السحر في بعض المواطن والمواقف لم يكن افتراءً عليهم، فهي وسيلة لجأوا إليها في كثير من المعارك، وفي تجنيد الأتباع.
لم يكن ذلك مصدقاً من قبل كثير من الناس، والكاتب واحد منهم، حتى أجريت استطلاعاً بين بعض أتباع الحوثيين من مناطقهم، وقد أكدوا لي صحة هذه المعلومة.
قال أحدهم: "في منطقة من المناطق بعد دخولهم حوث جاء أحد قادتهم وأعطى ربة أسرة كيساً من الدقيق وطلب منها أن تصنع خبزاً "لأنصار الله" خلال ساعة وإلا سيقتلها، ريثما يغفو قليلاً.. استعانت المرأة بنسوة من جيرانها سريعاً لأن الوقت غير كاف للتجهيز، وبينما دخل الرجل في غفوته لاحظت في جيبه ورقة فاستلتها منه، وبعد ساعة من تعاون نساء القرية جهز الخبز، فنادته للقيام بأخذ الخبز، فدهش الرجل، وسأل لمن الخبز؟ ومن أعطاها الدقيق.. إلخ.
فقالت له أنت وقلت لتجهيزه "لأنصار الله"، فقال لها باللهجة البلدي: "أيّن أنصار الله أيّن طلي؟".
لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، فبالأخذ بالاعتبار أن رواي الحدث أو القصة إذا كان من طرف آخر تكون قصصا ملفقة..غير أن أحد قادة السرايا في الحرب السادسة بين الحوثيين والجيش روى للكاتب أنهم كانوا عندما يفتشون جيوب قتلى الحوثيين يجدون الكثير من الطلاسم السحرية وكذلك حبوب منع نزيف الدم، وهذه المعلومة تناقلها الكثير من العسكريين المشاركين في تلك الحروب، وكذلك بعض القبائل التي واجهتهم مؤخراً.
استعمال السحر لدى الحوثيين ليس جديداً في حركتهم، فقد استعان به بعض الأئمة قديماً في تجنيد الأتباع في مناطق تغلب عليها الأمية.
وقد شاع عن الإمام أحمد أنه كان يستخدم السحر والشعوذة إبان حكمه في اليمن، ولا ندري هل كان ذلك صحيحاً أم أنه من الحرب الإعلامية بين الثوار والملكية.
وبالنظر إلى تاريخ الأئمة، فقد ظهر سحرة يدعون الإمامة كأبي طير، والمحطوري، وغيرهما.
وفي نفس المنطقة التي ظهر فيها الساحر المحطوري أيام المهدي صاحب المواهب، ظهر الساحر أحمد بن الحسن المكنى ب(أبي طير) والمشهور ب(أبي علامة)، والذي كان يمارس السحر والكهانة، في عام 1182ه، ومثل المحطوري كان له أتباع وأنصار انتشروا في العديد من المناطق وأخذوا بالهدم والتخريب.
وقد أعلن أبو علامة الساحر خروجه على الإمام المهدي عباس ومعه مجاميع من أنصاره، وكانت أعداد من قبائل قحطان في عسير قد وقفت مع أبي علامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.