في أول جلسة عقدتها القوى التونسية، أمس الأول الإثنين، لمناقشة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي ستخلف حكومة الحبيب الصيد بعد سحب البرلمان الثقة من الأخيرة، اقترح رئيس البلاد الباجي قايد السبسي، وزير التنمية المحلية والقيادي ب"نداء تونس"، يوسف الشاهد، لرئاسة الحكومة الجديدة. لم يكن الأمر مفاجئا للمراقبين، حيث ذكرت تسريبات إعلامية أن السبسي بصدد تحضير "الشاهد" (41 عاماً) الذي لم تعرفه الساحة السياسية إلا منذ نحو 5 سنوات فقط، للمنصب الرفيع الأول في البلاد بعد رئيس الجمهورية، من حيث الصلاحيات، وفق الدستور. ورغم كون الأمر غير مفاجئ، إلا أن عصام الشابي القيادي في "الحزب الجمهوري" والمشارك في جلسة الإثنين، التي عُقدت في قصر قرطاج، بإشراف السبسي (مؤسس حزب النداء) قال للأناضول "طالبنا بالاتفاق على مواصفات رئيس الحكومة واتفقنا على العودة للحوار الأربعاء (اليوم) لحسم الأمر". "الشاهد"، ذلك الشاب الذي دخل ساحة سياسية تونسية يقودها كبار السن، لم يعرف عنه نشاطا سياسيا قبل ثورة 14 يناير/كانون ثان 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. فعندما دخل الجامعة عام 1995 كانت السياسة "قد ماتت فيها" بعد الإجراءات الأمنية القوية التي عرفتها ساحات الكليات التونسية عام 1991، وانتهت بقتل الشرطة لاثنين من ناشطي الاتحاد العام التونسي للطلبة (اتحاد وقع حلّه في عهد بن علي وعاد بعد الثورة). إلا أن "الشاهد" بادر في صيف 2011 إلى تأسيس حزب "طريق الوسط" قائلاً في تصريحات إعلامية آنذاك إن "غياب الشباب في الساحة السياسية دفعنا إلى تأسيس الحزب"، ولكن الحزب لم يكن له أي تأثير أمام هيمنة حركة النهضة على المشهد السياسي وفوزها بانتخابات 23 أكتوبر/تشرين ثان 2011. وخلال فبراير/شباط 2012 اندمج حزب الشاهد "طريق الوسط" مع أحزاب أخرى ليؤسس "الحزب الجمهوري" بقيادة السياسي المخضرم أحمد نجيب الشابي، ولكن الرجل سرعان ما استقال من الحزب صحبة 100 من الأعضاء بعد اغتيال المعارض القومي محمد البراهمي في 25 يوليو/تموز 2013 . وفي خضم الصراع الذي احتدم صيف 2013 بين الترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة، والمعارضة المجتمعة ضمن "جبهة الانقاذ" (ائتلاف بين الجبهة الشعبية اليسارية وحركة نداء تونس وأحزاب أخرى) استقال الشاهد برفقة 100 عضو من الحزب الجمهوري ونادوا في بيان "بإسقاط الحكومة وحلّ المجلس التأسيسي (برلمان مؤقت) وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتولى إتمام المرحلة الانتقالية". لم ييأس الشاهد من خوض طريقه إلى أعلى المناصب السياسية في وقت بدأ حزب "نداء تونس" يأخذ مكانه في الساحة السياسية التونسية، ولم يمرّ على استقالته من الحزب الجمهوري سوى شهرين حتى التحق بالحزب الذي سيفوز بانتخابات أكتوبر/تشرين أول 2014، حزب حركة نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي. في "نداء تونس" برز اسم يوسف الشاهد عالياً، لأول مرة، خلال الأزمة التي اندلعت في الحزب سنة 2015 بين نجل الرئيس حافظ قايد السبسي والأمين للحزب آنذاك محسن مرزوق، إذ كل الرئيس "الشاهد"، في أواخر نوفمبر/تشرين ثان 2015 بقيادة لجنة ال 13 لإيجاد حل لأزمة الحزب. هذا التكليف أثار حفيظة أنصار محسن مرزوق الذين اعتبروا أن الشاهد "دخيل على الحزب وهو قادم من الحزب الجمهوري وغير مؤهل لحلّ أزمة نداء تونس". وقبل أن يبرز اسمه في نداء تونس، تم تعيينه في فبراير/شباط 2015 "كاتب دولة للفلاحة (الزراعة)" (مساعد وزير الفلاحة) بحكومة الحبيب الصيد، وخلال التعديل الوزاري الذي أجراه الصيد لحكومته في يناير/كانون ثان 2016 تولى "الشاهد" حقيبة وزارة التنمية المحلية التي تعنى بشؤون البلديات، مما دفع بالمعارضة إلى اعتبار ذلك تحضيرا لسيطرة "نداء تونس" على الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها خلال مارس/آذار 2017. المعارضون لحزب النداء يقولون إن يوسف الشاهد، هو صهر الرئيس السبسي (دون توضيح طبيعة المصاهرة بين الاثنين والتي عادة ما تطلق على أهل الزوجة كالأبوين والأخوين والأخوال والأعمام) وأن بروزه يمهد لسيطرة "البَلْدِيَة" (صفة تطلق على ارستقراطية مدينة تونس العتيقة) على الحكم، فالرئيس السبسي هو أصيل مدينة تونس العتيقة، و"الشاهد" أيضا مولود في تونس العاصمة وحفيد راضية الحداد (1922 -2003) أبرز رموز الحركة النسوية التونسية القريبة من الزعيم بورقيبة وأول رئيسة للاتحاد النسائي التونسي. لكن مصادر أخرى تقول إن "الشاهد" ليس صهراً مباشراً للسبسي بل إن خاله هو زوج إحدى بنات السبسي. وبحسب مراقبين، يبدو الشاهد كسياسي شاب يعرف من أين يُؤكل كتف السياسة في تونس، ولكن التساؤل الذي يطرح اليوم في البلاد هو: هل سيكون العصفور النادر الذي تبحث عنه تونس لإخراجها من الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحتها البلاد منذ سنوات، وهل سيكون قادرا على تنفيذ أولويات "اتفاق قرطاج لحكومة الوحدة الوطنية؟". ومطلع يونيو/حزيران الماضي، اقترح الرئيس التونسي، مبادرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تكون أولوياتها الحرب على الإرهاب والفساد، وترسيخ الديمقراطية، تشارك فيها أحزاب ونقابات، على رأسها "الاتحاد العام التوسي للشغل" النقابة العمالية الأكبر في البلاد. وبعد مشاورات تواصلت لقرابة الشهر تم التوقيع في 13 يوليو/تموز الماضي على وثيقة قرطاج التي تنص على عدة أولويات لحكومة الوحدة الوطنية، تشمل "كسب الحرب على الإرهاب، وتسريع نسق النمو والتشغيل (العمل)، ومقاومة الفساد، وإرساء مقومات الحكومة الرشيدة، والتحكم في التوازنات المالية، وتنفيذ سياسة اجتماعية ناجعة، وإرساء سياسة خاصة بالمدن والجماعات المحلية، ودعم نجاعة العمل الحكومي، واستكمال تركيز المؤسسات". ويوم السبت الماضي، تم سحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد، لتكون بذلك حكومة تصريف أعمال إلى حين تشكيل أخرى جديدة.