(1) خمسة عشر عاما مرت منذ بدأ مسلسل الجرع، تغيرت فيه أشياء كثيرة حتى في تقاليد الطعام والشراب.. لكن شيئين لم يتغيرا في المشهد (التجريعي)، الأول هو الحزب المجرِّع وقادته المجرِّعون الذين جعلوا من (الجرعة) غاية لهم.. بدليل أن 15 عاما مرت وهم لازالوا يؤكدون أن (الجرع) هي الحل! والشيء الآخر الذي لم يتغير هو تبريرهم لرفع الدعم عن المشتقات النفطية بأنه يذهب لغير مستحقيه ويتم تهريبه إلى الخارج تماما كما كان الحال مع القمح والدقيق والأرز! وها نحن بعد كل هذه الجرع ما نزال بحاجة إلى جرع جديدة، فلا التهريب توقف.. ولا المليارات التي توفرت من إلغاء الدعم انتفع بها الفقراء وارتفع بها مستوى معيشتهم! ولا الدولار استقر أو هبط سعره!
(2) ربما كان من مظاهر أن حكومتنا صارت حكومة إلكترونية أن نوع الجرع تغير.. وصارت مثل وخز الإبر الصينية مع فارق أن هذه يجعل الله فيها الشفاء إن شاء.. وإبر حكومتنا ليس وراءها إلا الغلاء والضنك والمرض!
ولأن قطع العادة عداوة.. فقد قطعت حكومة المؤتمر عادتها بأن يسبق إعلان الجرعة قرار برفع المرتبات بنسبة ما مما يؤكد أنها العدو الأول للشعب.. أما هذه الجولة الجديدة من الجرع فلم يسبقها شيء إلا تهديد الاتحاد العام لعمال اليمن بالإضراب الشامل! والغريب أن الحكومة لم تنزعج من هذا الإعلان رغم خطورته إن تم بالفعل.. ولم تتهم قيادة الاتحاد بالإساءة للسياحة والإضرار بالاقتصاد.. وبدورها مرَّت تهديدات الاتحاد وإعلاناته عن الإضراب الشامل وكأنها حكايات ظريفة لا تثير غضب أحد! والغالب أن الاتحاد العمالي سوف يعلن –مثل الأنظمة العربية عندما تتعرض لعدوان صهيوني- أنه يحتفظ لنفسه بحق إعلان الإضراب في الوقت المناسب.. الذي لن يأتي أبدا.. فهذه المؤسسة النقابية تم السيطرة عليها وجعلها مثل مجلس النواب، والجهاز المركزي للرقابة أو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وأمثالها من الهيئات والمؤسسات التي تأسست للإصلاح والتقويم، مجرد هياكل، تحكمها روح الوظيفة والتوجيهات العليا التي تتحكم في حركاتها وأنشطتها بما لا يضر بالمصالح العليا.. للحزب الحاكم!
(3) شتان بين إضرابين، بين إضراب تمثيلي هو مجرد فرقعات إعلامية مثل الإضراب الكلامي للاتحاد العام لعمال اليمن.. وبين إضراب هيئة تدريس جامعتي صنعاء وعمران الذي تم (تعليقه) الأربعاء الماضي بعد التوصل إلى اتفاق مع وزارة التعليم العالي ورئاسة جامعة صنعاء يستجيب لكثير من مطالب أساتذة الجامعة، وقد أتيح لي مساء الأربعاء الماضي قراءة الاتفاق.. وبنوده لم تكن تستحق من رئاسة الجامعة والحكومة كل هذا العناد والمكابرة وتحدي الأساتذة المضربين.. ولو كانت الأمور مبنية على أساس سليم في الجامعة وفي الدولة لبادرت الحكومة والجامعة لتنفيذ تلك المطالب من تلقاء نفسها، ولكن المسؤولين هنا صنعوا مثلما قيل إنه كان يحدث مع الفلاحين المصريين الذين كانوا في عهد المماليك يرفضون تسليم الضرائب ويعاندون ويقبلون أن يتعرضوا للضرب المبرح على (الفلكة) حتى إذا فقدوا القدرة على الصمود انهاروا وسلموا الضرائب!
وهكذا صنعت الحكومة، وهدد رئيسها باستيراد دكاترة من بنجلاديش.. ومثله فعلت رئاسة الجامعة ووزارة التعليم العالي.. عاندوا وكابروا حتى ضاعت على طلاب الجامعة أسابيع من العام الدراسي دون دراسة.. وفي الأخير بعد أن شبعت ظهورهم، وافقوا ووقعوا اتفاقا لو كانوا نفذوا ما فيه دون مطالبة من أحد لسجله التاريخ بأحرف من نور في صفحات سجلاتهم! وهكذا يصنع (الدبور) بأصحابه!
(4) تعد الحكومة عدتها لعقد المؤتمر الوطني للمياه.. وهذا يعني شيئا واحدا هو: أن وقت الجفاف قد حان.. فطالما أن الحكومة قررت التصدي لخطر الجفاف فعلى اليمنيين أن ينتظروا زمنا قادما تسود فيه البقرات العجاف، وأن تزدهر أزمة المياه كما ازدهر من قبلها: الفساد وتدهور التعليم والخدمات الصحية والكهرباء عندما أعلنت حكوماتنا التصدي لها وإقامة مؤتمرات وإعداد استراتيجيات!
اللهم ياربنا يا كريم أبعد تفكير حكومة المؤتمر عن الأكسجين.. واصرفها عن التفكير بإعداد إستراتيجية له أو عقد مؤتمر وطني لكيلا نموت اختناقا!