من أصعب الأمور الحديث في البديهيات والنقاش حولها، لكن قبل الغرق في التفاصيل-حيث يكمن الشيطان- نحتاج قليلاً من عقل؛ مضاداً منطقياً لتطبيع المغالطات. ولأن طبيعة السياسة الخداع والتضليل واستحمار الشعوب؛ هذه بعض التساؤلات التي لا يماري في إجابتها عاقل قليل الإنصاف! حتى لا نغفل عنها ونحن نتلمس طريقنا للخروح من الأزمة الراهنة؛ وكي لا تتكرر بواعثها مرةَ أخرى على يدي فلان أو علان!.
- من الذي احتكم للسلاح ابتداءً –ومازال- في فرض خياراته؟ وبأي حق؟! ولماذا استساغ البعض أن يصفق له؛ ولمَ الأكثرية فضلت الصمت؟!
- من الذي اقتحم العاصمة وأعلن الانقلاب وداهم البيوت ونهب المؤسسات والمعسكرات وانتهك كل الحقوق والحرمات الخاصة والعامة ؟! ومن الذي وفر له الغطاء الأخلاقي والتبرير القِيَمي؟ (إزهاق الأرواح يمهد له دائماً إزهاق الحقائق)!
- من الذي بادر بقصف خصومه السياسيين بالطيران، وخصومه هنا هو الرئيس اليمني المنتخب؛ والذي حتى تلك اللحظة كان –ويا للعجب- مازال يدعو للحوار ولحل الأزمة سلمياً! الحوار مع المجرمين والحل السلمي مع مختطفي الأوطان بقوة السلاح.
- وهذه الطائرات الحربية اليمنية التي قصفت دار الرئاسة بالمعاشيق بعدن؛ قصفته بأمرٍ ممّن؟! ياااا إلهي ! هل تعقلون! ممّن يتلقى الطيران الحربي اليمني أوامره؟! مِن قائد الجماعة أم من رئيس حزب المؤتمرالشعبي العام؟!!
- كل ما مرّ كانَ قبل أن يكون هناك تحالف عربي أو طائرات تحالف أو أي عطوان أو..إلخ، وكل ما مر هو في عُرف أي مثقف أو حقوقي أو سياسي أو رجل دولة أو انسان! جرائم كبرى بحكم البداهة، والصمت عن تلك الجرائم جريمة لا تقل عنها؛ والتبرير لها خيانة.. لو كانت لدينا عقول!
- تلك أسئلة في الجذور.. نحتاج أن نتذكرها حتى لا نغرق؛ ونحن نبحث عن حل ومخرج؛ في التفاصيل ونتوه في الفروع، ومن ثَم لا يتضمن الحل وأداً لإمكانية تكرارها.
وهذا التوهان في التفاصيل هو بالضبط مايريده الحوثي اليوم.مستلهماً تجربته- وياللغرابة- من استراتيجيات الكيان الاسرائيلي في فلسطيين(وكلاهما شعب الله المختار)!.. إنها سياسة فرض الأمر الواقع، وإلهاء الرأي العام في الداخل والخارج بالغرق في الحديث في الجزئيات والتفاصيل والتخبط في متاهاتها؛ وهو تكتيك تدفع إليه وتشجع عليه أمريكا ومن ورائها جزء من المجتمع الدولي، ويساعدهم في ذلك عامل الوقت. وغرضهم؛ أن نقاربَ معالجة الأزمة بعيداً عن مسبباتها، أن نكتفي بإدانة مظاهر المرض بعيداً عن فيروسه! أن نملّ الحديث في الأسباب والجذور البدايات.
بدايات الجريمة الكبرى والفاحشة الأعظم: الانقلاب, اختطاف الدولة؛ استخدام السلاح وسيلة لحل الخلافات السياسية.
- قضيتنا التي خرجنا لأجلها في 2011 هي نفسها قضيتنا التي خرجنا لأجلها في 2014، وهي نفس ما خرج اليمنيون لأجله في 48 و 62 و 14 اكتوبر بلا أدنى فرق جوهري! لقد صارت لدى جيلنا؛كما أنها لدى العالم كله اليوم، من البدهيات والمبادئ العظمى؛ أحد القيم الأصيلة المتفق عليها في عرف المدنية البشرية في القرن الواحد والعشرين. ولذلك لم تتجرأ دولة واحدة إلى الآن –باستثناء إيران- بالاعتراف بسلطة الانقلاب أو المجلس السياسي المترتب عليه.
- يراهنون اليوم في كسر الشعب اليمني على طول الأمد وما يترتب عنه، وعلى مزيد من الإيجاع، والمغالطات في البدهيات. ولا يستبعد أن ينجحوا في ذلك إلى حدٍ كبير. فقد نجح أربابهم من قبل في استحمار العالم كله في شأن القضية الفلسطينية، فلم يعد أحد يتحدث اليوم عن فلسطين؛ إلا واختزلها في غزة، أو غزة والضفة في أحسن الأحوال. ونسوا البدايات، لأن البدايات تدين الصهاينة وتدمغهم بجرائم حرب قذرة في حق الفلسطينيين أرضاً وإنساناً؛ ويكاد لا يماري في تلك الجرائم أحد، كما لا يذكرها أحد!.
- إن تنازَلَ اليمنيون اليوم عن حلمهم في دولة مدنية يعيشون فيها على قيم العدل والمواطنة؛ فإن ذلك يعني السماح لدولة الاستبداد أن تستوطنهم لعشرات الأعوام القادمة، وأن تستعبدهم كما استعبدت آباءهم وأجدادهم من قبل.
إنه فقط استمرار لترحيل الأزمة والهروب بها للأمام. فإلى متى سيظل كل جيل يتنصل من دفع ضريبة الحرية ويلقيها على عاتق الجيل الذي يليه. إلى متى؟!