في السنوات القليلة الماضية، بثت شاشات دور السينما العالمية الفلم الأمريكي الأكثر إثارة وحيرة في عالم الإنتاج السينمائي، وتشير أحداثه إلى تعرض السفارة الأمريكيةبصنعاء لهجوم إرهابي أدى إلى تدخل الطيران الأمريكي الحربي الذي قام بقصف العديد من المناطق اليمنية. وفي هذا الفلم الذي تم إنتاجه وعرضه قبل أن تتم أي عملية إرهابية لتنظيم القاعدة في اليمن أصلاً، يظهر بعض الممثلين الأمريكيين وهم يرتدون اللبس التقليدي لليمنيين، وهو ما أثار استغراب كل من قام بمشاهدة الفلم لكونه ينبئ عن أحداث ليس لها صلة بأرض الواقع حينها. بل إن بعض المحللين السياسيين قالوا حينئذ بأن أمريكا أعطت ضوءاً أخضر لتنظيم القاعدة لمد نشاطه نحو اليمن، والقيام بمثل تلك الأعمال الإرهابية التي تخللت الفلم، في حين ذهب البعض إلى أن المخابرات الأمريكية هي من توقعت حدوث مثل ذلك وأن أحدهم قام بتسريب تلك التوقعات إلى المؤلف، أو أن كاتب الفلم تمكن بطريقة أو بأخرى من الحصول على ذلك وسارع إلى كتابة نصوصه وتقديمه ل "هوليود" لإنتاجه! وكانت تتم تلك الضربات الجوية للطيران الأمريكي، عبر معلومات استخباراتية بين أجهزة الأمن اليمنية والأمريكية. وأحياناً كانت تستند إلى ما ينقله عملاؤها من معلومات. وفي كلا الحالتين ارتكب الطيران الأمريكي أخطاء فادحة بسبب احتوائها على معلومات كاذبة! تلك الأحداث الخيالية التي دارت في الفلم الأمريكي، أضحت واقعاً حقيقياً، خصوصاً بعد أن قامت طائرة بلا طيار باغتيال أبو علي الحارثي في مأرب من قبل المخابرات الأمريكية، وفي 17 سبتمبر 2008 نفذ تنظيم القاعدة هجوماً انتحارياً على مبنى السفارة الأمريكيةبصنعاء عبر سيارتين تحملان مواد متفجرة، وفي ديسمبر 2009م قالت مصادر إعلامية أمريكية بأن الطيران الأمريكي نفذ ضربات جوية على معاقل القاعدة بمحافظتي أبين وشبوة. إذاً فلتلك الافتراضية التي تشير إلى ضلوع واشنطن في اغتيال نائب محافظ مأرب أمين عام المجلس المحلي جابر الشبواني، قد يكون فيها جانب من الصواب مع وجود البلاغ الكاذب، أو على الأقل أن الرجل تواجد في المكان والزمان الخطأ، وما يرجح هذه الافتراضية هو ذلك الغموض الذي اعترى تصريحات المصدر المسؤول بالسفارة الأمريكيةبصنعاء أواخر الأسبوع الماضي في حديثه لوكالة رويترز، إضافة إلى ذلك القانون الأمريكي الذي يخول للمخابرات الأمريكية القيام بقتل أو اعتقال كل من يعرض الولاياتالمتحدة ومصالحها للخطر في أي زمان وأي مكان. وبحسب أجهزة الأمن اليمني فهناك عدة أشخاص من أعضاء تنظيم القاعدة يقيمون في مأرب! تلك الافتراضية لم تنته بعد، خصوصاً بعد أن تسنى ل محمد سعيد بن جميل (شقيق زعيم تنظيم القاعدة بمأرب) الهروب، وبالتالي النجاة من الموت المحقق. فعلى إثر لقائمها، نزل الشبواني وبن جميل من سيارتهما صعدا على ربوة من رمال الصحراء يتجاذبان أطراف الحديث، وفي غضون ذلك قامت طائرة مجهولة بالتحليق فوق رؤوسهم. في المرة الأولى اكتفى الرجلان بالتحديق نحو الأعلى، وفي المرة الثانية لعلها أثارت الهلع في كيانهما بدليل أن الرجلين هرولا سريعاً ولكن في اتجاهين مختلفين! كل تلك الأحداث كانت في أقل من ثلاث دقائق، وكانت السيارتان بجوار بعضهما والرجلان قد ابتعدا عنهما بضعة أمتار، وحينما شعرا بالخطر، قام كل منهما بالاتجاه إلى مكان مغاير عن الآخر، ف الشبواني لجأ إلى سيارته في حين اتجه بن جميل نحو الرمال. يبدو تصرف الشبواني طبيعياً جداً، فالسيارة هي الوسيلة التي ستساعده على الفرار، في حين يبدو تصرف بن جميل مثيراً للغاية ويدفعك للشعور بأن الرجل كان يؤمن في قرارة نفسه بأنه الهدف! بسرعة فائقة وصل الشبواني إلى ما يحلو للبدو تسميته بحصان الصحراء (السيارة الشاص)، وحينئذ كانت الطائرة قد عادت للتو وقامت بقصف السيارتين. حينها تناقلت وسائل الإعلام نبأ مقتل الشبواني وبن جميل واثنين من مرافقي الأول، بل إن المرافقين المصابين بالحادث كانا يعتقدان مقتل بن جميل، ولهذا قاما بإخبار من قام بإنقاذهما بذلك. في اليوم التالي يظهر بن جميل في قريته ويحدث أقاربه وجيرانه عن هروبه ونجاته من القصف الجوي. بصراحة يبدو الأمر محيراً للغاية، خصوصاً وابن جميل لم يعد إلى مكان الحادث حينها، بل واصل طريقه دونما أسف على من كان برفقته أو على الأقل على سيارته! هنا تظهر العديد من التكهنات، فربما أن الرجل كان تصرفه تلقائياً وأن مشاعر الخوف هي من دفعته للقيام بذلك، أو ربما أن السيارة المستهدفة من القصف هي سيارة بن جميل وقد وضعت فيها شريحة إلكترونية لكي يتسنى للطيران تحديد موقعها، وأنه كان على علم بذلك فقرر الهرب، أو أن هذه الشريحة تم اكتشافها من قبل تنظيم القاعدة الذي قرر أن يرد الصاع صاعين وقام بوضعها على سيارة شقيق زعيم التنظيم. وبعيداً عن ذلك ربما أن المخابرات الأمريكية قامت بتجنيد أحدهم وأرسلت معه الشريحة لوضعها على سيارة بن جميل، لكن إسهاب الرجلين في حديثهما أدى إلى تلك الكارثة التي كان الهدف منها قصف المكان الذي يعيش فيه محمد بن جميل والذي تعتقد المخابرات بأن شقيقه يقيم برفقته! لا يزال هناك المزيد من التكهنات، ومنها تلك التي يتداولها سكان العاصمة صنعاء، في حين أن المقيمين في مأرب لم يلح في مخيلتهم ذلك السيناريو الذي يشير إلى أن جابر الشبواني أناطت به أجهزة الأمن مهمة وضع الشريحة الإلكترونية على سيارة بن جميل لكن تأخره عن المغادرة أدى إلى مصرعه، وهذا يناقض تماماً ما قاله بن جميل عن حكاية هروبه، فلو كان الشبواني يعلم بالشريحة وأنها قد صارت على متن سيارة بن جميل بعد أم أوكل لأحد مرافقيه بذلك، فالأحرى به الهروب إلى مكان آخر غير السيارة. في هذا السيناريو الذي يبدو فيه استهداف الشبواني مع مكانته في قبيلته ومحافظته، يشعر المرء بأن ذلك ناتج عن إشاعات قامت بالترويج لها جهة ما بهدف إلصاق تهمة التخابر والعمالة لأمريكا. حينما سألت أشقاء وأقارب جابر الشبواني عن توقعهم وتكهناتهم فهمت منهم بأن نجل شقيق الرئيس، عمار محمد عبدالله صالح، وكيل الأمن القومي لم يراع العشرة والعيش والملح -حسب قولهم- مع جابر الشبواني الذي من حبه المفرط أطلق على اثنين من أبنائه اسمي طارق وأحمد، بغض النظر عن الترتيب، ولهذا ستقوم الأسرة بتغيير أسمائهما بعد أن تنامى عندهم الشعور بعدم اهتمام الرجلين بالقضية وتقصيرهما اللامبرر في حق صديقهما. كذلك لدى آل الشبواني معلومات –بحسب قولهم- تؤكد بأن الطائرة أقلعت من مطار الدفاع الجوي بصنعاء.
كيف قضى نائب محافظ مأرب آخر ساعات حياته؟ تناول طعام الغداء في منطقة "القضى-آل شبوان" بمديرية الوادي، وعند الرابعة عصراً استقل سيارة عمه فهد جابر الشبواني-شاص 2008م، وطلب من سائقه الشخصي علي مهدي المكوث في القرية، واصطحب برفقته إلى جوار عمه ثلاثة مرافقين، وانطلق إلى مديرية "مرغل" واستقر به الحال في "كمب ربيش بن كعلان"، وذلك لحل خلاف بين أبناء قبيلة الجدعان، وظل في منزل الشيخ مرضى بن كعلان حتى انتهاء النزاع والصلح بين الطرفين. وبعد غروب الشمس اتجه إلى منطقة "الحدباء آل عوشان"، تناول العشاء عند الشيخ ناصر بن علي عوشان، وبعدها تلقى اتصالا ًمن محمد سعيد بن جميل (شقيقه قائد تنظيم القاعدة بمأرب)، وكان الهدف من الاتصال هو مناقشة احتياج المنطقة التابعة ل بن جميل لمحول كهربائي. بعد وقت قصير التقى الرجلان في منطقة "البطحاء" الواقعة ما بين "الحوى" و"الحدباء". وأثناء حديثهما قامت طائرة بقصف المكان، غير أن بن جميل تمكن من الفرار والنجاة من موت محقق، في حين لقي جابر الشبواني مصرعه واثنين من مرافقيه هما عبدالمجيد سعيد عنيج وعلي عزيز الجعوري، وأصيب في الحادثة عمه فهد جابر الشبواني الذي بترت قدماه وتعرض فهد سعود بن مجعل لشضايا وكسر في قدمه اليسرى، وكلا المصابين يتلقيان العلاج في أحد مستشفيات القاهرة. لعل النقطة المحيرة هنا، هو كيف تمكن شقيق زعيم القاعدة بمأرب من النجاة من القصف الجوي. هذا ما سنحاول الإجابة عنه في ثنايا هذا الموضوع. السيرة الذاتية ل جابر الشبواني ولد في العام 1979م وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي بمدرسة معاذ بن جبل مديرية الوادي محافظة مأرب، ونال شهادة البكالوريوس من كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء. شارك برفقة والده في حرب صيف 1994م. احترف العمل التجاري على يد والده، وقام بتأسيس وإدارة شركة ويكاندو للخدمات النفطية والمقاولات. عمل رئيساً لفرع المؤتمر الشعبي العام بمديرية الوادي. نال عضوية المجلس المحلي لمحافظة مأرب في العام 2006م، وانتخب أميناً عاماً لمجلس المحافظة، وأعيد انتخابه بالإجماع في 5 مايو 2010م في الانتخابات التجديدية لأمناء ورؤساء اللجان المحلية. متزوج وأب ل 5 ذكور و3 إناث. اغتيل في ظروف غامضة بعد أن ألقت عليه طائرة مجهولة قنبلة أدت إلى مصرعه واثنين من مرافقيه في ليلة الاثنين 24 مايو 2010م. هو الابن الأكبر للشيخ علي جابر حسن الشبواني الذي أنجب 27 من البنين والبنات منهم 21 ذكراً هم على التوالي: جابر، صالح، حمد، سعيد، فهد، عامر، محمد، إبراهيم، عبدالعزيز، عبدالله، عبدالحق، ناصر، مجاهد، راشد، عبدالخالق، مبخوت، خالد، قائد، تركي، عبدالواحد، طارق".