من أبرز سمات الأنظمة الشمولية ذات الحزب الحاكم الوحيد، هي احتواء كافة الأطياف السياسية الموجودة في الساحة، في بوتقة الحزب الحاكم، كما كان الوضع في المحافظات الشمالية. أو إقصاء الأطياف السياسية، وقمعها أمنياً وسياسياً، كما كان الوضع في المحافظات الجنوبية قبل الوحدة. وبما أن الوحدة كانت هي حلم الجماهير اليمنية، وفي لحظة تاريخية وسياسية وعالمية مواتية تم الاتفاق على الوحدة الاندماجية، وإعلانها في الثاني والعشرين من مايو 90م. وبما أن النظامين السابقين كانا شموليين، فلم تكن الوحدة ممكنة إلا بنظام سياسي جديد، فكانت الصيغة الديمقراطية هي أنسب الخيارات المطروحة. وظهرت على الساحة العديد من القوى السياسية، التي كانت غير معلنة. ولكن المؤسف أنه في ظل العهد الديمقراطي الجديد، لم يتخلص شريكا الوحدة (المؤتمر والاشتراكي)، من العقلية الشمولية القائمة على احتواء أو إقصاء الخصوم وتهميشهم. وظل كل طرف ينظر للآخر بعين الشك والريبة، وعلى خلفية نتائج انتخابات عام 93م، والتي أسفرت عن ظهور قوى جديدة وقلصت من نفوذ قوى كانت موجودة مسبقاً، بدأت الأزمة السياسية والتي أدت إلى حرب صيف عام 94م، والتي أقصت شريك صنع الوحدة (الاشتراكي) من السلطة، بتهمة التمرد ومحاولة الانفصال، وظهر التحالف الجديد القديم بين المؤتمر والإصلاح، والذي استمر حتى انتخابات عام 97م، والتي نتج عنها حصول المؤتمر على أغلبية ساحقة، وخروج الإصلاح إلى المعارضة، والذي أعتبره المراقبون إقصاء لشريك الدفاع عن الوحدة، واتهمت قيادة الإصلاح المؤتمر باستخدام موارد الدولة وإمكانياتها لمصلحته.
ولأن سياسة الإقصاء والاحتواء في ظل الهامش الديمقراطي، لا تحقق للحزب الحاكم راحة البال، وإنما تسبب الاحتقان والتوتر السياسي وتؤدي إلى قيام تحالفات جديدة، كتحالف المشترك الذي جمع فرقاء المعارضة اليمنية، من إسلاميين واشتراكيين وقوميين وغيرهم، وذلك لمواجهة خصمهم السياسي اللدود المؤتمر. فلعل هذا التحالف قد أزعج المؤتمر وشنت آلته الإعلامية عليهم حملة شديدة، مستغربةًً كيف تحالفت هذه القوى المتناقضة ولعل قيادة المؤتمر قد تناست أن كل هذه الأحزاب كانت من حلفاء المؤتمر قبل أن تتحالف ضده.
وما يؤخذ على أحزاب المشترك أنها تحالفت بسبب وجود خصم مثل المؤتمر، ويشكك البعض في إمكانية استمرار هذه التحالف في حال استطاع الوصول للسلطة، كون كل حزب ما زال مستقلاً في تنظيمه وهيكله وأنشطته الحزبية والتنظيمية ومتمسكاً بأيدلوجيته وعلى العموم تستحق هذه التجربة التأمل والدراسة كونها الوحيدة في العالم العربي.
وبهذا أصبح المؤتمر تقريباً شبه معزول في السلطة، وليس له امتدادات في ساحة أحزاب المعارضة، فتوجه للتحالف مع أحزاب ليست فاعلة سياسياً. وخلال فترة انفراد المؤتمر بالسلطة، حصلت تطورات ومستجدات خطيرة مثل المواجهة العسكرية مع جماعة الحوثي والتي استمرت على مدى ست جولات من الحروب وتوقفت دون أن تحل أسباب الصراع ومازال التوتر هو سيد الموقف بين السلطة والحوثيين. وخرجت في بعض المحافظات الجنوبية مظاهرات تطالب بحقوق المتقاعدين، وتقول الدولة أنها حلت مشكلتهم ولكن مظاهر الاحتجاج تواصلت وتحولت إلى ما يسمى بالحراك والذي رفع سقف مطالبه إلى حد الدعوة للانفصال. كما ظهرت القاعدة بأشباحها وتهديداتها، وجعلت اليمن تحت المجهر الدولي ويصدق على هذا الوضع المثل القائل (إن المصائب لا تأتي فرادى).
وفي ظل هذا المناخ المشحون ومن أجل تخفيف حدة التوتر، أعلن الرئيس في بيانه السياسي عشية الذكرى العشرين للوحدة،عن إطلاق سراح معتقلي الحوثيين والقاعدة. وجدد الدعوة للحوار الوطني الشامل، ومن ثم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية مع شريك تحقيق الوحدة وشريك الدفاع عنها، وأعتقد أن هذه الدعوة هي اعتراف ضمني بفشل سياسة الاحتواء والإقصاء والإنفراد بالسلطة. وأملي أن تحل كل مشاكل الوطن حول طاولة الحوار الوطني وتحت سقف الثوابت الوطنية.