يستخدم أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح عند الدفاع عنه الكثير من المصطلحات التي تتمحور حول مفهوم اللواكة أي أنه " لَوِك ". يقولون علي عبد الله صالح رجال، أحمر عين، يعرف كيف يرقص على رؤوس الثعابين، قلاب, مراوغ أو أنه شرد خصومة وبقي هو. يستخدمون هذه المصطلحات السلبية بطبيعتها على أنها إيجابية ويقصدون بها أنه رجل يجيد فن السياسة. فهل هذه هي السياسة وهل الشخص اللوك سياسي ناجح؟ في أول محاضرة لطلاب العلوم السياسية في جامعة صنعاء في العام 2000، افتتح البروفيسور أحمد الكبسي حديثه بتعريف علم السياسية. لكنه لم يبدأ كالمألوف بسرد تعريفات علماء السياسية للسياسة بل بدأ بالتصورات الخاطئة الشائعة لدى اليمنيين عن السياسة. فقال أن ما تعرفونه عن السياسة حتى الآن هو أنها الكذب والتضليل والمغالطة واللواكة واستخدام المتناقضات وخداع الناس للبقاء في السلطة. وسأل أليس كذلك؟ فأجاب الطلاب بسؤال يحمل الدهشة والإستغراب. إذن فما هي السياسة؟ بدا وكأنه أنه أصابهم نوع من خيبة الأمل، إذا قالوا في أنفسهم نحن جئنا لندرس السياسة على أنها ما ذكره الدكتور فإذا كانت غير ذلك فقد خدعنا.
دون أن يعرف الدكتور الكبسي ما جال بخواطر الطلاب قال أمسحوا هذه المفاهيم من رؤوسكم تماماً ولنبدأ دراسة علم السياسة. وبدأ بسرد اختلافات العلماء حول تعريف علم السياسة التي تتمحور حول السياسة كعلم الدولة أو السياسة كعلم القوة. دون الخوض في العمق الأكاديمي حول تعريف السياسة إلا أنه يمكننا القول أن غاية السياسة في مجتمع ما هي بناء الدولة لتحقيق الإستقرار في المجتمع والقضاء على الصراعات، وتحقيق أعلى مستوى من النماء والرفاه. إذا أردنا تقييم أداء علي عبد الله صالح كسياسي فعلينا النظر إلى إنجازاته المرتبطة بتحقيق الإستقرار وبناء الدولة وتحقيق التنمية. فهل تحقق ذلك على مدى ثلث قرن؟
يتفق الكثير على أن النماذج السياسية الأكثر نجاحاً في العالم الإسلامي هي مهاتير محمد في ماليزيا والشيخ زايد في الإمارات ورجب طيب أردوغان في تركيا. والنموذجين الأولين أكثر نجاحاً حيث أن الشيخ زايد ومهاتير محمد حيث استطاعا نقل بلديهما من مرحلة البدائية الى مرحلة ما بعد الدولة فحققا الإستقرار والنماء والسعادة لشعبيهما بينما في تركيا جاء رجب طيب أردوغان على دولة جاهزة أصلا فحقق الطفرة الإقتصادية فقط. ليس شرطا أن نقيم علي عبد الله صالح السياسي عن طريق مقارنته بهذه النماذج حتى لا نتجنى عليه. لكن حتى لو قارناه بأي نموذج فلا يمكن أن يحقق أي نجاح إلا عند مقارنته بالنموذج الصومالي حيث التطور العكسي التام للسياسة هناك من مرحلة الدولة الكاملة الى مرحلة الفوضى أو ما قبل الدولة. السياسة لم ولن تكن اللواكة ذلك المفهوم الذي يتقنه علي عبد الله صالح ويستخدمه أنصاره للترويج له على أنه سياسي ناجح.
في العام 2009 لم يرد أسم اليمن في تقرير للأمم المتحدة الذي تضمن أسماء عشر دول مهددة بالفشل كان منها في حينه الصومال والعراق وباكستان. احتفت وسائل الإعلام الحكومية آنذاك بالخبر. فقد كان عدم إدراج اليمن في قائمة اول الفاشلة من أبرز النجاحات التي حققها علي عبد الله صالح في فترة حكمة ومن يدري فمن المحتمل أنه كرم الدبلوماسية اليمنية على هذا النجاح اللافت. ترى هل أن خبر مثل هذا يستحق الإحتفاء والنشر؟ وهل هو دليل على المهارة السياسية أم عكسها؟ في العام 2010 نشرت إحدى المجلات السياسية الصادرة في لبنان على صدر صفحة غلافها وبالخط الأحمر العريض "علي عبد الله صالح بعد 32 عاما في الحكم يضع خطة لإنقاذ اليمن". بعد 32 عاماً من الحكم صالح سياسي ناجح لكنه بحاجة الى خطة لأنقاذ بلاده "نجحت العملية لكن المريض مات".
صالح ومخادع وماكر ولكنه ليس سياسياً ناحجا على الإطلاق وفق التعريف العلمي للسياسة. صالح يجيد اللعب على المتناقضات ويعرف كيفية التعامل مع الوسائل والأوراق التي بيده لكن مشكلته أن غاياته دائما سيئة لا علاقة لها بمفاهيم الوطنية والحكم الرشيد والمصلحة العامة. ظل لعقود يردد كلمات لها علاقة بالمبادئ السبتمرية والقضايا الوطنية وسقط في أول اختبار له عندما تحالف مع المليشيات التي دفع الوطن في مواجهتها بقيادته 60 ألف شهيد. أنا كمواطن عادي ليس لي مصلحة من دهاء علي عبد الله صالح المرتبط باللواكة والمكر فلماذا أمدحه على ذلك إذن؟ هو استطاع البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، ولكنه استطاع أيضا أن يعيق وصول المواطن اليمني الى النقطة التي كان سيصل اليها لو كان علي عبد الله صالح شخصا آخر كالحمدي مثلا. عند قيام ثورة فبراير أستطاع الإلتفاف عليها وحماية نفسه وأسرته. لكن ماذا عن المواطن البسيط؟ هل استفاد من دهائة؟ خلال فترة حكمة الرسمية الممتدة ل33 عاماً شهدت اليمن من الحروب والصراعات ما لا يمكن حصره وتعرض ما لا يقل عن 200 ألف شخص للقتل المباشر بسببها فضلاً عن الحروب والصراعات المسلحة الجزئية التي تنشب أو تغذى بين القبائل أو المديريات.
كان بإمكان علي عبد الله صالح أن يكون سياسيا ناجحا لو كانت غاياته سليمة. سيكون كذلك لو أنه استخدم مهاراته لتحقيق الإستقرار وتلاعب بالمتناقضات لتفتيت الكتل والقوى غير الوطنية من أجل السير في طريق بناء الدولة. لكن ما حدث أنه بدأ ب50% من الدولة وانتهى ب5% منها فقط. بدأها بشيخ يبتز الدولة لتحقيق مصلحته الخاصة وانتهى بشيخ أقوى من الدولة تخشى الدولة منه فتمرر له ما يشاء. بدأها بتحشيد الناس للقضاء على تمرد وانتهى بتمكين مليشيات من التهام الدولة. تحققت الوحدة في عهدة -وهي حسنته الوحيدة - وتحولت الى كابوس عند نصف الشعب وأصبح بعض النصف الثاني يتمنى انتهائها. بنى جيشا قويا بنصف أقوات اليمنيين فظل طريقه وترك المليشيات تعبث بالوطن واتجه لقصف المواطنين في تعز ومأرب وغيرهما. ترى لو لم يكن صالح فاشلا ما الذي كان سيحدث أكثر!؟ هناك تعريف مهم للسياسة في الفكر الإسلامي جدير بأن يذكر وهي أنها "فن استصلاح الخلق" فهل استصلح صالح شعبه!؟