في الحادية عشرة وعشرون دقيقة من مساء الاثنين الفائت غيب الموت يحيى علاو بعد ترحال وجلد قاسي مع المرض بين برلين وعمان وصنعاء ليرحل تاركا قلوبا مكلومة وأنات باك حزين. خرجت الجموع تودع يحي علاو وعن قناعة ورضى لم تغلق المدارس ولم يساق الموظفين لميدان السبعين.. كانت الرغبة جامحة لوداع فارس أبيض ترجل باكرا مخلفا ورائه الحسرات ودموع المحبين في شواطئ البلاد وسهولها والوديان.
لكنه يحيى متفرد في حياته ومماته يسبقه الصبر ويسير في دربه الكبرياء ويملا محياه البسمة والرضى ويتبعه خفة ظله الأسمر..
متفردا في سلوه وغضبه.. ساخرا من ماراثون سباق القابضين على متع الدنيا حد التهكم..
بعد ثلاث ساعات من الرحيل كنت في منزله أتأمل علي نجله الأصغر ذو السنوات الخمس له "8" ذكور و"4" إناث وأقول في نفسي كيف سأهل التراب في قبر أباه وأنا المولع بالحنين ومحاصر بالذكريات والحامل لأسى الجميل منذ سنوات.
كيف يترجل يحي دون أن يكون لنا حيلة والله المستعان؟.
كيف يغادر "يحيى" في فصل الربيع وهو الذي ينتظره كل عام حتى تحلق حدقاته في السهول والوديان لرسم صورة البساط الإلهي في الأمكنة والوجوه..
هي الأقدار لا شك تأتي دونما استئذان وتلك مشيئة الله ولا راد لقضائه لكننا أهملناك يحي وأنت الذي كنت تعلمنا معنى الإخاء والوفاء.
كان الحياء يكسو سحنته.. وتراه يبتسم وليس له خصوم.. ممتلئ بالمعرفة ومحشو بالإنسانية والنبل.
فراشه البساطة ورأس ماله التواضع وكل قوته الناعمة أناس عاديين رأوا فيه حلماً يطل عليهم في ليالي رمضان.
راحوا يسيرون خلف نعشه الطائر تسابقهم دموعهم وهم يدعون له بإخلاص وإقدام وثبات الواثقين بصلة العباد بخالقهم.
أكثر من مرة كان يقول إن الإنسان الذي لا يترك بصمة في حياته يكون قد قصر بحقه ووطنه لذلك كان دائم المثابرة والاجتهاد.
اختار يحيى علاو مهنة التعب اللذيذ وكان فارسها الذي ترجل في قمة العطاء، سلام عليك يايحيى لقد كنت كالحلم منذ فجر صباك وكنت كالحلم أيضا عند الغياب.