إذا تحرك أي مكوِّن من المكوّنات الوطنية خارج إطار الدولة فهو يحكم على نفسه بأن يكون حوثياً بطريقةٍ أو بأخرى.. إذ أن اختلافنا الرئيسي مع الحوثي هو روح العصابات وقطاع الطرق التي تحكم طريقة تفكيره وسلوكه السياسي!.. التحرك خارج إطار الدولة واستخدام العنف والقوة وسيلة وأسلوباً للسطو على إرادة الشعب وثرواته. الكفر بالدولة المدنية والتصرف بمنطق الميلشيا. تقويضه عن سبق إصرار وترصد لكل أشكال العمل السياسي. ومحاولته جر الجميع إلى مربعات الفوضى وفقه الغلبة بمنطق عبس وذبيان. وأي فصيل أو حزب أو جماعة سياسية أو دينية أو اجتماعية؛ أو أيّاً كانت لافتتها تسلك ذات السلوك وتتدثر بذات المنطق فهي تحكم على نفسها بأنها نسخة حوثية وإن زعمت غير ذلك.
ربما عبّر عن معظم اليمنيين أحد شبان اليمن حين قال: " أعلنها كيمني ثائر، ينتمي ل11 فبراير أني أحب اليمنيين جميعاً بلا استثناء؛ بجميع طوائفهم ومذاهبهم وأديانهم؛ بمختلف أحزابهم وجماعاتهم ومناطقهم وآيدلوجياتهم؛ الناصريين والاشتراكيين والإصلاحيين والمؤتمريين.. السلفيين والإخوان والبهرة واليهود.. أصحاب مطلع وأصحاب منزل.. الشماليين والجنوبيين.. الزيود والشوافع .. اليساريين والليبراليين والعلمانيين والإسلاميين.. الجميع بلا استثناء.
فقط نوعٌ واحدٌ أستثنيه وأرفضه. وأرفض معه كل من يقف وراءه أو يدعمه بالقول أو القلب أو الفعل، أيّاً كان ومن أيٍّ كانْ. أرفض كل من يتنكر للقيم المدنية التي ضحى اليمنيّون لأجلها بالنفس والنفيس منذ ثورتهم الدستورية 17فبراير 1948 وحتى ثورة 11فبراير2011.. وما يزالون.
أرفض كل من اتخذ الإقصاء له منهجاَ والعنف شريعةً والسلاح أسلوباً لفرض قناعاته وخياراته على اليمنيين". فالاختلاف حتمية وضرورة بشرية وكونية؛ شئنا أم أبينا. نختلف مناطقياً وسياسياً وفكرياً ... لكن حتى يبقى هذا الاختلاف في إطار الإئتلاف. وحتى يكون تنوعاً لا تنازعاً؛ وتعارفاً لا تعاركاً يجب أن يظل محدودا ومؤطراً بأطر الدولة المدنية والتي من أبدَه بدهياتها مبدأ الشرعية الشعبية السياسية.. وإلا تحولت المجتمعات والدول إلى القبائلية والعشائرية وقانون الغاب وإن رفعت شعارات براقة..
أظن مجتمعنا اليمني اليوم صار من الوعي بحيث لا تغره الشعارات ولا يحدّق في الأقوال كثيراً بل ينظر للأفعال.. وتجربته الأخيرة مع الجماعة الحوثية علمته الكثير؛ فهو –كمثال- رأى الحوثي يتباكى على الحسين لأنه قُتل عطشاناً في حين يمنع مسيرة الماء عن تعز ويعتقل ويعذب من نظموها! رآه يتباكى زوجات الحسين وأطفاله المقتولين ظلماً في ذات الوقت الذي تقتل فيه ميليشياته زوجة المحامي طه فارع في تعز أمام أطفالها. ثم تقتل أخيه وبعض أطفاله أمام بقية أفراد الأسرة..
هذا السلوك طبيعي جداً لكل من تمنطق بمنطق العصابات؛ وهو يليق بقطاع الطرق والخارجين على القانون.. لقد صارت شرائح عظمى من الشعب اليمني تدرك أن من يسطو على شعب ويقصف مدناً لا يُستبعد أو يُستغرب ارتكابه بجرائم وانتهاكات بحق أفراد مهما بلغت فظاعتها.
الحديث عن جرائم الحوثي هنا كمجرد شاهدٍ ما زال شاخصاَ وحاضراً بكيانه الاعتبارية وآثاره الناطقة بمدى وحجم الجنايات التي يرتكبها في حق نفسه ووطنه كل كيانٍ يتحرك بأجندات غير شرعية وخارج أُطر الدولة.. هذا صار مفهوماً وواضحاً لدى معظم اليمنيين، وينبغي أن يكون محل توافق وإجماع كل القوى الوطنية الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي اليمني وينبغي ألا تؤثر في توافقهم اختلافاتهم الآيدلوجية أو تباين وجهات نظرهم وخصوماتهم السياسية، وذاك هو الحد الأدنى من التوافق المطلوب منهم للوصول باليمن إلى بر الأمان.. أقول ذلك وفي مخيلتي مشهدان متناقضان شهدتهما تعزوعدن الأيام الفائتة؛ إحراق مقرات للإصلاح في عدن واعتقال قيادات سياسية وشعبية محسوبة على الحزب، خارج كل قنوات الدولة اليمنية، وهو بالطبع ما استنكرته كل القوى السياسية، واللافت هنا هو اتفاق الجميع على أن هذا ليس استهدافاً للإصلاح بل استهداف للوطن كله ومحاولة يائسة وبائسة لتخريب وتجريف كل نضالات اليمنيين نحو دولتهم المنشودة.
والمشهد الثاني ما تعيشه مدينة تعز من انتعاشةٍ غير مسبوقة وعودةٍ لمؤسسات الدولة بأجهزتها الحيوية وافتتاح البنك المركزي وإخلاء الأولوية العسكرية للمقرات المدنية؛ وعودة المعلمين إلى مدارسهم... ثم الإحتفال بعيد4أكتوبر والذي شاركت فيه فرق ووفود فنية لحجوعدن ومحافظات أخرى.
ما يبعث على التفاؤل في كلا المشهدين، رغم تناقضهما، هو توافق المكونات السياسية واتفاقها الضمني على المبادئ والحدود الدنيا من مبادئ العمل السياسي ولذا رأينا الإجماع على استنكار ما حصل في عدن ودعم جهود الوفد الوزاري في تعز.