أسوأ ما أنتجه الإنقلاب وما أنتجته الشرعية: فشلهما في الحرب وفي السلام أيضاً. وأسوأ ما تنتجه الحرب :من يقتاتون على الحرب ومن لايستطيعون حسمها. وأما كل من يقاومون بخطاب مناطقي وطائفي أهوج ، لا بخطاب وطني وبمشروع سياسي موحد، لايمكن التعويل عليهم أبداً. ذلك أنهم أكثر حماقة، وفي وعيهم مرضٌ أشد من الذين يزعمون أنهم يقاومونهم حالياً، بينما يلتقيان في النهاية عند نقطة بغيضة واحدة غايتها تغييب الدولة، وازدهار المليليشيات، وإزهاق المواطنة، و تجريف حلم انبعاث جذوة اليمن الجامعة والناضجة، من أجل تصحيح و نهوض المشروع الوطني اللائق والمتعافي لكل اليمنيين. على أن ماهو أقسى وأبشع من الإنقلاب وتداعياته هو صراع أطراف الشرعية مع بعضهم من ناحية وصراع دول التحالف مع بعضها البعض من ناحية ثانية. والحال أن كل الأطراف خدمت بعضها-وتواطأت وهيأت المسار- للوصول لحالة الحرب واللادولة. بينما تقول الحقيقة إن أعداء الدولة التي تحتكر السلاح ويسودها القانون هم الأقلية. لكن على مرأى ومسمع ومباركة الجميع داخلياً وخارجياً وعلى مدى سنوات كانت تتشكل قوات الحوثي بل كانت أوضح من شمس وهي تتشكل وتتنظم ولائياً في أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع فيما كل القوى في الدولة والمجتمع لا يريدون رؤية ذلك ومخاطره .. حتى حدث ماحدث. وبالمقابل لطالما وقفت المملكة ضد جمهوريتنا..أما الآن فإن خطر إيران يشملنا معاً.. لكن هل مازالت السعودية ضد بناء دولة يمنية قوية.. إن ما حصل سببه الجوهري التاريخي أن السعودية وقفت منذ الثورة الأم ضد نهوض دولة يمنية ناهضة للأسف. وبالتأكيد لا تقدم ولا نهوض بدون إحتكار الدولة للسلاح وإنفاذ قوانين المواطنة المتساوية. كذلك فإن الأحلام تظل أحلاماً والواقع هو الحقيقة فقط.. بمعنى أن مراكز القوى القديمة التي لا تريد دولة تحاول العودة وهناك مراكز قوى جديدة لا تريد دولة تتشكل حالياً بالحديد والنار فيما الصدام قائم بينهما وأما الشعب فهو ضحية ولذا فإن المعركة مستمرة إلى حين تتوحد طاقات الشعب بالتراكم وبالإدراك للوقوف أمام تلك القوى البغيضة بمشروع جامع ووطني لدولة ضامنة.. كما أننا فوق هذا كله صرنا جزءاً من اللعبة الإقليمية والدولية شئنا أم أبينا. وعليه فإن من اعتدوا على كل اليمنيين بسلاحهم الميليشياوي الانقلابي الهمجي الاستعلائي من السخف أن يقولوا إن هناك عدوان على اليمن لأنهم قوضوا اللحمة الوطنية وجرفوا الدولة كما جعلوا البلد مباحاً لهم وللخارج وهكذا صاروا السبب الأساس لحالة الاستلاب في السيادة واستمرار حالة اللادولة. ثم إن ما يحدث هو نتاج طبيعي لنظام أقلية الإستبداد والاحتكار العائلي والسلالي.. نظام الحزب التوريثي الإفسادي والمذهب المتنفذ الرث الذي فشل سياسياً في إنتاج دولة الديمقراطية والمواطنة. غير أن ثقافة لوم الضحية هي أحقر منتجات الوعي العربي اجتماعياً ودينياً وسياسياً بصفتها ثقافة تبرر التعصب والخوف والإنتهاك والتضليل كما تعصم تسلطية الجاني وتحصنه من المساءلة مكرسة لغشم القوة وملغية للحق وللإنصاف.. ثقافة انفصامية واغترابية ونفاقية وذات تداعيات وتراكمات وتشوهات. ولعل من أفظع نتائجها أن يعيش الضحية في مأزق عقدة الضحية الطاغي تاريخياً ونفسياً إلى حد الإنحراف والتماهي مع عقلية الجلاد نفسه- وهناك أكثر من فارق بالطبع بين أن تقاوم الجاني كفعل أصيل وبين أن تصبح في هيئته تماماً من ناحية الإنتهاكات والجرائم - إذ عند هذه النقطة الازدواجية يبتهج الجلاد فقط. ولكن كما قال الفلسطيني الجليل إدوارد سعيد " فرادة موقفنا هي أننا ضحايا للضحايا" .!