لتكن الحكاية من البداية . من الطرف الأول ومن أول السطر. من داخل قاعة لقمان بجامعة عدن. والمناسبة انعقاد فعاليات المؤتمر العاشر لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين:(مؤتمر الفقيد الدكتور عبد الرحمن عبد الله إبراهيم) والمهرجان السادس للأدب اليمني تحت شعار: (حماية الحريات العامة تأصيل للديمقراطية والإبداع والتحديث) في الفترة بين 24-27/5/2010م .وكل هذا قد تم الإعلان كما والكتابة عنه في حينه على هذه الصفحة. لكنها كانت كتابة تقريرية إخبارية ترتكز على حتمية إلزام تلك الكتابة بنقل ماحصل على الأرض كما هو بدون إقحام التفسير والرأي الشخصيين .وهذا من بديهيات كتابة الخبر الصحفي ولا جديد فيما أوردته. لكن ، قد يقول أحدهم: لماذا الآن هذه الكتابة المتأخرة وقد غاب المؤتمر وماكان فيه ؟
هنا إجابة عن هذا السؤال :
(1) بداية ، مايزال المؤتمر معلقا بين السماء والأرض ، لم ينته ولم تنزل الستارة على فصله الأخير . من تابع ماجرى فيه يعرف هذا .أي أنه لم يتم بعد انتخاب الأمانة العامة الجديدة له.
وثانيا وأخيرا ، وهو الأهم : أن لي في هذا الاتحاد نصيب بعضويتي العاملة فيه على الرغم من عدم فوزي في انتخاب فرع صنعاء المرشح للمندوبين الذين لهم حق التصويت والمشاركة والنقاش في المؤتمر العام العاشر بسبب ظروف اضطرتني السفر خارج البلاد وقتها .على الرغم من علمي اللاحق أن هناك من غاب عن انتخاب الفرع وتم ترشيحه وفوزه وهذا يعد مخالفة .ماعليّ من هذا فكل يعمل بحسب مايراه احتراما لذاته ولا علاقة لي بفعل الآخرين . وعليه لم يكن لي حق التصويت أو الكلام أو إبداء أي ملاحظة حول كل ذاك العبث الذي كان يدور في قاعة لقمان وأنا في الصمت التام . باستثناء لحظة قرف واحدة ارتفع فيها صوتي في وجه زميل عزيز وطيب طالب عن جهل باللوائح بخروج غير المندوبين من القاعة .حينها لم أحتمل وأنا أرى لحقي كعضو اتحاد أدباء في حضور فعاليات المؤتمر دون المشاركة فيه .( لولا خشيتي من إمكانية تعرض هذا الزميل العزيز لأذى بسبب نزول اسمه في جريدة " الثوري " لكنت كتبته.هناك من يتعامل مع هذه الجريدة وكأنها منشور منتم لمنظمة سرية تهدف زعزعة استقرار الوطن. عموما ، هنا اعتذاري له ) .
كنت صامتا ، نعم . لكني رأيت المذبحة .
(2) أول الكفر . بداية المؤتمر.تشكيل رئاسة وأعضاء لجان . ضجيج وهرج ومرج وأصوات من كل مكان .يسألني القائم بأعمال القاعة مستفسرا عن حقيقة مايرى وكونه صادرا عن أدباء. قلت : سترى ولاتسأل عن سوق أنت داخله . يخرج صوت من مايكرفون تحمله رئيسة المؤتمر التي تناوبت عليه أسماء كثيرة . يطلب الصوت خروج غير المندوبين من القاعة .وفي هذا مخالفة صريحة لبديهية حق أي عضو عامل في الاتحاد حضور مناقشات التقرير المالي ومايلي من إجراءات .المصيبة أن هذا الطلب تكرر لأكثر من مرة ومن أكثر من شخص ، أولها من زميلي الطيب إياه .كان في تكرار الأمر شك في أن طبخة يتم الإعداد لها ولا يود لها أن تُشم .
وعليه سارت الأمور . بذات الضجيج والهرجلة .بذات السخرية وفي تمام كمالها من تاريخ اتحاد كان نقطة ضوء في محيط مظلم تماما . كان رئيس الاتحاد السابق يقوم بترشيح الناس من عنده . من فوق المنصة لرئاسة المؤتمر والأعضاء وكذا بقية اللجان . وسط جو من الصراخ والأيدي المرفوعة والأصوات التي لاتعرف لفرط اختلاطها هل هي موافقة أم معترضة على تلك الأسماء التي يتم إعلانها .لكن هناك من كان يستطيع الوصول إلى المنصة صاعدا لتمرير هذا الاسم أو لتمرير رغبة مندوب أخر في عدم قبول ترشيحه.وعلى هذا المنوال سارت الأمور وسط ترقب بالأسوأ.وعليه انتهى اليوم الأول لنلاقي صباح اليوم التالي مانشيتات الصحف الرسمية قائلة : " في أجواء اتسمت بالديمقراطية .... افتتحت أعمال المؤتمر العاشر لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين "! كم صرت أمقت تلك العبارة الافتتاحية التي تحمل زيف وكذب العالم كله.
(3) المهم . انتهى تشكيل اللجان وبدأ النقاش .وفيه لك أن تسمع ماشئت أو لا تسمع بما أن الأمور تسير في جو ديمقراطي وربيعي وحلو والأزهار تساقط من أعلى نازلة على الحاضرين . وبما أنني ديمقراطي وأحب الديمقراطية التي بدونها يكون اختناقي وموتي الأكيد فقد جلست وسمعت وإليكم بعض مما سمعت في ذاك النقاش الديمقراطي جدا :
· يطلب أستاذ جامعي معروف باحترامه لذاته ولدرجته العلمية طالبا الكلام .يقول أن البلد تعيش في أزمة حقيقية باعتراف السلطة ذاتها وأن هناك شرخا يتسع يوما عن يوم في بنية المجتمع اليمني ناتج عن الفساد الممنهج والظلم الاجتماعي والسياسي ما أدى لوقوع الوحدة اليمنية في مساق الأسئلة الصعبة والمصيرية وقد صار لابد أن يكون للاتحاد صوت إيجابي في وسط هذا الحاصل بحسب سياق الاتحاد التاريخي.وهو كان يقول هذا بكل الصدق الذي عُهد عنه . لكنه يضطر للتوقف بعد خروج صوت أنثوي صارخ من أعلى المنصة مستنكرا مثل هذا الكلام ، مؤكدا ( أي الصوت الأنثوي ذاته ) أن للوحدة اليمنية عشرين مليون يمني سيقومون بحمايتها والذود عنها .لايختلف هذا الصوت هنا عن صوت ميليشيا الدفاع عن الوحدة التي تم الإعلان عنها قبل وقت غير قليل وبدأت تأتي أُكلها وحصادها الآن . الفارق بين الصوتين أن الأول لأديب وعضو في إتحاد أدباء والثاني صوت لميليشيا تهوى الدم وتود لو رأته مسكوبا في الشوارع . · يطلب صوت أخر مطالبا بضرورة تضمين البيان الختامي فقرة تطالب عدم تقييد حرية الرأي أو معاقبة الصحفيين بالسجن أو إغلاق صحف والدفاع عن الحريات العامة وتشجيع مبادرات منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية . ليتكرر ذات الأمر ولكن من داخل القاعة هذه المرة وليس من منصة رئاستها .وهذه المرة ليس صوتا واحدا بل أصواتا كأنها هبطت من خارج كيان الاتحاد وليس من داخله . أصوات ارتفعت معترضة على هذه الفقرة ! لكم أن تتصوروا هوية وشكل وملامح أديب وعضو في اتحاد للأدباء والكتاب يقول معترضا على ماتم طرحه ! وكي لاننسى هنا فقط أن الشعار الذي أقيم تحته مهرجان الأدب اليمني السادس المصاحب لفعاليات المؤتمر العاشر كان : (حماية الحريات العامة تأصيل للديمقراطية والإبداع والتحديث)! أعرفتم الآن عن أي مذبحة أكتب! (4) لم يعد يفصلنا عن الصندوق غير تفاصيل ، والقرف يكمن في التفاصيل كما والألم والجراح الكبيرة . ينبغي الوقوف هنا على تلة مرتفعة ولو قليلا لرؤية ماينبغي رؤيته. هو جارح ومؤذ وبذئ ، نعم . لكن لابد من رؤيته .لاينفع مع الجروح المتعفنة غير فتحها وكشفها للضوء كي ترى شفائها . لابد من تلة مرتفعة قليلا إذن لترى للتصنيف المناطقي مرتبته ونظامه . لترى إلى القوائم حسب الهوية وحسب الانتماء السياسي وحسب فصيلة الدم .لم يكن ينقص المشهد غير القتل على الهوية . لابد من تلة مرتفعة ولو قليلا لترى إلى القطيع من أصحاب الحزب الحاكم وهم يسيرون خلف كائن هبط ذات ليل من صنعاء إلى عدن حاملا كيس فلوس . حاملا مالا سياسيا فاسدا قصد به شراء الأصوات والذمم .وعلى الجميع الوقوف في الطابور ، الأستاذ الجامعي والصحفي والمخبر والعاطل عن العمل والعازب والبلطجي ، تمهيدا للدخول إلى الغرفة التي فيها ذاك الكائن الهابط من صنعاء حاملا كيس النقود، ويجلس أمام طاولة وضع عليها مصحفا لابد من القسَم عليه من قبل المندوب حالفا أنه لن يقوم بترشيح أي شخص من خارج القائمة التي نزلت من فوق وعلى الجميع الالتزام بها ، ولابد له من فعل هذا القسَم كي يتمكن من استلام ما قُسم له .والمبالغ ،للعلم فقط،تتراوح مابين الخمسين ألف والخمسة والعشرين ألف ريال.ويتم قياس المبلغ المُقترح بحسب ضمان صوت ذاك المندوب من عدمه بمعنى أن المؤلفة قلوبهم في الحزب الحاكم لهم المبلغ كاملا في حين يأخذ الأعضاء المعتقين ماقُسم لهم حيث وهم في الجيب وقد تم ترويضهم تماما . أحدهم وفي صحوة ضمير مباغتة وبعد أن أخذ مبلغ خمسة وعشرين ألف ريال وقام بالتصويت ذهب إلى أحد أساتذتنا الكبار في الاتحاد وفي الحياة قائلا له : "عفوا يا أستاذ ، لقد أعطوني مبلغ خمسة وعشرين ألفا ولم أنتخبك ".قالها بصوت حزين ومكتئب . فرد عليه الأستاذ قائلا : "من حقك أن لاتنتخبني ، لكن خمسة وعشرين ألف قليل عليك يا ابني ". كيف ستنظر إلى وجهك في المرآة ؟ أعرفتم عن أي مذبحة أتكلم ! (5) وإلى هذا تفاصيل أخرى ، وفي التفاصيل يكمن القرف والحزن والألم على اتحاد يصار له أن يتحول إلى مسلخ للقيم التي قام عليها والتوافق الذي تأسس من خلاله .اتحاد قطيع لا أقل ولا أكثر . اتحاد لن يكون له نصيب من اسمه وصفته شيئا. وإلى هذا تفاصيل تقول بدهس أبسط الخطوات الإجرائية التي كان ينبغي أن تُحترم كي يكون لهذه الانتخابات شرعيتها واستقامتها . كان الطرف الآخر مشغول بتربيطاته المناطقية والقبلية ، في حين تفرغ الطرف الأقوى عددا لفعل ماشاءت له الأوامر الحزبية التي جاءت من صنعاء . تفاصيل بدايتها من عدم مراجعة الأسماء المكتوبة على أوراق الترشيح . لم يكن أحد يعلم بصدقية الأسماء المقروءة وإن كانت موجودة فعلا . لم يتم الاستفادة بتاتا من تجربة انتخابات نقابة الصحفيين الأخيرة حيث كانت الأسماء المرشحة مكتوبة على ورق شفاف يتم عرضه على بروجكتر كبير ، يكون لكل الحاضرين في القاعة إمكانية مشاهدتها على شاشة كبيرة موضوعة قبالة القاعة وأمام الحاضرين .وعليه لم نستغرب ظهور أسماء فائزة لم تكن تتردد كثيرا في القاعة أثناء القراءة ، حتى بعض الفائزين أنفسهم تفاجئ ( وأحتفظ باسم واحد منهم وأتحداه أن ينكر أنه تفاجئ أمامي من سماع اسمه فائزا وكان طول فترة الفرز يروح ويجيء شاتما ومتذمرا من عامل المناطقية الذي ظهر أثناء الفرز ) . لكن يبدو أنهم لم يخبروه أنه سيكون فائزا في النهاية ، أو ربما لضرورات سينمائية لها أن تعمل على تقوية المشهد . حتى أنا صدقت أنه لن يفوز . ولن يكتمل المشهد النهائي إلا بتلك الحركة التي ماتوقف العمل بها منذ الانتخابات الفائتة وتكررت هذا العام . حكاية الإطفاء الكهربائي الذي يحصل في توقيت ما . الفارق أن الإطفاء في صنعاء حدث بعد الانتهاء من فرز الأصوات وإغلاق الصناديق . أما في عدن فتم بعد إعلان الأسماء وهو ما لم يُتح لعملية الطعن في النتائج أن تتم بحسب اللائحة . حيث يجوز الطعن بعد الانتهاء من إعلان النتائج النهائية للانتخابات . وعلى الرغم من كون مبنى رئاسة جامعة عدن حيث قاعة لقمان يحوي محركا كهربائيا لكنه لم ينطق في تلك الليلة وبقى على صمته حتى الصباح . هو ذاته الصباح الذي جاء على حكاية أخرى وقد نسى الجميع ماكان البارحة .نهضوا بذاكرة كسولة ولم يهتم أحد .ماكان كان وعفى الله عما سلف ومايهم الآن هو كيفية توزيع المناصب في قوام الأمانة العامة . اشتغل المحرك الكهربائي بكامل طاقته ، على غير العادة ، لكن خلاص ، لم يعد ماجرى البارحة مهما وأساسيا ويضرب في كيان الانتخابات برمتها ويجعلها في الميزان وتحت المجهر كي يتم التقاط الفيروسات التي تسللت إليها. أعرفتم عن أي مذبحة أتكلم ! (6) في فمي ماء كثير .ربما يكفي لكتابة أخرى وأكثر . غفرانك عدن ..