قلت لصديقي إن الاجتياح الحوثي سيفتح مخزن ميراث العنصرية الهاشمية وستشهد صنعاء الجهورية تحولاً خطيراً قد تصبح فيها العنصرية الهاشمية مسألة قانونية تحت غلاف النصوص الدينية، وقلت له إن العنصرية الجديدة قد تصل إلى داخل قلب المؤسسات الجمهورية إلى دار الرئاسة والبرلمان ومناهج التعليم. كان ذلك ذات مساء في شارع الدائري بصنعاء ونحن نتابع مبارايات كأس العالم التي كانت في شهر رمضان وتزامنت مع المواجهات المسلحة التي كانت تدور في عمران بين اللواء 310 مسنوداً ببعض الشخصيات الإجتماعية ذات التوجه الجمهوري وبين مليشيا الحوثي وهي ذات الليلة التي قتل فيها الشهيد القشيبي وهزمت البرازيل هزيمة كبيرة أمام ألمانيا..
خطرت في بالي هذه الذكريات وانا اتابع النص الذي تم وضعه أمام البرلمان المسيطر عليه من قبل مليشيا الحوثي ضمن ميراث حزب المؤتمروبحسب برلمانيين تم إحالته للجنة المختصة.. سمي النص بمشروع قانون بشأن الزكاة والرعاية الاجتماعية..مادة (31): تتحدد مصارف الخمس (20%) الواردة في المادة (30) من هذا القانون في المصارف المذكورة في الآية القرآنية رقم (41) من سورة الأنفال وهي لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وتحدد اللائحة الأحكام التفصيلية لهذه المصارف.
مر هذا القانون أو لم يمر في برلمان فاقد الشرعية والمشروعية إلا أن وضع هذا القانون بحد ذاته إشارة مهمة لتحول العنصرية الهاشمية من الكهف إلى البرلمان وتحويل العنصرية إلى قانون وتقنين العنصرية فصل جديد من فصول العنصرية الهاشمية في اليمن وتكرار لمسلك تقنين العنصرية في أمريكا ضد السود حينما كانت العنصرية تمارس تحت مظلة القانون.
وبقدر ما يشكل تقنين العنصرية من مسلك كارثي إلا أن تقنينها دليل تاريخي لذاكرة الأجيال ومدخل لإسقاط الفكرة العنصرية التي تحولت إلى قالب قانوني يؤكد العنصرية كوجود مليشاوي ووجود قانوني وتحول باتت توجيهات سيد الكهف تصل إلى تحت قبة البرلمان في صنعاء الذي هو الآ خر تحول من ممثل الشعب إلى ممثل السيد، ومن معبر عن المسيرة الدستورية الديمقراطية إلى معبر عن المسيرة القرآنية.
اللافت في الأمر أن العنصرية المبطنة التي اتخذت أبعاداً سياسية واجتماعية واقتصادية اتخذت لأول مرة شكل قانون تحت لافتة الزكاة وأحيلت إلى اللجنة المختصة نفذ هذا القانون أو لم ينفذ إلا أنه قد حجز لذاته مساحة في ذاكرة اليمنيين ويمكن الاستدلال به كشاهد على العنصرية التي اتخذت من النص الديني وتأويله السلالي مظلة لها .
عندنا ناضل السود لإسقاط العنصرية كانوا يناضلون مرتين: نضال ميداني ضد التمييز ونضال قانوني لإسقاط حزمة القوانين العنصرية، صحيح تم تحريرهم من العبودية من حيث الحالة القانونية، إلا أنهم ظلوا مواطنين من الدرجة الثانية بحكم القانون ذاته، بالذات تلك التي صيغت لغرض الفصل بين البيض والسود، في المدارس والمواصلات وكل مكان يجتمع فيه، وهذا بدوره أفرز غبناً بلور مقاومة للعنصرية وولد صراعاً أجبر الحكومة الفيدرالية على العمل من أجل تفادي انفجار الأوضاع بشكل أوسع مماكانت عليه وخصوصاً بعد وصول جون كينيدي الذي حمل مضامين إنسانية وديمقراطية أنقذ أمريكا من نتائج فخ الانقسام والصراع، بين السود والبيض ودفع ثمن ذلك حياته التي انتهت بمايشبه النهايات الغامضة.
اليمن أكثر البلدان الشرقية تعاني من فخ العنصرية التي اتخذت أشكالاً متعددة، لكنها ظلت تحت الطاولة تلبس ثوب المقدس الديني، لكنها لم تتحول لمشروع قانون تحت قبة البرلمان الذي تحوي بوابته الطير الجمهوري في ظل اجتماعات لأعضاء برلمان ينتمون لحزب المؤتمر جناح صالح الذي تزدحم أدبياته الفكرية في الميثاق الوطني بعناوين من بينها الجمهورية والعدالة والمساوة والخلاصة أن اليمنيين الجمهوريين بحاجة للاستفادة من هذه اللحظة التي وضعت فيها العنصرية الهاشمية كمشروع قانون في مجلس النواب (جناح الراحل) كونها اللحظة التي تم فيها تقنين العنصرية لأول مرة في تاريخ اليمن الجمهوري وربما في تاريخ الأئمة الذين حكموا البلاد بالفتاوى السلالية، لكن لم يتم التنصيص بوجوب دفع الخمس ضمن وثائق الحكم كون الامام كان يحتم الزكاة في بيته الذي كان يسميه بيت مال المسلمين.
سيقول البعض إن مصطلح العنصرية الهاشمية مصطلح فيه تعميم والواقع أن الهاشمية بالنسبة للعنصرية كالخيط بالنسبة للإبرة، تمضي العنصرية أينما اتجهت الهاشمية وميراثها الفكري من الخمس إلى الولاية إلى عيد الغدير إلى حروب الاجتياح.. فمن أين تكتسب العنصرية قداستها وباسم من تجيش المليشيا الإمامية عبر التاريخ إذا لم تكن ترفع اللافتة الهاشمية التي تم إصباغها بصبعة دينية "آل البيت ".