بدا لافتاً أن يعقد رئيس الجمهورية اجتماعات متتالية مع قيادات حزبه وكتلته البرلمانية والحكومة خلال أيام متتالية، بدأت بشكل مفاجئ مع نهاية الأسبوع الماضي، واستمرت حتى منتصف هذا الأسبوع. وبعيداً عما دار ونتج عنها من قرارات معظمها مكرورة، فإن مجرد عقد تلك الاجتماعات بحد ذاته، ربما يكون هو الأمر الأكثر إثارة في مثل هذا التوقيت، وقد يضع علامات استفهام بحاجة إلى تفسير.
اللجنة العامة في ورشة ترميم لفترة طويلة ظل الرئيس علي عبد الله صالح يتحاشى التئام اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، وذلك كما يرجح البعض، تجنباً للخلافات التي تعتري قياداتها، وخصوصاً في بعض التفاصيل الخاصة بأداء الحزب خلال الفترة الماضية، وتعامله مع مختلف القضايا السياسية منها والتنظيمية.
وقد يعكس مثل هذا الحدث، في مثل هذا التوقيت، مؤشرات، وربما متغيرات جديدة، يمكن تناولها من زوايا عدة. لاسيما بعد أن أصبح من الملاحظ - خلال الأشهر الماضية – أنه وعوضاً عن التئام اجتماعات أعضاء اللجنة العامة - التي كانت كثيراً ما تلتئم في السابق لمناقشة مختلف الأوضاع – كان الرئيس يفضل أن تعقد اجتماعات شبه دورية للجنة الأمنية العليا، لمناقشة وإدارة شئون البلاد المختلفة، سواء ما يتعلق منها بالقضايا بالغة الأهمية والخطورة، أم السياسية، وأحياناً: ذات الطابع الحزبي. وهي الخطوة التي يبدو أنها أثارت حفيظة بعض قيادات الحزب الحاكم باعتبارها: مواصلة متعمدة لتهميشهم. ويعتقد أن الخلافات الداخلية بلغت ذروتها حين كانت اللجنة الأمنية تخوض في العلاقات السياسية للحزب الحاكم، بما فيها الحوار مع أحزاب المشترك (المعارضة).
وعلى مدى الأشهر الماضية، ظل البعض يعتقد أن حرص الرئيس على عدم التئام قيادات اللجنة العامة وبقية مؤسسات حزبه الأخرى ربما يدخل ضمن أسبابه: إدراكه لحجم الخلافات القائمة بين بعض القيادات، والتي كانت تنبثق عنها مجموعة من المواقف المتباينة، وربما المتهورة، وخصوصاً فيما يتعلق بالحوار والعلاقة مع المشترك. والتي غالباً ما كان الرئيس يقوم باتخاذ مواقف مغايره إزائها.
غير أن هناك من يرى أن محاولة الرئيس الأخيرة إنما جاءت لتدارك الموقف على خلفية وصول شكاوى بهذا الخصوص من بعض القيادات، بينما يعتقد آخرون أن الأمر يتعلق بمواقف أحزاب المشترك الأخيرة، وخصوصاً الفترة التي أعقبت الدعوة الرئاسية لها بمواصلة الحوار على أساس ما يعتقد أنها تنازلات، وهي تلك التي تضمنها خطابه السياسي عشية الذكرى العشرين للوحدة اليمنية (مايو الماضي)، الأمر الذي ربما حدا بالرئيس – مؤخراً - لإعادة النظر في التئام اجتماعات اللجنة العامة، كونه هذه المرة -ربما- أمسى بحاجة إلى تلك المواقف.
فعلى مدى الأشهر التي لحقت توقيع اتفاق فبراير، ظلت قرارات الحزب الحاكم وسياساته تُتخذ بعيداً عن قياداته الفعلية، الأمر الذي ترتب عنه تخلف في الأداء الحزبي والتنظيمي، ورافقه تذمر وسخط من بعض تلك القيادات، لأسلوب إدارة الحزب.
وعليه، فإنه، وبعد تلك القطيعة الطويلة، قرر الرئيس مؤخراً، الخميس الماضي (8 يوليو)، أن يترأس اجتماعاً خاصاً للجنة العامة لحزبه، وإن هذه المرة بحضور الأمانة العامة للحزب، الأمر الذي ربما عكس الطبيعة الحزبية للهدف من الاجتماع، وربما الحاجة لاتخاذ مواقف مهمة.
وتؤكد بعض المعلومات إن الاجتماع الأول مع اللجنة العامة، (الخميس)، لم يخل من مواجهات ومصارحات، وردود ومهاترات أثناء النقاش. ظل الرئيس يحسمها بقوة بعد أن استغل البعض فرصة الاجتماع، وترئس الرئيس له، للتعبير عما علق في نفسه طوال الفترة الماضية، وانتقاد أسلوب إدارة الحزب بتلك الطريقة، عبر كيانات بديلة لمؤسساته التنظيمية، داعيين إلى ضرورة تفعيل دور قياداته ومؤسساته المختلفة، وأهمية بناء حزب حقيقي قادر على مواجهة التحديات القادمة، لاسيما بعد التأكد من إصرار أحزاب المعارضة التمسك بمواقفها، وعدم وثوقها بالمؤتمر الشعبي العام، ورفضها مواصلة الحوار معه، وبالتالي ما سيترتب عن ذلك من قرارات هامة ومصيرية، والتي كان الحزب الحاكم اتخذها في هذا الاجتماع وأعلن عن بعضها، لمواجهة تلك التحديات، والمتمثلة بخوض الانتخابات القادمة، بشكل منفرد، والمضي قدماً في مسألة التعديلات القانونية.
ويمكن تعزيز تلك المطالبات بالتطرق إلى أجزاء مما نشر رسمياً عن نتائج الاجتماع وهنا نتحدث عن الجزء المتعلق بالحديث عن أن اللجنة العامة ناقشت العديد من التطورات على الساحة الوطنية والقضايا التنظيمية المتصلة بتفعيل دور المؤتمر الشعبي العام خلال الفترة المقبلة. وتأكيدها "على أهمية المضي قدما في الإجراءات الخاصة بالتحضير للانتخابات النيابية القادمة وإجرائها في موعدها المحدد".
ولما نقل البعض تذمره -حول تهميش قيادات ومؤسسات الحزب- إلى الرئيس خلال اجتماع اللجنة العامة (الخميس)، ترتب عن ذلك، محاولة رئاسية في العودة إلى تلك المؤسسات، من خلال ترأسه اجتماعاً آخر الأحد الماضي، مع الكتلة البرلمانية للحزب ورئيس الحكومة. فيما أعلن ليلتها أنه تم الاتفاق على عقد اجتماع آخر يلتئم الاثنين (أمس)، بحضور الرئيس، مع كل من اللجنة العامة والكتلة البرلمانية والحكومة. وحسب الخبر، فإن هذا الاجتماع أقر لمناقشة التعديلات الدستورية والقانونية.
وبالجملة، يمكن القول أن الاجتماعين اللاحقين لم يكونا إلا في الإطار ذاته: محاولة تدارك الأخطاء السابقة في الابتعاد عن قيادات ومؤسسات الحزب، والاستعاضه عنها بكيانات أخرى بديلة. وهي محاولة أيضاً في طريق استعادة الثقة ولم الشمل، والعمل على ترميم الانقسامات الداخلية وتجنب مزيد منها. ولعل حديث الرئيس (اجتماع الأحد مع الكتلة) عن قوة الحزب، وبقائه، وصولاً إلى نفيه الإشاعات التي تروج حول انقساماته وإمكانية انتهائه.. الخ، ليست إلا تأكيداً لما سبق الحديث حوله من وجود ذلك التذمر والسخط الداخلي..
وتفيد المعلومات، أن الكتلة البرلمانية للمؤتمر طرحت أمام الرئيس عدة قضايا تخصها حتى تكون فاعلة، منها ضرورة إيلائها الاهتمام، وعدم تهميشها، والعودة إليها فقط وقت الحاجة الملحة. وشكت من عدم وجود تنسيق بينها وبين الحكومة فيما يتعلق بعرض القوانين ومناقشتها وإقرارها، وكذا عدم استجابة الحكومة في الحضور إلى المجلس للرد على استفسارات الأعضاء، وغيرها من القضايا..الخ.
الآن: هل يمكنني القول إن اجتماع الأحد –مع الكتلة البرلمانية- ومضمون حديث الرئيس فيه عن مجموعة قضايا تعلقت بحزبه، منها قضايا تنظيمية، وكذا ضرورة التنسيق والتعاون والتكامل بين مؤسساته والبرلمان، والجهاز الإداري للحكومة..الخ. في مثل هذا التوقيت، لم تأت إلا نتيجة ذلك السخط الهائل، وتلك التذمرات والمطالب والضغوطات التي طرحت على طاولة اجتماع اللجنة العامة (الخميس الماضي)..؟ إنها كذلك بالفعل.
والسؤال: هل سيستطيع الرئيس –خلال الفترة القصيرة المتبقية للانتخابات– من ترميم ما دمر على مدى أشهر، إن لم يكن سنوات طويلة، حتى تقسمت الكتلة وأصبح معظم روادها الكبار ينتمون إلى كيانات بديلة في المجلس وخارجه؟ ربما تستيطعون التنبؤ أن الرئيس بات ينظر إلى كتلة مجلس التضامن الوطني في مجلس النواب (قرابة 60 عضو من مختلف الأحزاب) ، بكثير من الشك والريبة، بعد أن أثبتت قوتها وأحياناً خروجها عن سيطرة الحزب.
وإلا لماذا بات يقرب أبرز قياداتها منه، ويعيرهم انتباهه وتركيزه ودعمه، بينما يهمل كتلته البرلمانية الكبيرة؟ ربما يتخوف أن تمتلك تلك الكتلة كلمة فصل في التعديلات الدستورية القادمة.
التعديلات الدستورية.. مغامرة معقدة إن الفترة المتبقية للإعداد للانتخابات قصيرة جداً (لم يتبقّ على الموعد المؤجل إلى 27 أبريل القادم سوى 8 أشهر تقريباً)، وهي منطقياً لن تكون كافية للإعداد والتجهيز بالشكل المطلوب. يأتي ذلك في الوقت الذي أقرت فيه اللجنة العامة المضي قدماً في الإجراءات الخاصة بالتحضير للانتخابات النيابية القادمة وإجرائها في موعدها المحدد.
ولقد كان من الملاحظ أن الخبر المنبثق عن اجتماع اللجنة العامة اقتصر فقط على الحديث عن ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. فيما لم يشر إلى أنه أقر المضي في إنجاز التعديلات الدستورية أو تعديلات قانون الانتخابات. في الوقت الذي يعتقد أن عين الرئيس على التعديلات الدستورية أكثر من غيرها. وهو ربما الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للرئيس من وراء أتفاق فبراير برمته.
وفيما أفادت المعلومات المسربة عن اجتماع اللجنة العامة أنها أقرت إحداث تعديلات في قانون الانتخابات الحالي، وشكلت لجنة برئاسة الدكتور رشاد الرصاص لتقديم التعديلات الخاصة بالقانون إلى اجتماع اللجنة العامة المقرر عقده الخميس القادم، فإن الحديث عن التعديلات الدستورية جاء لاحقاً عبر تسريبات وتصريحات أخرى، نشرتها صحيفة الميثاق (الاثنين الماضي). إحدى تلك التصريحات جاءت على لسان رئيس اللجنة الدستورية بمجلس النواب، علي أبو حليقة، الذي أكد أن التعديلات الدستورية ستقدم إلى المجلس النيابي خلال الأسبوع القادم. أما الخبر الثاني فجاء عبر تسريبات نشرتها الصحيفة نفسها نسبة لمصادر غير معلومة في الحزب (قيل أنها مصادر خاصة) ذكرت أن اجتماع الاثنين (أمس) سيناقش التعديلات الدستورية إلى جانب قانون الانتخابات.
ولحساسية هذا الموضوع، ربما، كان من المناسب أن لا تصدر تصريحات مباشرة من الرئيس حول التعديلات الدستورية. قد يكون ذلك بسبب عدم إمكانية إنجازها بعيداً عن اتفاق فبراير كونها خاضعة لتوافق الأحزاب الموقعة على الاتفاق. مضافاً إلى ذلك، تلك التعقيدات والإجراءات الدستورية والقانونية لإنجازها. وهذا ربما ما جعل الرئيس يكتفي بالتلميح – بشكل غير مباشر - حين تحدث عن ضرورة أن يضطلع مجلس النواب بواجباته في إقرار الاتفاقيات والقوانين التي بين يديه بعد إثرائها بالنقاش. فيما أوكل الحديث المباشر حول هذا الأمر إلى رئيس اللجنة الدستورية، حين أكد -إلى جانب ما سبق- أن المؤتمر يمكنه إنجاز تلك التعديلات بمفرده كونه يمتلك الأغلبية. هذه الإحالة لأبو حليقة ربما اتُفق عليها، كون الأمر ليس بالسهولة التي ذكرها الرجل، بل بالتعقيد الذي منع الرئيس من الحديث عن الأمر في تصريحاته، والاكتفاء فقط بالتلميح، مع حرصه وتشديده على دعوة أحزاب المشترك لمواصلة الحوار على قاعدة أتفاق فبراير.
بينما أحجم الرئيس واكتفى بالتلميح حول الأمر، فقد تحدث أبو حليقة وكأن الأمر يمكن حدوثه. ربما امتلك المؤتمر خطة استثنائية للقيام بذلك على مراحل عدة. ذلك، إن لم تكن إيعازات الرئيس وقرارات اللجنة العامة الأخيرة للمؤتمر وتصريحات قياداته، ومصادره المجهولة، ليست أكثر من محاولة أخيرة ومواصلة لمناوراته السياسية التي تكررت في أوقات سابقة.
إذ ربما يمثل الأمر مجرد رمي حجر آخر في المياه الراكدة، بهدف جرجرة المشترك، وإخضاعه لمواصلة الحوار. أما إذا أستمر الوضع على ما هو عليه، في الوقت الراهن، فإن الحزب الحاكم قد يفشل، ويضطر راضخاً لقبول تنفيذ اشتراطات المشترك، كونه يمسك بأزرار اللعبة ويتحكم بها. أو ربما في أسوء الاحتمالات، قد يضطر للمغامرة، ويعمل على تنفيذ قراراته الأخيرة، وفق مخطط طوارئ استثنائي معد له، أو يتم الإعداد له حالياً من خلال استمرار عقد اللقاءات وتشكيل اللجان.
ذلك المخطط قد يكون وفقاَ للسيناريو الذي تخوفت منه أحزاب المشترك، في بيانها الصادر عشية الأحد الماضي. حيث تخوف المشترك من أن ما يقوم به الحزب الحاكم استناداً لقراراته الأخيرة يهدف إلى وضع "الجميع في النهاية أمام الأمر الواقع كما هو جار اليوم، بغرض استنساخ التجارب الانتخابية المزورة السابقة، وبآليات وأدوات وشروط السلطة دون أية إصلاحات حقيقية لضمان إعادة إنتاج السلطة لذاتها في عملية ديكورية تضفي قدراً من الشرعية الزائفة على ديمومتها في احتكار السلطة والثروة. أو وفقا لسيناريو تأجيل الانتخابات على غرار ما جرى عشية الانتخابات البرلمانية السابقة في فبراير 2009م لضمان التمديد في الحكم مجددا دون انتخابات".
قد يكون هناك سيناريو آخر. هذا السيناريو ربما كانت نسبة تنفيذه ضئيلة جداً نظراً لتعقيداته، إلا أنه ليس من المستبعد القيام به؛ فقد يمضي الحزب الحاكم نحو الانتخابات في موعدها المحدد، ربما مع إجراء تعديلات في قانون الانتخابات، أو بدونها في أفضل الأحوال ولكن مع تأجيل التعديلات الدستورية لما بعد الانتخابات.
في هذه الحالة ربما سيتوجب عليه العمل جدياً على إعادة ترتيب أوضاع الأحزاب الموالية له (أحزاب التحالف)، وتكييف الإجراءات القانونية للاعتراف بها ودعمها مالياً من أجل خوض الانتخابات القادمة، ومنحها بعض المقاعد، بحيث تصبح ممثلة في المجلس، ليتم بعدها إنجاز التعديلات الدستورية المطلوبة.
لكن، إلى جانب ذلك، وحتى يتحقق النجاح، سيتطلب منه الأمر العمل أولاً على تهدئة الأوضاع في جبهة الجنوب، والانتهاء بشكل نهائي من جبهة صعدة. وعليه فقد يضطر إلى عقد صفقات جديدة مع قيادات تلك الجبهات، قد تصل إلى تقديم تنازلات كبيرة جداً.
في نهاية المطاف، سيكون من اللازم القول إن قرار اللجنة العامة للحزب الحاكم، في المضي منفرداً لإحداث تعديلات قانونية، والسير نحو الانتخابات القادمة، ربما، بالاستناد إلى أحزاب التحالف الموالية له (حتى وإن افترضنا أنه استطاع تجاوز مشاكله الداخلية، وتبايناته تلك، إلى جانب افتراض جدلي مسبق أنه نجح في مخططه بالنسبة لترتيب أوضاع تلك الأحزاب غير القانونية.. الخ)، فإن ذلك كله لا يمكنه أن يعزز الشرعية السياسية المطلوبة، خلال المرحلة القادم. ذلك إذا ما تمعنا في مقررات وبنود اتفاقية فبراير المبرمة مع المعارضة، والتي على ضوئها تم تأجيل الانتخابات من أجل إحداث تعديلات قانونية ودستورية على أساس التوافق..
إن الأمر– وفقاً لذلك ربما - لن يعدو عن كونه مجرد مواصلة اللعب من طرف واحد..!