الحرب تتواصل .. تجدد قصف منشاة نووية والكهرباء تنقطع في طهران واسدود وتوقف بث قناة وقصف سجن ونشوب حرائق    دور إسرائيل في توجيه الأحداث منذ 1963م لمنع قيام دولة جنوبية إتحادية    مكوّن الحراك الجنوبي يدين العدوان الأمريكي على إيران    سرايا القدس تعلن قصف تحشدات للعدو الصهيوني شرق خانيونس    وزير الخارجية يلتقي مدير مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع    مليشيا الحوثي تكشف ارتباطها المباشر بإيران.. هل انتهت خدعة "التضامن مع غزة"؟    عاجل: هجوم صاروخي إيراني على القواعد الأمريكية في قطر والأخيرة تطلب من المواطنين لزوم مساكنهم    - الأوراق تكشف كيف رحل رجل الأعمال الشيباني وقلبه مثقل بخيانة نجله؟ صراع على التركة وفضيحة مدوّية داخل العائلة!    17 لاعبا مهددون بالرحيل عن مانشستر سيتي بأمر من غوارديولا    اجتماع في تعز يناقش إجراءات إنهاء أزمة الغاز وتزويد المحافظة بكميات إضافية    هيئة الآثار والمتاحف تسلم 75 مخطوطة لدار المخطوطات بإشراف وزير الثقافة    دوامة الأزمات التي تخنق العاصمة عدن إلى متى؟    الرئيس المشاط يعزي في وفاة عبد الله عبد الوهاب قاسم    الخدمة المدنية تناقش استكمال تصحيح الاختلالات في كشف الراتب    بعد المونديال.. بيلينجهام يغيب عن ريال مدريد 3 أشهر    النفط يرتفع إلى أعلى مستوياته منذ يناير بسبب المخاوف بشأن الإمدادات    مظاهرة غاضبة أمام قصر معاشيق تندد بانهيار الخدمات والعملة    الارصاد يتوقع هطول امطار على أجزاء واسعة من المرتفعات ويحذر من الحرارة الشديدة في الصحاري والسواحل    اجتماع موسع لمناقشة الاستعدادات الجارية لبدء العام الدراسي الجديد في مدينة البيضاء    الشعر الذي لا ينزف .. قراءة في كتاب (صورة الدم في شعر أمل دنقل) ل"منير فوزي"    ضبط مخزن للأدوية المهربة بمحافظة تعز    الفاسدون في الدولة وسياسات تخريب الطاقة الكهربائية السيادية؟!    نادي الصقر يُعيد تدشين موقعه الإلكتروني بعد 10 سنوات من التوقف    في الذكرى ال 56 لانقلاب 22 يونيو.. فتح باب الاغتيالات لكبار المسئولين    الغيثي: علي ناصر محمد عدو الجنوب الأول وجاسوس علي عفاش المخلص    ريال مدريد يقسو على باتشوكا    الحرارة فوق 40..عدن في ظلام دامس    فصيلة دم تظهر لأول مرة وامرأة واحدة في العالم تحملها!    الصين.. العثور على مقابر مليئة بكنوز نادرة تحتفظ بأسرار عمرها 1800 عام    في خطابه التعبوي المهم .. قائد الثورة : المعركة واحدة من قطاع غزة إلى إيران    دول المنطقة.. وثقافة الغطرسة..!!    الكاراز يعادل رقم نادال على الملاعب العشبية    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (1)    رسائل ميدانية من جبهات البقع ونجران و الأجاشر .. المقاتلون يؤكدون: نجدد العهد والولاء لقيادتنا الثورية والعسكرية ولشعبنا اليمني الصامد    اعلام اسرائيلي يتحدث عن الحاجة لوقف اطلاق النار والطاقة الذرية تحذر وأكثر من 20 ألف طلب مغادرة للاسرائيلين    المنتخب الوطني تحت 23 عامًا يجري حصصه التدريبية في مأرب استعدادًا لتصفيات آسيا    بين عدن وصنعاء .. شهادة على مدينتين    الخارجية اليمنية: نقف مع سوريا في مواجهة الإرهاب    إيران تنتصر    قطاع الأمن والشرطة بوزارة الداخلية يُحيي ذكرى يوم الولاية    تفكيك أكثر من 1200 لغم وذخيرة حوثية خلال أسبوع    مرض الفشل الكلوي (9)    - ظاهرة غير مسبوقة: حجاج يمنيون يُثيرون استياء جيرانهم والمجتمع.. ما السبب؟*    "عدن التي أحببتُها" بلا نازحين.!    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الدكتور الأفندي بوفاة شقيقه    إشهار الإطار المرجعي والمهام الإعلامية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة حيازة مخدرات    كشف أثري جديد بمصر    من قلب نيويورك .. حاشد ومعركة البقاء    الحديدة و سحرة فرعون    خبراء :المشروبات الساخنة تعمل على تبريد الجسم في الحر الشديد    حادث مفجع يفسد احتفالات المولودية بلقب الدوري الجزائري    أثار نزاعا قانونيّا.. ما سبب إطلاق لقب «محاربو السوكا» على ترينيداد؟    شوجي.. امرأة سحقتها السمعة بأثر رجعي    علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لحظة حرية:مخاطر الخلط بين المتاجرة بالدين والأشتغال بالسياسة
نشر في المشهد اليمني يوم 08 - 02 - 2013

شهدت الساحة العربية وتحديداً البلدان المجاورة خلال الفترة الأخيرة موجة متصاعدة من الغضب والقلق إزاء تزايد خطر التطرف والغلو والإرهاب الذي يهدد الأمن والاستقرار، بقدر ما يهدد الميول والتوجهات الاصلاحية التي تستهدف تأهيل العالم العربي والاسلامي للتعامل مع التحديات الحضارية في هذه الحقبة من عصرنا.
لعل أهم مايميّز الرفض الشعبي للإرهاب إجماع كافة قوى المجتمع العربي على ضرورة تجفيف منابع الغلو والتطرف والتعبئة الخاطئة ، ومحاصرة ثقافة التكفير والتشدد والإلغاء التي تنتشر من خلال مدارس دينية واعمال دعوية وجماعات حركية تتغطى بالاسلام السياسي، وتفرز في نهاية المطاف تطرفا مدمرا ً وإرهاباً قاتلاً بغطاء ديني زائف . في هذا السياق يكتسب موقف علماء الدين المستنيرين والمفكرين الاسلاميين الذين ناهضوا الأفكارالمتطرفة والجماعات الضالة أهمية حيوية لجهة الإدانة القاطعة لجرائم الارهاب ومخاطر ثقافة التطرف التي اجتاحت البلدان العربية و الاسلامية خلال العقدين المنصرمين بدعوى الجهاد في سبيل الله و حراسة الدين في الدنيا، وجاء موقف العديد من المفكرين الاسلاميين وعلماء الدين المسلمين حاسماً في إيضاح حكم الدين في هذه الجرائم ومرتكبيها، وتبرئة العقيدة الإسلامية السمحاء من المفاهيم المغلوطة والمشوهة والأفكار المتطرفة التي تتعارض مع صحيح الدين وقيمه الإنسانية النبيلة.
في بلادنا سبق لعلماء الدين الأفاضل أن أبدوا قلقهم في أكثر من مناسبة إزاء مخاطر الغلو والتطرف على السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية والمصالح العليا للبلاد، ولم تتردد جمعية علماء اليمن اثناء احداث صعدة صيف عام 2004 في الدعوة إلى توحيد مناهج العلوم الشرعية حرصاً على وحدة وتماسك المجتمع، وحماية للجيل الفتي والأجيال القادمة من الآثار المدمرة التي تتركها الأفكار المتطرفة في عقول ونفوس بعض المتأثرين بها من الشباب.
قال علماء اليمن كلمتهم الفاصلة في ذلك الوقت ، بكل شجاعة ومسؤولية، وجسدوا بهذا الموقف التاريخي إخلاصهم لدينهم ومجتمعهم، ورفضهم كل أشكال التعبئة الخاطئة للشباب، بما فيها تلك التي تختفي خلف واجهة تدريس العلوم الدينية من خلال مدارس ومراكز ومعاهد خارجة عن النظام التعليمي العام والجامعي، وممولة من جهات غير معروفة، وترمي إلى تحقيق أهداف وغايات لا تتفق مع مناهج التعليم الوطنية ، وتتعارض مع احتياجات مجتمعنا للتنمية والديمقراطية والتسامح والوحدة.
لا ريب في أنّ تعليم العلوم الشرعية واجب على الدولة المسلمة التي تقع على عاتقها وحدها مسئولية تحديد الأهداف الإستراتيجية للتعليم ومخرجاتها، وصياغة المناهج التعليمية اللازمة لبناء الأجيال الجديدة وإعدادها للنهوض بمسئوليات المستقبل .
ولئن كانت السياسة العامة للدولة وقوانينها النافذة تفسح المجال لمشاركة المجتمع - من خلال القطاع الخاص - في بناء وامتلاك وإدارة المشاريع التنموية في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية، في إطار إستراتيجية وطنية شاملة للتنمية، فقد سمحت الدولة للقطاع الخاص بالمشاركة في تحقيق أهداف السياسة التعليمية الوطنية من خلال الاستثمارات الخاصة في قطاع التعليم الأساسي والثانوي والجامعي، على أساس الالتزام بالقوانين النافذة والمناهج التعليمية الوطنية المعتمدة رسمياً.
لقد انتشرت في الآونة الأخيرة - كالفطر - معاهد ومدارس ومراكز تقوم باستقطاب آلاف الدارسين الذين يتلقون (علوماً شرعية) وفق مناهج خارجة عن الإستراتيجية الوطنية للتعليم، وغير خاضعة لقوانين الدولة التي تنظم قواعد وإدارة المدارس والمعاهد الخاصة، وشروط القبول والامتحانات فيها، والشهادات التي تصدرها وفقاً لمناهج التعليم العام والجامعي، وبما يحقق أهداف السياسة التعليمية العامة للدولة.
الثابت أنّ هذه المدارس والمعاهد تعتمد في تدريس طلابها على مناهج وافدة ومتناقضة ومتعادية في آن واحد, وتسعى إلى تشكيل وعي وسلوك ونمط حياة الدارسين فيها بروحٍ التشدد والتعصب وكراهية الآخرين والتميز والدروشة والانعزال داخل المجتمع.. بل أنّ بعضها يحرض علناً ضد الديمقراطية ويجاهر بتكفيرها ويصف المجتمع بالجاهلية، وما يترتب على كل ذلك من مخاطر تهدد الأسس الدستورية للنظام السياسي، وتلحق الضرر بوحدة المجتمع وتماسكه .
إنّ توحيد مناهج العلوم الدينية في إطار الإستراتيجية الوطنية الشاملة للتعليم الأساسي والثانوي والجامعي، يجب أن يتزامن مع تصحيح الأوضاع الخارجة على القانون لهذه المدارس والمعاهد، وإخضاع مصادر وطرق تمويلها للقوانين المنظمة للاستثمارات الخاصة، والعمل الخيري، والتصدي بحزمٍ لكل ما من شأنه تحويل هذه المدارس والمعاهد (الدينية) إلى بؤر لاختراق السيادة الوطنية وتزييف عقول الناشئة، ومنابع لتغذية منابع التطرف والإرهاب، وإثارة الفتن المذهبية والتحريض ضد الديمقراطية والنظام السياسي التعددي وإشاعة روح السلبية والانعزال داخل المجتمع، مع الأخذ بعين الاعتبار ان تراكم هذه المخاطر سوف يسهم في تحويلها الى ألغام موقوتة قابلة للإنفجار مهما طال الزمن .
ما من شك في أنّ بعض الاحزاب السياسية اعتادت على الخلط بين المتاجرة بالدين والاشتغال بالحسابات السياسية من خلال الكيل بمعايير مزدوجة جسدت خطورة التوظيف السياسي للدين في المكايدات الحزبية والصراعات على السلطة والثروة والنفوذ. و بوسع كل من يطالع ارشيف بعض الصحف الحزبية التي شنت في السنوات الماضية حملات تحريضية ضمن حسابات حزبية وانتخابية ضيقة ضد أطباء مستشفى جبلة في محافظة إب والراهبات في محافظة الحديدة، ان يكتشف دور الخطاب الاعلامي لبعض الاحزاب والتنظيمات السياسية في صناعة ثقافة التطرف والتعصب التي تهيئ المُناخ لولادة الإرهاب وتحرض على ممارسة القتل والتصفيات الجسدية ضد الآخر المغاير.
من نافل القول إنّ الجريمة الإرهابية هي نتاج لثقافة التطرف.. بيد أنّ التعامل مع الجريمة الإرهابية بعد وقوعها وثبوت الأدلة على مرتكبيها، لا يمكن أن يتحقق خارج سلطة القضاء.. أما التعامل مع أسباب ومصادر الجريمة الإرهابية فيحتاج إلى وسائل أخرى من أهمها تجفيف منابع ثقافة التطرف والتعصب، وإيقاف التعبئة الخاطئة للشباب، سواء عبر مناهج التعليم العام والجامعي ومخرجات البيئة الثقافية والإعلامية المنغلقة والمتزمتة، أو عبر خطب وفتاوى ومحاضرات بعض الدُعاة والقادة الحزبيين الذين ينشرون أفكارهم المتطرفة بواسطة المساجد والشرائط الصوتية والكتب التي " تهدى ولا تُباع " !!
لا نبالغ حين نقول ان الذين قتلوا جار الله عمر وأطباء مستشفى جبلة وراهبات الحديدة، لم يخفوا تأثرهم بما درسوه وسمعوه في الجامعات والمعاهد التي التحقوا بها، والخطب والمحاضرات والفتاوى والشرائط الصوتية التي استمعوا إليها والكتب التي طالعوها.. وكذلك فعل ذلك الشاب الذي حاول قتل الأديب العربي والعالمي الكبير نجيب محفوظ في مصر لمجرد أنّه سمع أحد الدعاة يتهم ضحيته بالكفر رغم أنّه لم يقرأ كتاباً أو سطراً واحداً لنجيب محفوظ.. ولن نستغرب أن يقوم معتوه آخر بتهديد حياة النساء المشاركات في الهيئات البرلمانية والحزبية، لأنّ شيوخ التطرف والارهاب في اليمن يعارضون مشاركة المرأة في عضوية البرلمان والهيئات الحزبية ومؤتمر الحوار الوطني، ويدعون إلى منعها من العمل وحبسها في البيت، بذريعة أنّ عملها الاقتصادي والاجتماعي و السياسي يخالف أصلاً معلوماً في الدين، ويهدد بوقوع معصية الخلوة غير الشرعية بين الرجل والمرأة تحت سقف البرلمان أو المصنع أو داخل اجتماعات الهيئات الحزبية والمؤتمرات السياسية !!!
يقينا ًان جميع القوى السياسية والتيارات الفكرية وبدون استثناء توّرطت بأشكال ومستويات مختلفة في إنتاج ثقافة العنف والتعصب عبر تسويق مشاريع سياسية شمولية ذات نزعة استبدادية وإلغائية أضاعت فرصاً تاريخية لتطور المجتمع، وأهدرت طاقات وإمكانات هائلة، وخلقت جراحاً غائرة وطوابير من ضحايا الصراعات السياسية وأعمال العنف والحروب الأهلية والإغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية التي كان يتم تبريرها سياسياً وايديولوجياً سواء بذريعة الدفاع عن الوطن والثورة، أو بذريعة مناهضة القوى الرجعية، أو بذريعة حراسة الدين ومحاربة الكفر، بما في ذلك فكرة ((التترس)) الدخيلة على الإسلام، والتي تجيز قتل المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال والشباب الذين يعيشون أو يتواجدون في محيط الطائفة الممتنعة، ويوفرون لهذه الطائفة ((المرتدة)) فرصة التترس بحسب ماجاء في الفتوى الدموية التي أطلقها (الشيخ) عبدالوهاب الديلمي أثناء حرب صيف 1994 المشؤومة.. والمثير للدهشة ان الذين روجوا ولا يزالون يروجون لهذه الفكرة الفاشية زعموا بأن ((العلماء أجمعوا على قتل هؤلاء المسلمين من أجل دحر الكفر عن دار الإسلام)) بدعوى أنهم سوف يبعثون يوم القيامة على نياتهم))!!
صحيح ان أطرافا ً سياسية بعينها تتحمل مسؤولية مباشرة عن الخطاب التكفيري التحريضي الذي أدّى الى إنتشار التطرف لدى بعض المنفعلين بهذا الخطاب، وأنتج من بين صفوفهم بعض القتلة والمجرمين القساة الذين تورطوا في إرتكاب جرائم إرهابية، بيد أن الأمانة التاريخية توجب الإشارة الى أن رواسب ثقافة العنف والتطرف، وبقايا نزعات الإستبداد والإقصاء والإلغاء والإنفراد والأحادية، ليست حكرا ً على طرف سياسي دون آخر .
من الصعوبة بمكان إنكار مخاطر الثقافة التي تثير البغضاء بين المسلمين وتحرضهم ضد غير المسلمين، وتبيح قتل المدنيين الأبرياء، وتزعم بان العالم ينقسم الى فسطاط للاسلام وآخر للكفر.ومن الصعوبة بمكان ايضا انكار حقيقة وجود جماعات منظمة ترفع بيارق المعركة "الفاصلة" ضد الكفر، ويجعل امراؤها من انفسهم اوصياء على الدين و العقل والحقيقة، ومرجعهم في ذلك أفكار تتعارض مع قيم المحبة والتسامح والرحمة التي يدعو اليها الإسلام، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما تلقنه بعض المدارس والكتب السلفية لتلاميذها من تحريض على كراهية أتباع المذاهب الإسلامية المغايرة، والديانات الأخرى، كقول ابن تيمية في كتاب (أحكام أهل الذمة): "ان كل كنيسة في مصر والكوفة والبصرة وواسط وبغداد ونحوها من الأمصار التي مصرها المسلمون، فانه يجب إزالتها اما بالهدم او غيره، وسواء كانت تلك المعابد قديمة قبل الفتح او محدثة" او قول ابن رجب الحنبلي بعدم جواز القاء التحية والسلام على اليهود والنصارى، فإن صادفهم المسلم في الطريق وجب عليه ان ينتحي الى طريق آخر حتى ولو كان ضيقاً وخطيراً، كما يجب على المسلمين ألاّ يساكنوهم ولا يخالطوهم ولايتاجروا معهم، ومن فعل عكس ذلك مات ميتة الجاهلية، او قول الشاطبي "ان الناجين من اتباع الفرقة الناجية مأمورون بعداوة أهل البدع والتشريد بهم والتنكيل بمن إنحاز الى جهتهم بالقتل فما دونه"!!
في ضوء ما تقدم يمكن القول ان بعض جذور الاحتقان الذي افرز مشاهد مأساوية طائفية تم فيها سفك دماء الكثير من المسلمين وغير المسلمين بذرائع مذهبية وطائفية وتكفيرية، ربما يعود ايضا الى جانب من مشاهد المعركة التي خاضها الصحفي المصري عادل حمودة عندما كان نائبا لرئيس تحرير مجلة((روز اليوسف)) المصرية في بداية تسعينيات القرن المنصرم ضد الداعية الاسلامي زغلول النجار على اثر توزيع شريط بصوته في احدى الجلسات ((الايمانية الدعوية)) مع بعض الشباب ((الاخواني الصحوي))، حيث دعا النجار المسلمين المصريين الى عدم القاء التحية على المسيحيين المصريين وعدم حضور حفلاتهم التي يقيمونها بمناسبات الزواج والعزاء، وعدم تناول الطعام في مآدبهم ،والامتناع عن تهنئتهم بمناسباتهم الدينية ما أدى الى سحب ذلك الشريط من الاسواق آنذاك!!.
ومما له دلالة ان يتكرر ذلك مجددا في فتوى مشابهة أصدرها عدد من قيادات جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين وعلى رأسهم خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين، حيث قضت تلك الفتوى بتحريم تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد، الأمر الذي أثار موجة واسعة من السخط والغضب في أوساط المصريين، دفعت شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية ورئيس الوزراء هشام قنديل وقادة القوات المسلحة وقادة الاحزاب السياسية وكبار الشخصيات الاجتماعية الى زيارة الكنائس المصرية لتهنئة الأخوة الأقباط بعيد ميلاد المسيح عليه السلام.
ما من شك في ان بعض الدعاة اسهموا في تسويق ثقافة متعصبة ومتطرفة ومنغلقة وضالة تسعى الى ان تفرض علينا دينا مخالفا لدين الله الذي يؤكد على: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا، إن اللّه يفصل بينهم يوم القيامة، إن اللّه على كلِّ شيءٍ شهيد). آيه (17) - سورة الحج".
ولذلك يصعب تجاهل الخطر الناتج عن هذه الثقافة التي اثبتت الوقائع أن انتصار قيم الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الإنسان، والفوز في الحرب ضد التطرف والإرهاب لا يمكن أن يتحققا اذا ظلت ماكنة انتاج هذه الثقافة تعمل بحرية تامة في مجال تزييف الوعي وإثارة الكراهية والتحريض ضد المخالفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.