قائد الاحتلال اليمني في سيئون.. قواتنا حررت حضرموت من الإرهاب    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    تراجع في كميات الهطول المطري والارصاد يحذر من الصواعق الرعدية وتدني الرؤية الافقية    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الجنوب هو الخاسر منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    غريم الشعب اليمني    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السعودية وكبش اليد العاملة الوافدة
نشر في المشهد اليمني يوم 16 - 04 - 2013

اصبح من المعروف ان الدول التي تعاني من مأزق اقتصادي او سياسي تتجه انظمتها الى التركيز على اليد العاملة الوافدة المنتظمة وغير المنتظمة فتتحول هذه الكتلة البشرية التي تحرك اقتصاد الدول الى محور تستغله الانظمة لتمرير صرف النظر عن المعضلة الحقيقية وجذورها. فكما الاحزاب الغربية في الدول الديمقراطية التي تعلن في حملاتها الانتخابية عن برامج تطارد اليد العاملة الوافدة نجد ان النظام السعودي يحاول ان يستجدي شرعية جديدة تحت شعار توطين العمل او سعودته، وهو شعار قديم يطرح عند كل خطة خمسية تقررها الوزارات المعنية التي تطمح الى تقليص عدد الوافدين العاملين وتقنين الاعتماد عليهم خاصة في القطاع الخاص الذي حتى هذه اللحظة لا يزال يعتمد على الاجانب بنسبة قد تزيد عن 85 بالمئة.

وفي عملية تراكمية وصل تعداد المقيمين في السعودية الى ما يقارب ثلث السكان، يصل الى عشرة ملايين نسمة من الجنسيات العربية والغربية والاسيوية والافريقية.

ومنذ بداية عصر النفط انتقلت السعودية من دولة تصدر المهاجرين الى دولة تستقبلهم. ففي السابق هاجر ابناء الجزيرة العربية ليعملوا في حفريات قناة السويس في القرن التاسع عشر وانتقلوا الى مناطق في العراق ووصلوا الى الهند طلبا للعمل والتجارة، ولكن حولت الثروة النفطية السعودية منذ الثلاثينيات من القرن المنصرم المنطقة الى مساحة تستقبل اليد العاملة، كان اولها شحنات العمال التي جلبتها شركة ارامكو الى حقول النفط، ومنها المساجين الايطاليين الذين اعتقلوا في القرن الافريقي ونقلتهم الطائرات الامريكية الى الظهران من اجل حفر آبار النفط، ومن ثم فتح الباب على مصراعيه ليد عاملة عربية اولا ثم اسيوية حتى لحظة استقدام اليد العاملة المحلية من مناطق مختلفة في الاطراف والمناطق المترامية وسط المملكة وعلى حدودها.

وبعد توسع اقتصاد النفط والخدمات لم تستطع السعودية وحتى هذه اللحظة ان تقنن اعتمادها على اليد العاملة الوافدة تحت ذرائع مختلفة ومتناقضة، كان أولها: عدم جاهزية المجتمع وانعدام الخبرات ثم عدم رغبة المواطنين بالانخراط في الاعمال اليدوية والمهنية ثم مقاومة القطاع الخاص الذي لا يزال يفضل العمالة الاجنبية على المحلية لاسباب تعزى الى تعقيدات ثقافية واجتماعية، فبينما يظهر النظام بمظهر الحريص على توفير فرص العمل للكتلة الشبابية الناشئة، تصور الآلة الاعلامية السعودية الخلل في ثقافة المجتمع او ممانعة اصحاب العمل فتبدو غير مسؤولة عن آلاف رخص استيراد اليد العاملة الاجنبية التي تصدرها الوزارات. ومؤخرا ظهر خطاب جديد يحاول تحميل اليد العاملة غير المنتظمة مسؤولية بيع الخمور وعمليات السطو وتفشي الدعارة وغيره من الآفات التي تعصف بالمجتمع فتتم عمليات ملاحقة اليد العاملة وترحيلها بين الحين والحين ويبرز النظام وكأنه يطهر الاراضي السعودية من العنصر الخارجي الدخيل على المجتمع والذي يفتك به اقتصاديا عن طريق اعاقة توظيف اليد العاملة المحلية واجتماعيا عن طريق نشر الرذيلة في طيات المجتمع المحافظ الورع.

وتنس هذه السرديات العنصرية غير المؤصلة ان النظام وحده المسؤول عن استقدام اليد العاملة المنتظمة وتقصيره عن تحصين حدوده ضد الهجرة غير المرخصة، وبذلك يتملص النظام من المسؤولية الادارية والسياسية والامنية ويسلط الضوء على العمالة الوافدة ككبش فداء يتقرب به الى مشاعر التأجج الناتجة عن تفشي البطالة وانعدام فرص العمل في اكبر اقتصاد نفطي عربي وعالمي.

ويمهد النظام بسردية خطر العمالة الوافدة الى تفكك السلم والامن الاجتماعيين عندما يبادر المواطن باتخاذ زمام المبادرة ويعتدي على المهاجر الشرعي وغير الشرعي، تماما كما حدث في بعض مناطق المملكة عندما تصدى المواطنون لمجموعات اثيوبية يعتقد انها تروج للخمور وغيره من المحرمات تحت ذريعة تطهير المنطقة من شرور العصابات. وينسى النظام ان عدالة الشارع قد لا تكون في مصلحته حيث ان مفهوم الدولة يعتمد اولا واخيرا على توفير الامن من قبل جهات مسؤولة وليس اشخاصا يبادرون بمبادرات شخصية.

ونعزي استمرارية اعتماد السعودية على اليد العاملة الوافدة حتى هذه اللحظة الى اسباب سياسية بحتة منها اولا: تثبيت حالة تخلق يدا عاملة خارجية تكون معتمدة كليا على عقود عمل محدودة تحت رخص تمنح للشركات والاشخاص كمنح تمكنهم من استمرارية العمل وتوفر اليد العاملة الرخيصة، وكمكافأة تجعل تجارتهم رابحة وغير معتمدة على يد عاملة محلية قد يكون لها مطالب مشروعة.

الاعتماد على يد عاملة خارجية آنية منعزلة عن المجتمع ولا تتمتع بحقوق ثابتة قد ترحل عند اي حالة تململ تجعل الشركات في موقف مستقل عن المجتمع يوفر الخدمات والتجارة الرابحة من دون ان يربط العمال والموظفين بشروط لها تبعيات على المجتمع وشرائحه.

ثانيا: حول النظام السعودي استقدام اليد العاملة الخارجية الى تجارة رابحة وسياسة توزيع للاتاوات حيث تباع رخص استقدام العمال وتشترى في سوق كبير لا تستفيد منه شركات استيراد اليد العاملة فقط، بل شخصيات محددة لها حق هذا الاستيراد فينتقع اقتصاد الخدمات كما تنتفع الشخصيات المرتبطة بالنظام والتي تمنع انفتاح السوق وتتمركز كقوة محتكرة لليد العاملة التي تحرك الاقتصاد المحلي وتسير اموره.

ثالثا: تخلق اليد العاملة المستوردة وخاصة تلك التي تمارس المهن الوضيعة حالة نفسية عند المواطن الذي رغم حرمانه من كثير من الحقوق يشعر انه شخصية ليست الاكثر دونية، حيث سيجد دوما من هو اكثر منه ترديا في السلم الاجتماعي الطبقي.

فازدواجية المواطن الاجنبي قانونيا واجتماعيا تجعل الاول يعتقد انه ارفع شأنا من ذلك العامل المستورد الذي يظل ذلك الآخر المنبوذ او الشر الذي لا بد منه ويعيش المواطن على وهم التخلص من ذلك العامل في المستقبل بينما هو يمارس ضده ابشع انواع العنصرية والاقصاء من اجل راحة نفسية آنية فيفرج عن كربته بينما يظل العامل المستورد حبيس الازدواجية السعودية التي جعلته ينحدر الى مركز العامل المهان الذي قد يستغنى عنه او يستبدل في اي لحظة وحسب الاهواء. وتجسد حالات هروب العمال او انتحار عاملات المنزل او الاعتداء على اصحاب المحال التي تمتلئ بها صفحات الجرائد السعودية مظهرا من مظاهر الخلل في شروط العمل والبيئة الثقافية والاجتماعية التي يأتي اليها العامل.

وهنا لا نبرئ العامل من مسؤولية الجريمة ان ارتكبها بل نوضح كيف ان البيئة السعودية التي تنعدم فيها ابسط حقوق العمل والعامل تبقى مسؤولة عن مثل هذه الحالات الشاذة، فمعظم اليد العاملة الوافدة مدفوعة برغبة العمل الشريف لاعالة اسر في دول ذات اقتصاد ضعيف يعتمد كليا على حوالات يرسلها هؤلاء الى بلدهم وتعتاش عليها آلاف المجتمعات في اسيا والعالم العربي وافريقيا. وبين الحين والحين تستعرض الصحافة السعودية احصاءات الاموال المصدرة الى الخارج من قبل هؤلاء العمال الوافدين كأرقام تستنزف الاقتصاد المحلي وتحرمه من المردود الناتج عن توظيف يد عاملة خارجية متناسية بذلك ان هذه الارقام تكاد تكون جزءا بسيطا من تصدير المردود النفطي والفائض المالي الى البنوك الخارجية تحت حسابات سرية وصناديق استثمار تبقى مجهولة وغير مقررة على جداول الميزانيات السعودية. وعندما لا يسمح للعامل البسيط استقدام اسرته الى السعودية فهو مجبور على تحويل جزء كبير من مدخوله لاعاشة اسرته في موطنه بينما تهرب الاموال الكبيرة خارج السعودية طلبا لمردود اكبر بكثير من مردودها داخليا وهربا من عدم الثقة باستمرارية الوضع الاقتصادي والسياسي الداخلي.

يعلم النظام السعودي جيدا ان استهداف اليد العاملة الوافدة بين الحين والحين سياسة هدفها تحميل المسؤولية لمن ليس له القدرة على تحملها، حيث يسلط الضوء على الآخر الغريب المحتاج بينما يظل المسؤول الاول والاخير عن هذه المعضلة القديمة المتجددة محصنا، فيضمن بذلك تجييش مشاعر وطنية زائفة ضد هذا الآخر بدل ان يحل ازمة البطالة بطرق مشروعة تعكس استراتيجية بعيدة المدى ونظرة اقتصادية بحتة غير مضللة باهداف سياسية تنتقي جنسيات محددة وافدة لكسب شرعية تدغدغ مشاعر المواطنين تماما كما حدث عندما تم ترحيل اكثر من مليون يمني في التسعينات لاسباب سياسية صرفة وكما هو الحال الآن عندما يتم ملاحقة اليمنيين وغيرهم وترحيلهم بالجملة كوسيلة ضغط على حكومات بلادهم وقد يؤدي الى انهيارات اقتصادية تكون تداعياتها كبيرة وخطيرة على السعودية بالذات، خاصة ان حدودها الجنوبية تتعانق مع حدود دولة تعتبر من اكثر الدول فقرا في العالم العربي. ومهما طال الجدار العازل مع اليمن وارتفع الا ان المعضلة ان كانت امنية او اقتصادية لا تحل باستهداف اليد العاملة الوافدة بل بسياسة تستثمر العوز الاقتصادي اليمني تحت شروط انسانية وعمالية تليق بالمركز المحوري السعودي وتتفق مع شروط العمل العالمية لتنهض باقتصاد البلدين. فالدول الغنية التي تحترم نفسها لا يمكن لها ان تستمر في استغلال اليد العاملة الوافدة ككبش فداء تضحي به عند كل معضلة سياسية تواجهها.

د. مضاوي الرشيد

اصبح من المعروف ان الدول التي تعاني من مأزق اقتصادي او سياسي تتجه انظمتها الى التركيز على اليد العاملة الوافدة المنتظمة وغير المنتظمة فتتحول هذه الكتلة البشرية التي تحرك اقتصاد الدول الى محور تستغله الانظمة لتمرير صرف النظر عن المعضلة الحقيقية وجذورها. فكما الاحزاب الغربية في الدول الديمقراطية التي تعلن في حملاتها الانتخابية عن برامج تطارد اليد العاملة الوافدة نجد ان النظام السعودي يحاول ان يستجدي شرعية جديدة تحت شعار توطين العمل او سعودته، وهو شعار قديم يطرح عند كل خطة خمسية تقررها الوزارات المعنية التي تطمح الى تقليص عدد الوافدين العاملين وتقنين الاعتماد عليهم خاصة في القطاع الخاص الذي حتى هذه اللحظة لا يزال يعتمد على الاجانب بنسبة قد تزيد عن 85 بالمئة.

وفي عملية تراكمية وصل تعداد المقيمين في السعودية الى ما يقارب ثلث السكان، يصل الى عشرة ملايين نسمة من الجنسيات العربية والغربية والاسيوية والافريقية.

ومنذ بداية عصر النفط انتقلت السعودية من دولة تصدر المهاجرين الى دولة تستقبلهم. ففي السابق هاجر ابناء الجزيرة العربية ليعملوا في حفريات قناة السويس في القرن التاسع عشر وانتقلوا الى مناطق في العراق ووصلوا الى الهند طلبا للعمل والتجارة، ولكن حولت الثروة النفطية السعودية منذ الثلاثينيات من القرن المنصرم المنطقة الى مساحة تستقبل اليد العاملة، كان اولها شحنات العمال التي جلبتها شركة ارامكو الى حقول النفط، ومنها المساجين الايطاليين الذين اعتقلوا في القرن الافريقي ونقلتهم الطائرات الامريكية الى الظهران من اجل حفر آبار النفط، ومن ثم فتح الباب على مصراعيه ليد عاملة عربية اولا ثم اسيوية حتى لحظة استقدام اليد العاملة المحلية من مناطق مختلفة في الاطراف والمناطق المترامية وسط المملكة وعلى حدودها.

وبعد توسع اقتصاد النفط والخدمات لم تستطع السعودية وحتى هذه اللحظة ان تقنن اعتمادها على اليد العاملة الوافدة تحت ذرائع مختلفة ومتناقضة، كان أولها: عدم جاهزية المجتمع وانعدام الخبرات ثم عدم رغبة المواطنين بالانخراط في الاعمال اليدوية والمهنية ثم مقاومة القطاع الخاص الذي لا يزال يفضل العمالة الاجنبية على المحلية لاسباب تعزى الى تعقيدات ثقافية واجتماعية، فبينما يظهر النظام بمظهر الحريص على توفير فرص العمل للكتلة الشبابية الناشئة، تصور الآلة الاعلامية السعودية الخلل في ثقافة المجتمع او ممانعة اصحاب العمل فتبدو غير مسؤولة عن آلاف رخص استيراد اليد العاملة الاجنبية التي تصدرها الوزارات. ومؤخرا ظهر خطاب جديد يحاول تحميل اليد العاملة غير المنتظمة مسؤولية بيع الخمور وعمليات السطو وتفشي الدعارة وغيره من الآفات التي تعصف بالمجتمع فتتم عمليات ملاحقة اليد العاملة وترحيلها بين الحين والحين ويبرز النظام وكأنه يطهر الاراضي السعودية من العنصر الخارجي الدخيل على المجتمع والذي يفتك به اقتصاديا عن طريق اعاقة توظيف اليد العاملة المحلية واجتماعيا عن طريق نشر الرذيلة في طيات المجتمع المحافظ الورع.

وتنس هذه السرديات العنصرية غير المؤصلة ان النظام وحده المسؤول عن استقدام اليد العاملة المنتظمة وتقصيره عن تحصين حدوده ضد الهجرة غير المرخصة، وبذلك يتملص النظام من المسؤولية الادارية والسياسية والامنية ويسلط الضوء على العمالة الوافدة ككبش فداء يتقرب به الى مشاعر التأجج الناتجة عن تفشي البطالة وانعدام فرص العمل في اكبر اقتصاد نفطي عربي وعالمي.

ويمهد النظام بسردية خطر العمالة الوافدة الى تفكك السلم والامن الاجتماعيين عندما يبادر المواطن باتخاذ زمام المبادرة ويعتدي على المهاجر الشرعي وغير الشرعي، تماما كما حدث في بعض مناطق المملكة عندما تصدى المواطنون لمجموعات اثيوبية يعتقد انها تروج للخمور وغيره من المحرمات تحت ذريعة تطهير المنطقة من شرور العصابات. وينسى النظام ان عدالة الشارع قد لا تكون في مصلحته حيث ان مفهوم الدولة يعتمد اولا واخيرا على توفير الامن من قبل جهات مسؤولة وليس اشخاصا يبادرون بمبادرات شخصية.

ونعزي استمرارية اعتماد السعودية على اليد العاملة الوافدة حتى هذه اللحظة الى اسباب سياسية بحتة منها اولا: تثبيت حالة تخلق يدا عاملة خارجية تكون معتمدة كليا على عقود عمل محدودة تحت رخص تمنح للشركات والاشخاص كمنح تمكنهم من استمرارية العمل وتوفر اليد العاملة الرخيصة، وكمكافأة تجعل تجارتهم رابحة وغير معتمدة على يد عاملة محلية قد يكون لها مطالب مشروعة.

الاعتماد على يد عاملة خارجية آنية منعزلة عن المجتمع ولا تتمتع بحقوق ثابتة قد ترحل عند اي حالة تململ تجعل الشركات في موقف مستقل عن المجتمع يوفر الخدمات والتجارة الرابحة من دون ان يربط العمال والموظفين بشروط لها تبعيات على المجتمع وشرائحه.

ثانيا: حول النظام السعودي استقدام اليد العاملة الخارجية الى تجارة رابحة وسياسة توزيع للاتاوات حيث تباع رخص استقدام العمال وتشترى في سوق كبير لا تستفيد منه شركات استيراد اليد العاملة فقط، بل شخصيات محددة لها حق هذا الاستيراد فينتقع اقتصاد الخدمات كما تنتفع الشخصيات المرتبطة بالنظام والتي تمنع انفتاح السوق وتتمركز كقوة محتكرة لليد العاملة التي تحرك الاقتصاد المحلي وتسير اموره.

ثالثا: تخلق اليد العاملة المستوردة وخاصة تلك التي تمارس المهن الوضيعة حالة نفسية عند المواطن الذي رغم حرمانه من كثير من الحقوق يشعر انه شخصية ليست الاكثر دونية، حيث سيجد دوما من هو اكثر منه ترديا في السلم الاجتماعي الطبقي.

فازدواجية المواطن الاجنبي قانونيا واجتماعيا تجعل الاول يعتقد انه ارفع شأنا من ذلك العامل المستورد الذي يظل ذلك الآخر المنبوذ او الشر الذي لا بد منه ويعيش المواطن على وهم التخلص من ذلك العامل في المستقبل بينما هو يمارس ضده ابشع انواع العنصرية والاقصاء من اجل راحة نفسية آنية فيفرج عن كربته بينما يظل العامل المستورد حبيس الازدواجية السعودية التي جعلته ينحدر الى مركز العامل المهان الذي قد يستغنى عنه او يستبدل في اي لحظة وحسب الاهواء. وتجسد حالات هروب العمال او انتحار عاملات المنزل او الاعتداء على اصحاب المحال التي تمتلئ بها صفحات الجرائد السعودية مظهرا من مظاهر الخلل في شروط العمل والبيئة الثقافية والاجتماعية التي يأتي اليها العامل.

وهنا لا نبرئ العامل من مسؤولية الجريمة ان ارتكبها بل نوضح كيف ان البيئة السعودية التي تنعدم فيها ابسط حقوق العمل والعامل تبقى مسؤولة عن مثل هذه الحالات الشاذة، فمعظم اليد العاملة الوافدة مدفوعة برغبة العمل الشريف لاعالة اسر في دول ذات اقتصاد ضعيف يعتمد كليا على حوالات يرسلها هؤلاء الى بلدهم وتعتاش عليها آلاف المجتمعات في اسيا والعالم العربي وافريقيا. وبين الحين والحين تستعرض الصحافة السعودية احصاءات الاموال المصدرة الى الخارج من قبل هؤلاء العمال الوافدين كأرقام تستنزف الاقتصاد المحلي وتحرمه من المردود الناتج عن توظيف يد عاملة خارجية متناسية بذلك ان هذه الارقام تكاد تكون جزءا بسيطا من تصدير المردود النفطي والفائض المالي الى البنوك الخارجية تحت حسابات سرية وصناديق استثمار تبقى مجهولة وغير مقررة على جداول الميزانيات السعودية. وعندما لا يسمح للعامل البسيط استقدام اسرته الى السعودية فهو مجبور على تحويل جزء كبير من مدخوله لاعاشة اسرته في موطنه بينما تهرب الاموال الكبيرة خارج السعودية طلبا لمردود اكبر بكثير من مردودها داخليا وهربا من عدم الثقة باستمرارية الوضع الاقتصادي والسياسي الداخلي.

يعلم النظام السعودي جيدا ان استهداف اليد العاملة الوافدة بين الحين والحين سياسة هدفها تحميل المسؤولية لمن ليس له القدرة على تحملها، حيث يسلط الضوء على الآخر الغريب المحتاج بينما يظل المسؤول الاول والاخير عن هذه المعضلة القديمة المتجددة محصنا، فيضمن بذلك تجييش مشاعر وطنية زائفة ضد هذا الآخر بدل ان يحل ازمة البطالة بطرق مشروعة تعكس استراتيجية بعيدة المدى ونظرة اقتصادية بحتة غير مضللة باهداف سياسية تنتقي جنسيات محددة وافدة لكسب شرعية تدغدغ مشاعر المواطنين تماما كما حدث عندما تم ترحيل اكثر من مليون يمني في التسعينات لاسباب سياسية صرفة وكما هو الحال الآن عندما يتم ملاحقة اليمنيين وغيرهم وترحيلهم بالجملة كوسيلة ضغط على حكومات بلادهم وقد يؤدي الى انهيارات اقتصادية تكون تداعياتها كبيرة وخطيرة على السعودية بالذات، خاصة ان حدودها الجنوبية تتعانق مع حدود دولة تعتبر من اكثر الدول فقرا في العالم العربي. ومهما طال الجدار العازل مع اليمن وارتفع الا ان المعضلة ان كانت امنية او اقتصادية لا تحل باستهداف اليد العاملة الوافدة بل بسياسة تستثمر العوز الاقتصادي اليمني تحت شروط انسانية وعمالية تليق بالمركز المحوري السعودي وتتفق مع شروط العمل العالمية لتنهض باقتصاد البلدين. فالدول الغنية التي تحترم نفسها لا يمكن لها ان تستمر في استغلال اليد العاملة الوافدة ككبش فداء تضحي به عند كل معضلة سياسية تواجهها.

د. مضاوي الرشيد
- See more at: http://www.watanserb.com/201304162022/%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%B9/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%83%D8%A8%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%AF%D8%A9.html#sthash.Z6LhRG20.dpuf


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.