* أقام عمرو بن العاص حدَّ الخمر على عبدالرحمن بن عمر بن الخطاب، يوم كان عامله على مصر. غير أن ابن العاص -خالف السياسة الشرعية في شأن إقامة الحدّ إذ أخلّ بشرط وليشهد عذابهما...- حيث أقام الحد على ابن الخليفة في البيت، فلما بلغ الخبرُ عمر، كتب إلى عمرو بن العاص: من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي ابن العاص: عجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك عليّ، وخلاف عهدي. أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر ممن هم خير منك، واخترتك لجدالك عني، وإنفاذ عهدي، فأراك تلوثت بما قد تلوثت، فما أراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبدالرحمن في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبدالرحمن رجل من رعيتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين. ولكن قلتَ: هو ولد أمير المؤمنين!!، وقد عرفتَ أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حقٍّ يجب لله عليه، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع. وقد تم إحضاره إلى المدينة وضربه الحد جهرا. * قال عبدالله بن عمر: اشتريت إبلاً أنجعتها الحِمى فلما سمنت قدمتُ بها سوق المدينة.. إلى أن قال: فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً، فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبدالله بن عمر، قال، فجعل يقول: يا عبدالله بن عمر بخٍ… بخٍ… ابن أمير المؤمنين، ثم أردف قائلاً: ما هذه الإبل؟ قال، قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال: فقال عمر: فيقولون ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبدالله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.
* وحدّث عبدالله بن عمر بما يلي: شهدت جلولاء -إحدى المعارك ببلاد فارس- فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضتُ -أي عمر- على النار فقيل لك: افتده، أكنتَ مفتدياً به؟ قلتُ: والله ما من شيءٍ يؤذي بك إلا كنت مفتدياً بك منه، قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبدالله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك؛ فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسؤول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم، قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إلي ثمانين ألفاً وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه في الرعيّة.
* عن أسلم قال: خرج عبدالله وعبيدالله ابنا عمر في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهّل وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين وأسلفكماه فتبيعان به متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح، ففعلا، وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال. فلما قدما على عمر قال: أكل الجيش أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا. فقال عمر: أديا المال وربحه، فأما عبدالله فسكت، وأما عبيدالله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه. فقال: أديا المال. فسكت عبدالله وراجعه عبيدالله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً /شركة. فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبدالله وعبيدالله نصف ربح المال.
* قال معيقيب: أرسل إليَّ عمر رضي الله عنه مع الظهيرة، فإذا هو في بيت يطالب ابنه عاصماً… فقال لي: أتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق فأخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم -أي سألهم النفقة- فأعطوه آنية وفضة ومتاعاً، وسيفاً محلّى. فقال عاصم: ما فعلتُ، إنما قدمت على ناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه يا معيقيب، فاجعله في بيت المال.
* جيء إلى عمر رضي الله عنه بمال، فبلغ ذلك حفصة أم المؤمنين، فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عز وجل بالأقربين من هذا المال، فقال: يا بنية حق أقربائي في مالي، وأما هذا ففي سداد المسلمين، غششتِ أباك ونصحت أقرباءك. قومي عنّي.
الآن.. وقد عرفتم طرفاً من أخبار عدل عمر (رضي الله عنه) فيسَعُكم أنّ تعذروني لا أن تعذلوني على ما كان من عنوان المقالة!
وراع صاحب كسرى أن رأى عمرا بين الرعية عطلا وهو راعيها وعهده بملوك الفرس أن لها سورا من الجند والأحراس يحميها رآه مستغرقا في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا ببردة كاد طول العهد يبليها فهان في عينه ما كان يكبره من الأكاسر والدنيا بأيديها وقال قولة حق أصبحت مثلا وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها