رحم الله الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي في ذكرى استشهاده ال(37) في عملية غادرة لن ينساها التاريخ، خصوصاً أنها قد حرمت اليمن وشعبها من زعيم عظيم أراد أن يحقق لهم دولة طالما حلموا بها؛ قوامها العدالة والبناء والمواطنة المتساوية. عندما يسألني أولادي عن سر حبي وتعلقي بالرئيس الحمدي وعصره أضطر أن أحدثهم عن الرجل وعن مزايا عصره القصير، وأذكر لهم ثلاثة أسباب قد تبرر لهم ذلك: أولهما يشاركني فيه كل أبناء اليمن، وثانيهما ألتقي فيه مع قسم كبير منهم، وثالثهما يخصني وحدي؛ ولا أدري إن كان هناك من يشاركني فيه. السبب الأول يأخذ بعداً وطنياً لدى جميع أبناء الشعب اليمني الذين انغرس في قلوبهم عظمة هذا الرجل، وكيف بذل جل حياته لخدمة وطنه وأبناء شعبه بإخلاص وصدق وتفانٍ قل أن تجد لهما نظير. فقدكان كل همه أن يرى وطنه يسابق الأمم الأخرى ويستعيد أمجاده الغابرة، وأن يرفع رأس مواطنيه عالياً وجعلها تطاول السماء تيهاً وفخراً، دون تفريط بكرامة اليمني مهما كان الثمن والمقابل؛ سواء على المستوى العام أو الخاص. ولذلك فقد رحل عن كرسي الرئاسة ومعها هذه الدنيا الفانية كما دخلها، لأنه لم يكرس منصبة لمصلحة تخص شخصه أو أسرته أو قبيلته ومنطقته كما فعل سابقوه ولاحقوه، لكنه سخرها لوطن كامل بكل مناطقه وفئاته. مزاياه كثيرة وكبيرة وأكثر من أن تحصى رغم أنه لم يحكم إلا ثلاث سنوات، وهي مدة لا تكاد تذكر في عمر الأوطان، وقد سبق لي أن تناولت تلك المزايا في مقال كتبته قبل ثورة فبراير الشعبية (الراحلة) بعنوان "13 يونيو والنفق المظلم"في عصر كانت الكتابة فيه عن مزايا الحمدي تعد ضرباً من المغامرة، لكن الحمدي من وجهة نظري كان يستحق أن نغامر من أجله. أما السبب الثاني لحب الشهيد الحمدي فيأخذ بعدا(مناطقياً)، ذلك أن الحمدي هو أول من جعل أبنا المحافظات الوسطى (جنوب الشمال) يشعرون بحق المواطنة ، وعاملهم كمواطنين كاملي المواطنة، وليس كرعايا وأتباع كما كان عليه الحال من قبله لمئات السنين، وكما عادت الأمور من بعده. فالعدالة والمواطنة المتساوية كانتا هما كلمتا السر في الحب الجارف الذي حظي به، بحيث جعلته العدالة بين فئات المجتمع وانتصاره للمواطن البسيط وانتزاع حقه من النافذين والمشائخ يتربع على قلوب اليمنيين، ولم يجاهر بكرهه إلا داعية تميز أو شخص في قلبه مرض. أما المواطنة المتساوية التي صارت حقيقة معاشة في عهده بين مختلف مناطق دولتهفقد جعلته يمتلك قلوب أبناء المحافظات الوسطى من اليمن دون منازع (يقطنها قرابة نصف سكان اليمن)، ذلك أنه جعلهم شركاء في وطنهم بعد أن كان الحكام السابقين له– في العصرين الإمامي والجمهوري – قد تعاملوا معهم ومع مناطقهم كمصدر للجباية ليس إلا. ولذلك ستظل المواطنة المتساوية والعدالة في توزيع السلطة والثروة هي المفتاح لكل من يريد أن ينال ثقة هذا الشعب، بحيث ينظر لأبناء اليمن بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات، دون ادعاء حقوق تمييزية وتشريفية لمنطقة أو مذهب أو قبيلة أو سلالة أو فئة أو أسرة. وفيما يخص السبب الثالث لحبي للرئيس الشهيد فهو يرتبط بموقف شخصي في حياتي، فعملية استشهاده الغادرة رغم أنها مثلت يوم حزين لأبناء اليمن، إلا أنها مع الأسف الشديد قد شكلت لي بداية تفتح وعيي السياسي في طفولتي اليافعة. فقد لفت انتباهي الحزن الذي خيم على أبناء قريتي الصغيرة وهم يبكون موته كما يبكون عزيزاً عليهم، حيث تساءلت ورفاقي الصغار عن إبراهيم هذا الذي يبكونه ونحن لا نعرفه، فكانت الإجابة إنه المقدم إبراهيم محمد الحمدي رئيس مجلس القيادة القائد العام للقوات المسلحة (هكذا كنا نلفظ اسمه بألقابه كما نسمعها من المذياع). من الذي قتله؟..فاسدوااالمشائخوالعسكر، ولماذا قتلوه؟.. خدمة لقوى خارجية ، ولماذا تكرهه الدول الأخرى؟.. لأنه كان يريد أن يبني دولة يمنية قوية مزدهرة وموحدة، وماذا يضيرهم في ذلك؟.......إلخ. وهكذا بدأت تلك الأسئلة ومثلها تتوارد على ذهني وحتى اليوم، وليتها ما كانت، فربما كنت سأنام قرير العين كما كنت أفعل في طفولتي يوم كنت أنعم– بعد رعاية الله وحفظه - بأمن ورعاية الرئيس الحمدي مثلي مثل كل أطفال اليمن وكبارها. ولعل ذلك ما يجعلني أظل أحلم في يقظتي بعودة الحمدي من جديد ليخلصنا من الشرور التي صارت تملأ حياتنا، وهو ما ذكرته في مقال قديم حمل عنوان "الحمدي المنتظر وصميل الحاج ناجي". اعذروني أيها الأعزاء فقد توهتكم معي وأدخلتكم في قصص قد لا تكون من ضمن ما تبحثون عنه في هذا المقال، وربما تريدون أن تعرفوا كيف أن الرئيس الشهيد قد ظهر قبل ألفي عام؟! ولذلك سأرضي فضولكم وأحكي لكم قصة كنت قد ذكرتها في ندوة أقامها التنظيم الناصري عن حياة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي في ذكرى حركة يونيو التصحيحية (2013م). ففي تلك الندوة عرضتُ صورة منحوتة في الصخر على شكل تمثال لرجل يمني قديم من دولة قتبان القديمة (تقع جنوباليمن) اسمه "إيلى شرح ذو عمي يدع" وهو يرتدي المعوز اليمني (الفوطة)، وهذا التمثال يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وهو محفوظ في متحف عدن، وصورته لمن يريد الاطلاع عليها منشورة في كتاب (اليمن.. في بلاد ملكة سبأ، ص157). مجسم إيلي شرح المذكور يكاد بملامحه وتقاسيم وجهه يكون صورة طبق الأصل من ملامح ووجه الريس الشهيد إبراهيم الحمدي، وهو ما يجعلني أسميه دائماً بإبراهيم الحمدي الجد كلما مرت عليّ صورته. لقد التقط بعض الشباب الحاضرين في تلك الندوة صورة له بكاميراتهم وتلفوناتهم من الكتاب الذي عرضته لهم، وأتمنى أن ينزلونها في صفحاتهم على الفيس لتتأكدوا من حجم ذلك الشبه، وعندها فقط ستدركون بأن الحمدي حتماً سيظهر من جديد..وكل مانرجوه أن لا يطول انتظارنا ألفي سنة أخرى.