ليست كلمات عابره ولا مطلع لقصيدة غزلية ولا مقدمة لأغنية مشهوره وإنما كلمات ولدت من رحم معاناة طفل تجرع كأس المرارة قبل أن يبلغ اشده مُردداً إياها بألم في أحد جبال مدينة تعز وهو يقوم بنقل الغذاء وتهريب الحياة لأسرته، تلك الكلمات النابعة من شعور متخم بمشقة الحياة وصعوبة توفير ادنى متطلبات العيش تلقتها مواقع التواصل الاجتماعي ونقلتها للضمير الإنساني في الداخل والخارج أن كفى فالوضع لم يعد يحتمل، والجرح قد وصل الى كل دار وتحمل تبعاته الجميع كباراً وصغاراً شيباً وشباباً. تتفاقم مشكلة تعز يوماً بعد يوم كما هو الحال مع الكثير من المدن التي تخوض معارك مصيرية مع مليشيا صالح /الحوثي والتي اضافت للحرب الدموية حرباً اخرى غذائية وصلت احياناً للبحث عن شربة "ماء" دون ادنى إنسانية أو ادنى معايير للقيم والأخلاق، تلك الصور القادمة من مدينة تعز تعكس الوجه الحقيقي لإرادة صانعوا هذه الحرب ومدى وحشية وعنفوان مكرهم وماتخفيه نواياهم أدهى وأمَر.
الله يهينه من هان شعب اليمن هكذا رددها الطفل مُمتطياً وسيلة نقل تعود الى العصور الأولى رغم وصولنا الى القرن الواحد والعشرون، لم يكن هذا الطفل هو الأول الذي ينقل للعالم صورة عن معيشته وقرنائه من الأطفال في الداخل فقد سبقه الكثير من الأطفال ذاع صيتهم ووصلت كلماتهم الى ارجاء المعمورة ، ولعل اشهرهم الطفل "الصبري" الذي وصلت آلة الحرب الى منزلهم فأوصل رسالته الى زعماء المليشيا ورفع اليمنيون صوره أمام مبنى الكونغرس في واشنطن، ايضاً صورة الطفل الذي يكسوه الغبار ويقف حائراً فوق رُكام منزله بعد أن دمرته المسيرة المليشاوية في قرى قبيلة " ارحب" والتي تبدوا للمشاهد وكأنها صورة قادمة من العصر الجاهلي لا العصر الحديث، كذلك الطفل " فريد" صاحب عبارة " لاتقيروناش"، هذه الظواهر ليست فعلاً من أفعال الطبيعة ولا نتاج لفيضانات او انفجارات كونية وإنما فعلاً من افعال من صعد الى حكم اليمن على حين غفلة من الزمن وداس البلاد ثلاثة عقود ونيفاً، لينتهي به الحال الى التحالف مع الشيطان وانهاء مظاهر الحياة قبل أن تحل عليه اللعنة وتقذفه في مستنقع فئران التاريخ .
ليس حراً من لم يشعر بالألم وهو يسمع تلك الكلمات ويرى ذلك المنظر، بل لا ضمير له من لم يتحرك ضميره ويخرج عن حيز الصمت ليعبر عن رفضه من خلال تجريد سفاحي الحرب امام الرأي العام على الأقل، وإظهار قبح ما صنعت آلة الموت التي ما فتئت تهلك الحرث والنسل وتحصد الدم والهدم .
انقضت طائرات التحالف يوماً على منزل صالح فخرج مذعوراً يهدد الجميع ويدعوا الى حمل السلاح فقط لأنه خسر قصراً من عشرات القصور التي يمتلكها، كيف لو حُوصِر صالح ومعه قادة الحرب ومُنع عنهم الغذاء والدواء ! ماذا لو ذاقوا مرارة العيش في الظلام ومشقة البحث عن الطعام ، لا استطيع ان اتخيل حجم الهذيان الذي سيخرج من صالح وابواقه !
هل اتاك يا صالح حديث تلك الأسرة التي قُتل ابنهم أمام ناضري امه وأباه برصاص جنودك، وهل اتاك يا عبدالملك حديث محمد الشهابي الذي مات طفلة امام ناضريه بسب محاصرة مليشياتكم لتعز ومنع الأكسجين عنها، ايها المجرمون هل اتاكم حديث تلك المرأة وذلك الشيخ والشاب والطفل وهم ينزحون من مساكنهم هرباً من لظى نيران جنودكم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، هل ادركتم حجم ما اكترثت ايديكم، وهل تشعرون بحجم معاناة الناس جراء صنيعة مكركم.
الله يهينه من هان شعب اليمن بهذه الكلمات رفعت القضية من الأرض الى السماء، فنم يا صغيري قرير العين مطمئن البال فمن هان شعب اليمن قد اهانه الله عندما خرج الشعب في 18 ساحة على امتداد الوطن يطالبون بخلعه، واهانه ثانية عندما ظهر محروقاً مطروداً ، واهانة ثالثة عندما جاء الشعب برئيس آخر، واهانة رابعة ً عندما قامت 13 دولة بتحالف لانتزاع شره الذي تعدى حدود جغرافيا اليمن ليصل الى المحيط الإقليمي، تقترب الساعات اكثر فأكثر لتكتمل إهانة الله له كما اهان شعبه ف "لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون " .