أزمة خانقة بالغاز المنزلي في عدن    صراع سعودي اماراتي لتدمير الموانئ اليمنية    واتساب يقترب من إطلاق ميزة ثورية لمسح المستندات مباشرة بالكاميرا    إيران تخترق منظومة الاتصالات في الكيان    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    بن زكري يقترب من تدريب عُمان    ألونسو: لاعبو الهلال أقوياء.. ومشاركة مبابي تتحدد صباحا    شرطة صنعاء تحيل 721 قضية للنيابة    الكشف عن غموض 71 جريمة مجهولة    فقدان 60 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    موقع أمريكي: صواريخ اليمن استهدفت الدمام و أبوظبي وتل إبيب    نيمار.. موهبة صقلها الفقر ودمرها المال    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    شاهد الان / رد البخيتي على مذيع الجزيرة بشأن وضعه على قائمة الاغتيالات    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    ندوة في الحديدة إحياءً لذكرى رحيل العالم الرباني بدر الدين الحوثي    السامعي: حرب الكيان الصهيوني ليست على ايران وحدها وعلينا تجاوز الخلافات    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    بنسبة 20%.. تخفيض أجور النقل من ميناء عدن إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    التربية تعمم باسعار الكتب الدراسية ! (قائمة بالاسعار الجديدة)    العبسي: تعرضنا للاعتداء من رجال مرور وكالوا لنا الشتائم    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    أخر مستجدات إعادة فتح طريق رابط بين جنوب ووسط اليمن    الوزير الزعوري يناقش مع مؤسسات وهيئات الوزارة مصفوفة الأولويات الحكومية العاجلة    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    تلوث نفطي في سواحل عدن    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال رئيس أركان الجيش الإيراني الجديد    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025    الإفراج عن 7 صيادين يمنيين كانوا محتجزين في الصومال    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على خلية حوثية    صوت الجالية الجنوبية بامريكا يطالب بالسيادة والسلام    قرار مفاجئ للمرتزقة ينذر بأزمة مشتقات نفطية جديدة    راموس: اريد انهاء مسيرتي بلقب مونديال الاندية    حريق يلتهم مركزاً تجارياً وسط مدينة إب    وجبات التحليل الفوري!!    كأس العالم للأندية: تشيلسي يتصدر مؤقتاً بفوز صعب ومستحق على لوس انجلوس    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    البكري يبحث مع مدير عام مكافحة المخدرات إقامة فعاليات رياضية وتوعوية    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    حصاد الولاء    مناسبة الولاية .. رسالة إيمانية واستراتيجية في مواجهة التحديات    من يومياتي في أمريكا .. صديقي الحرازي    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    اغتيال الشخصية!    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الديكتاتور..
نشر في المشهد اليمني يوم 01 - 04 - 2017

ما من بؤس أكثر فداحة من دنيا الديكتاتور، ولا حياة مليئة بالألم كالتي يعيشها رجاله المقربون. في "خطاب الضجر" يرسم درويش، 1986، بورتريه ساخراً لديكتاتور عربي يسارر شعبه بوحدته، عزلته، وضجره. ف"هو"، الذي شوهد يحمل العاصمة فوق سيارته ليتقي المطر، يتجلى من الجانب الآخر الهش والأعزل: لا يجرؤ على الذهاب إلى البحر، ولا المشي فوق الرصيف. ثم لا يلبث أن يسوق اعترافاً ساخراً لا يخلو من الوجع: من منكمُ يستطيع الجلوسَ ثلاثين عاماً على مقعدٍ واحدٍ دون أن يتخشب؟ سبق أن اعترف "مبارك" بتلك العزلة المرة متحسراً على وضعه الرئاسي الذي يمنعه من الذهاب إلى السينما كالآخرين. مع الأيام يصير الديكتاتور خشباً. حتى ستالين، الذي قتلت حروبه 46 مليوناً، سقط كخشبٍ قديم. في "بوروندو العظيم" للكولومبي خورخي ثامالايا، 1951، يحمل رجال الديكتاتور جثته في جنازة مهيبة، لكنهم يكتشفون أن جثة الديكتاتور قد آلت إلى ببغاء ميت تغطيه الصحف والمجلات.
ما إن يحين وقت خروج الديكتاتور من هذا العالم حتى يكون قد صار مضحكاً، وبائساً. حتى سجونه تبدو هزلية. كان يوليوس قيصر قد رفع نفسه إلى إمبراطور، وجعل من نفسه روما. ضجر منه رجاله المخلصون، فقتلوه أمام شعبه. صاح بروتوس، رفيقه: لأنا نحب روما أكثر منه. أما يوليوس قيصر، وهو يموت، فقد احتفظ بوهمه الزائف عن نفسه: لا أزال ثابتاً كنجم قطبي. يؤكد لابويسي، في القرن السابع عشر، إن أكثر من نصف ملوك روما قتلهم خاصتهم. يعيش الديكتاتور في سجنه، تسيطر عليه بارانويا قاتلة، وجنون ارتياب متحكم. ذلك ما دفع ماكبث ليقضي على كل فريقه، حتى زوجاتهم، ثم زوجته. كلهم يفكرون بالخيانة، يردد ماكبث. يفكر الديكتاتور بإفراغ ساحته من كل منافسيه، تسيطر عليه البارانويا فيصير فريقه خطراً عليه. لكن ماكبث بلغ محلاً بعيداً. فقد صرع كل رجاله، ليجد نفسه وحيداً أمام جيش من الأعداء اجتاح عاصمته ووضع حداً لحياته. لقد تنبه شكسبير باكراً للثراء "الكوميرتراجيدي" الذي تنطوي عليه شخصية الديكتاتور، وراح ينزله من عليائه ويلقيه على خشبة المسرح. فقد شاهد الدهماء الملك لير خائفاً، وسخروا من الدماء المراقة ليوليوس قيصر، وصفقوا لمشهد سقوط ريتشارد الثالث في أرض المعركة، يدور حافياً وينادي "من يعطِني حصاناً وله مملكتي". تخلق الديكتاتورية، عملياً، ظواهر احتجاجية شتى. وليست النكتة الجنسية سوى تجلٍّ لحالة القطيعة الشاملة التي ينجزها الديكتاتور مع شعبه. في مسرحية الزعيم يبصر الغوغاء رجلاً يشبه صورة الديكتاتور، كانت الشرطة قد ألقت به إلى المجاري. بصورة تلقائية يذهبون للتبرز عليه. اتسع الأدب، والسرد تحديداً، لفن خاص سيكون اسمه رواية الديكتاتور. سيعنى ذلك اللون من السرد بتتبع الحياة الخاصة، الفكاهية والبائسة، للديكتاتور. سيجتمع في العام 1967م أربعة من أشهر روائي أميركا اللاتينية ليؤسسوا مشروعاً كتابياً سيطلقون عليه "آباء الوطن". في تلك القارة المليئة بالغابات والديكتاتوريين برزت أعمال مجيدة، ك "السيد الرئيس" لأستورياس، "خريف البطريرك" لماركيز، و"حفلة التيس" ليوسا. حضر الديكتاتور فكاهياً، مثيراً للخوف والشفقة في آن. وقع اشتباكٌ مزمن بين الديكتاتوريين والروائيين في القارة تلك، انتهت لصالح الأخيرين. متأخراً جاء ميلان كونديرا، من شرق أوروبا، ليعطي صورة مأساوية وفكاهية عن ستالين، الأمثولة الأكثر جلالاً للديكتاتورية. في حفلة التفاهة، 2014، يروي ستالين لخاصته مراراً قصة اصطياده لطيور الحجل. يذهب ستالين ببندقية صيد فيجد 24 حجلاً على شجرة. لكنه يكتشف، ويا للحزن، أنه لا يملك سوى 12 طلقة. بالطلقات تلك يقتل 12 طيراً، ثم يقطع مسافة 13 كيلومتراً ليجلب 12 طلقة أخرى. ما إن يعود إلى مكانه الأول حتى يجد المفاجأة: طيور الحجل الباقية لا تزال جاثمة على الغصن، فيقتلها. في قصر ستالين توجد مبولة كبيرة خاصة برجاله. يقف الرجال كتفاً إلى كتف، لكل مبولته الخاصة بزينتها الخاصة.
هناك فقط يجرؤ الرجال على السخرية من حكاية طيورالحجل، ويشتمون ستالين. ذلك أن ستالين كانت له مبولة خاصة بعيدة بعض الشيء، ويتبول وحيداً. يعيش رجال الديكتاتور، مثل الديكتاتور، في سجنهم الخاص. ذلك الاعتراف ساقه ديكتاتور درويش أمام شعبه. قال إنه سجين شعبه منذ طفولته. فالديكتاتور يعجز عن أكثر الأمور بساطة: أن يلمس تراب الأرض، وأيادي الناس الجافة. يعيش في حرمان شامل، فهو غير قادر على معاكسة امرأة ما. حتى ممارسته للجنس فهي تجري وفق شروط آلية تفتقر إلى العناصر البدائية للذة، تلك التي تستند إلى المكابدة والنصر، الاحتيال والجسارة. فالديكتاتور يقف على جسد امرأة بلا تاريخ، تاركاً لجسده الغامض اقتحام صحراء لا نصر فيها ولا هزيمة. في 2011 دونت لورين غولدينغ، صحفية أميركية، في صحيفة فورن بوليسي قصة تعرفها على صالح عند شواطئ جزيرة سوقطرى، على المحيط الهندي. كانت، تقول، قد خرجت من البحر بشعر مبلل وساقين غير محلوقتين عندما رآها صالح لأول مرة. دعاها إلى خيمة من ثلاثة جدران، مع صحفيين آخرين، ثم حاول الانفراد بها بعد ذلك في صنعاء. بلغت الفكاهة مداها الأقصى عندما أرسل صالح إلى واحد من شوارع صنعاء من يجلب له الصحفية التي شُوهدت عن المحيط بساقين غير حليقتين. كان الرجل الذي أحضرها هو رئيس وزراء سابق، وقد لاحظت الصحفية أنه كان يقود سيارة بلا رقم.
أما صالح فأعد لها مسبحاً وطلب منها القفز، لكنها رفضت، وفضلت الحديث. طبقاً لرواية السيدة غولدينغ فعندما فشل صالح في اقتراح عملية إجرائية يمكن أن تقود إلى ممارسة الجنس راح يسألها عن نعلها الجلدي. رأت ابتسامته اللعوب، قالت، فقام هو برفع تنورتها الرمادية الزهرية باتجاه ركبتها. فسر لها تلك الحركة، مثل طفل خائب، قائلاً إنه فقط يريد أن يقيس طول حذائها. لاحظ صالح أن ساقيها حليقتان. بعيداً عن حفلة التفاهة تلك، فقد راقبته السيدة غولدينغ وهو يلعب بلياردو مع رفيقه، ويغش في اللعبة.
إنهم بائسون، يعيشون في تحد يومي مع التاريخ، ومع الأوهام معاً. محرومون من المتعة التي يجدها الدهماء في قاعهم الاجتماعي. في رواية "شيء من الخوف"، لثروت أباظة 1965، يقرر الديكتاتور الصغير "عتريس" الحصول على فؤادة. يقتل حبيبها محمود بن الشيخ إبراهيم. يستنجد الشيخ إبراهيم بأبناء القرية فيردون عليه "وما دخلنا نحن". لكنه يفطن إلى حيلة ذكية: يخط على جدران الجامع "زواج عتريس من فؤادة باطل". يجتمع الناس ليشاهدوا ما كتبه، ثم تمر الجنازة فيرددون ما كتبه الحاج إبراهيم. تذهب الحشود إلى منزل عتريس فيهددهم بالقتل، لكنهم يردون عليه: نحن الآن من نقتُل. يفسح عتريس الطريق، فتغادره فؤاده إلى الأبد. فشل جبروت عتريس في الحصول على الحب فؤاده، وعجز ضعفه عن الاحتفاظ بجسدها. يعيش الديكتاتور بائساً، يعجز عن حيازة أكثر الأشياء بداهة. فقد لاحظ كاسترو، كما يروي ماركيز، أن جسده يميل إلى السمنة فامتنع عن أطايب الطعام. في "قوارب جبلية" ينهي وجدي الأهدل حياة واحدٍ من أبطاله بأن يجعله ينحني على نفسه، ثم يُدخل رأسه في سرته. تبتلعه سرته، ويتلاشى. عندما أتخيل ذلك المشهد أسأل نفسي ما إذا كانت تلك النهاية السوريالية هل هي الحلم الأقدس لكل ديكتاتور!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.