سيضل اليمن الرجل المريض ربما لعقود قادمة فلن تحل مشاكله بضربه سحرية فزمن المعجزات قد ولى ، ما لم تعي دول الإقليم خطورة العبث باليمن وتأسيس دولة فاشلة في خاصرة الجزيرة العربية . واضح بأن إرهاصات ومعطيات واقع الحال سيفرز حتماً تصور جديد لشكل الدولة اليمنية فمن عتمة الليل سينبلج النور طال الوقت او قصر .. سينتهي الأمر بيمن اتحادي يتماهى مع محيطة وليس في حالة عدا ويمكن ان ينخرط اليمن سياسيا في منظومة الخليج العربي بعد ان تتضح توجهات وملامح الدولة الجديدة التي لازالت في مرحلة ما قبل طور التكوين بما يمكن وصفه بتبلور مرحلة الولوج للجمهورية الثانية . فمأساة اليمنيين اليوم هي نتيجة تفاعلات الفساد والفوضى خلال سنين مضت ولاسيما الأربعة العقود الأخيرة التي شهدت نحو خمسة عشر حرباً. وعلى قاعدة ما بُني على باطل فهو باطل فلا زالت لعنة الحرب الأهلية في الستينيات وتبعات التدخل المصري في اليمن يلقي بظله في تفاصيل المشهد خلال أكثر من نصف قرن مضى .. إنها لعنة الزمان وعبقرية الزمان في بلد الأيمان والحكمة الذي غدا بلا حكمة وفقد البوصلة . في الأنظمة المستبدة عندما يضطر الحاكم للرحيل تقوم الدنيا ولا تقعد ويدخل بلده في نفق مظلم لان هذا الحاكم ببساطة لم يؤسس دولة مؤسسات بل أسس نظام سياسي قوي وجيش قوي غير وطني هذه هي خلاصة الأنظمة المستبدة في جمهوريات العسكر ومن ضمنها اليمن ، فالصراع على السلطة منذ نحو سبع سنوات يكبر مثل كرة الثلج ويزداد تعقيداً فما كان ممكنا بالأمس أصبح من الصعوبة التعامل معه اليوم وما هو صعبا اليوم قد يكون مستحيلاً في الغد . بعد عامين ونصف من سقوط صنعاء يبدو المشهد أكثر سخونة بتفاعل أقطاب الصراع المحليين فيما بنهم من جهة وضد بعضهم من ناحية أخرى وهو الأمر نفسه للدور الإقليمي في التحالف يشهد صراع أجندات وادوار وكل هذا يدور في فلك صراع دولي اشمل ومصالح قوى كبرى. لم يعد المواطن البسيط يعول على حسم لهذا الطرف او ذاك بل غدا الأرجح بأن تصارع الأضداد سيولد بدوره حقائق ومعطيات جديدة ، ففي صنعاء يبدو ان المهر المؤجل لزواج المصلحة بين طرفي الانقلاب قد ينفجر في أي لحضه وتأجيله فقط لأنه يعني نهاية كلاهما في آن واحد ، دون ان ينسوا الحرب الخارجية . وفي عدن سيدخل هادي في صراع أكثر حدة مع الحراك والإمارات ، ووجه آخر لهذا الصراع بين السعودية المستعدة للتسوية مع الحوثي والتخلص من صالح والإمارات التي تعتبر صالح حليفها بالشمال للتخلص من الحوثي والأخوان في آن واحد ! من مفارقات الشأن اليمني بأنه غداة الحصانة الممنوحة لصالح ضمن المبادرة الخليجية السيئة الصيت بأن السعودية كانت متشبثة بزعيم الفساد فهي التي دعمته لأكثر من ثلاثة عقود بينما واشنطن غسلت يدها منه على خلفية كونه ورقة محروق كشاه ايران الذي تخلت عنه نهاية السبعينات ، وحدث العكس بعد سبع سنوات فهاهي أمريكا وروسيا يجعلون من نظام صالح ورقة للمناورة بينما السعودية طوت صفحته للأبد وتغازل مكون الحوثي لعل المناورة السياسية مع هذه الميلشيا اجدى من عاصفة العجز . لليمن خصوصيته ويشبه النموذج السوري في حدة تكالب القوى المتصارعة والليبي في النزعة القبلية وتداخل الدين بالسياسة ، لكنه يكاد يتطابق مع الحالة العراقية في عدة أوجه. الوحدة بين الملفات تكمن في أساسية علاقة العواصم الأربع مع تطلعات إيران. فالاستقطاب الطائفي والسياسي تحت عنوان السيادة والوطنية يزداد حدة مع سخونة الأحداث والحشد الشعبي في كل تلك البؤر الساخنة. ومن ضمن مفارقات تداعيات الربيع العربي في نسخته اليمنية أيضاً بأن البؤر الساخنة في المنطقة تختلف عن الحالة اليمنية فبينما توارت أنظمة عربية بشخوصها لازال الرئيس السابق يلعب دوراً سياسيا بعرقلة الفترة الانتقالية والوصول لما نحن فيه وما ففي اليمن النخب ظلت تلك النخب نفسها بمكوناتها السياسية وقواعدها .. فقط تبادلت الأدوار بين ما يسمى بشرعية والدولة العميقة وما حدث هو انقسام تلك النخب على نفسها ومما زادها انقساما هو دخول مكون جديد في المشهد كقوة صاعدة عسكرياً وعاجزة سياسياً ومؤدلجة مذهبياً الأمر الذي دعا خصوم الأمس ليصبحوا حلفاء اليوم والعكس صحيح ، ويدخل الجميع في مشهد تصادمي سريالياً على النحو الدرامي الذي نشهده .