د . عبده سعيد المغلس قتل النفس في كتاب الله محرم إلا بالحق، ولقد حرّم الله القتل بغير حق وحدد الموت عقوبة ﻟذلك، وأعطى ولي الدم سلطاناً بالقصاص وحذره من الإسراف في القصاص، والإسراف هو الوقوع في الحرام ، كأن يقتص بمقتوله بأحد اقرباء القاتل وهو ما يُعرف عندنا بالثأر فذلك محرم في دين الله.
القضاء العادل هو صوناً للأنفس والأعراض والأموال واستقرار الأوطان والدول، ولهذا يتسم رجال القضاء بسمات ومميزات، وجودها شرط لتولي القضاء، فعلى سبيل المثال لا يجوز لقاضٍ تولي قضية هو طرف فيها أو أحد معارفه وأقاربه أو له وجهة نظر متحيزة سواء عنصرية أو حزبية، وللحكم القضائي والفتوى شروط وأركان وحيثيات تبين وتؤسس للحكم والفتوى، وبيان الفتوى بهدر دم الفنان محمد الأضرعي من القاضي عبدالكريم بن عبدالله الشرعي متجاوز لأبسط قواعد القضاء، فعصبيته وعنصريته هما المحركان للفتوى وليس الحق والعدل، وكان الأحرى به أن يتقدم بشكوى للقضاء، يُبين فيها تهمته للأضرعي والضرر الذي تسبب به الأضرعي وأدلته، وللأضرعي ومحاميه الحق في تفنيد ورد هذه التهم والأدلة، أما أن يجعل من نفسه مدعياً عاماً وقاضياً وحاكماً ومفتياً فهذا أمر غير معقول ولا مقبول.
لديننا ولنبينا محمد عليه الصلاة والسلام ولصحابته وآل بيته رضوان الله عليهم مكانتهم المقدسة في نفوس المؤمنين، وكذلك للناس كل الناس مكانتهم التي يجب أن نضعهم فيها، ولا يجوز الإفتراء بالكذب والتدليس على أياً كان، هذا أمر مفروغ منه ولا أحد يقبله خلقاً وعرفاً وقانوناً. إعتمد القاضي عبدالكريم الشرعي في فتواه بهدر دم الفنان محمد الأضرعي والحكم عليه بالموت لأنه حسب قوله أساء لأل البيت حيث قال في فتواه (لاساءته المتعمده والمتكررة على ال بيت رسول الله صلى عليه واله وسلم وتناول كل من الامام علي كرم الله وجهه وتناول بالاسم فاطمة بنت محمد والامامين الحسن والحسين عليهم سلام الله) ولم يوضح حيثيات هذه الإساءة التي تستحق القتل في شريعة الإسلام وفق فتواه ، فالرسول القدوة والأسوة عليه الصلاة والسلام اساء له عمه ابا لهب وأذاه فمباذا حكم عليه الله بسورة تُتلى في كتاب الله هي سورة المسد وعقوبته النار في الأخرة، ولم يفتي لا الرسول ولا صحابته بقتله أو هدر دمه، اتهم الكفار الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه ساحر وكذاب في سورة ص بقوله تعالى ( وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) ص 2. فلم يحكم الله عليهم بالقتل، ولم يهدر الرسول عليه الصلاة والسلام ولا صحابته دمهم، بل أتى أمر الله بالتنزيل الحكيم بقوله(اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص 17. واتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنون بقوله تعالى(وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) الحجر 6. ولم يحكم الله ورسوله بهدر دمهم. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نفت قناة سهيل في بيانها قول القاضي عبدالكريم الشرعي حيث أشارت القناة في بلاغ صحفي "احترامها للثوابت الدينية والوطنية وللصحابة الكرام والتزامها بقيم الدين وتعاليم الشريعة السمحة في بثها الرسالي وبرامجها المختلفة".وأوضحت بأن الفنان محمد الأضرعي لم تصدر منه إساءة لأحد , وانه "كرس فنه في كشف الخزعبلات التي تروجها صراحة الجماعات الطائفية والانحرافات والمزاعم التي لا أساس لها في التاريخ الاسلامي". ونخلص - من قول القاضي عبدالكريم الشرعي ورد سهيل- بأن الإحتمال القائم بأن الفنان الأضرعي قد مارس حق النقد لما يحتويه تراثنا من تاريخ زائف وفقه مغلوط بأسلوب فني، بما لايستوجب فتيا هدر الدم التي ليس لها سند في كتاب الله كما سبق تبيانه.
عند القاضي عبدالكريم الشرعي هذا النقد يستوجب التكفير والقتل، ولم يكتفي قاضي الإنقلاب بهدر دم الفنان محمد الأضرعي بل اتهمه بالكفر والزندقة، وزاد قاضي الإنقلاب بأن لعنة الله على اليمنيين الذين يقابلوه ولا يهدرون دمه وهذا تحريض واضح بالقتل، عليه وعلى مليشيات الإنقلاب تحمل تبعاته.
ماهذا الجنون الذي نعيشه عند أي خلاف في الرأي يجعل البعض من أنفسهم وكلاء الله يكفرون الناس ويزندقونهم ويهدرون دمائهم ويحرضون على قتلهم. مأسات الأمة الإسلامية في دماء أبنائها التي سُفكت ومدنها التي دُمرت، هي في مثل هذه الفتاوى التي تتبع الهوى والعصبية ولا تتبع دين الله، وما فتاوى القاعدة وداعش والفقه المغلوط ببعيدة عن نكباتنا المتتالية.
فعندما تصدر فتوى بهدر الدم من جاهل قد لا تناقش لكنها عندما تصدر من عالم دين وقاضي من الواجب عليه أن يميز الحرام من الحلال ولا يخضع لعصبيته وعنصريته فهي ليست هدر للدم فحسب بل هي هدر للدين.