حتى اللحظة لم أقف على دراسة عربية لمثقف عربي ناقشت مصطلح العلمانية بكفاءة معرفية كالدراسة التي أنجزها عبدالوهاب المسيري رحمه الله فالعلمانية في رأي عبدالوهاب المسيري تجاوزت فصل الدين عن الدولة إلى فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية و تحولت إلى مادة استعمارية يوظفها القوي لحسابه ويشير المسيري إلى أن هناك أكثر من دراسة تؤكد علاقة العلمانية بالإبادة النازية نتيجة هذا الفصل عن القيم والاعتراف بالقيم النفعية المادية فقط انطلاقا جذور المادية النفعية سواء في فلسفة نيتشه، أوالنزعة الداروينة او غيرهما، وحسب المسيري فقد تبدت مشكلة العلمانية مع القيم الإنسانية من أساس نزعتها المادية وهي المشتقة من كلمة "عالم" للتعبير عن العالم المكتفي بذاته والذي لا يحتاج أي موجهات قيمية من الأديان ويرفض حتى النزعة الإنسانية البشرية بعد تطورات الحداثة وما بعد الحداثة ورفض الايمان بغائية الوجود والتعلق فقط بالقيم النفعية النسبية التي يفرضها قانون الضرورة. ويتهم المسيري العلمانية الغربية بإبادة جميع الأقليات في مجتمعاتها لتعلن بعد ذلك عن تعايش على أنقاض الهويات المبادة . و يرى المسيري أنه لابد أن يكون عندنا مرجعية نهائية نولد منها مفاهيم العدل و المساواة وقبول التعددية و مجموعة من القيم الأخلاقية و يرى أن المرجعية في أي مجتمع لابد أن تكون نابعة منه وليس من المتوقع أن استورد مرجعيتي من الولاياتالمتحدة أو من موزمبيق حسب تعبير المسيري الذي يؤكد أن المهم هنا أن هذه المرجعية النهائية في مجتمعاتنا لابد أن تكون إسلامية و أن تبحث عن المساحة المشتركة مع العقائد الأخرى بما في ذلك العلمانيين بحيث نجد المشترك الكافي لإدارة المجتمع ويؤكد المسيري أن مسألة المرجعية مسألة أساسية مشيرا إلى أنه حينما يتحدث عن مرجعية نهائية يتحدث عن إطار إسلامي هو عقيدة بالنسبة للمسلمين وهو إطار حضاري بالنسبة للمسيحيين واليهود والعلمانيين في عالمنا العربي.. ويدافع المسيري عن العلمانيين العرب مؤكداً أن أكثرهم أبرياء وعلى نياتهم و ليسوا علمانيين بالمعنى الغربي فهم يؤمنون بالقيم الإنسانية ويحاربون النزعة المادية ويعبر بعض العلمانيين عن تمنياتهم فيربطون مثلا بين العلمانية والديمقراطية وهم في هذا الربط كمن يربط مثلا بين ألمانيا النازية التي أبادت الملايين و كانت علمانية نفعية مادية بشكل كامل، وبين استالين الذي أباد الملايين باسم مصلحة الطبقة العاملة و كان علمانياً لا يصدر عن رؤية دينية، وجورج واشنطن الذي فصل الدين عن الدولة وهو الذي قام بإبادة الملايين حتى كان سماع أطفال الهنود لاسمه كافياً ليدفعهم إلى الهروب والبكاء ويخلص المسيري إلى أن ربط العلمانية بالديمقراطية مسألة مشكوك فيها تماما.