مناقشة أوضاع مينائي الحديدة وخطط تعزيز قدراتها لاستقبال السفن    عدن.. مظاهرة نسائية تطالب بتحسين الخدمات وتندد بتدهور الأوضاع المعيشية    باكستان تعلن إعادة فتح مجالها الجوي بشكل كامل أمام كافة الرحلات الجوية    الراعي يتفقد أنشطة الدورات في عدد من المراكز الصيفية بمديرية التحرير    إصلاح ريمة ينعى الفقيد الوليدي ويثمن أدواره في نشر القيم الدينية والوطنية    وزير العدل وحقوق الانسان يتفقد سير العمل في الشعبتين الجزائيه المتخصصه والاداريه    بؤرة صراع جديدة!!    إصابة 9 جنود وضباط صهاينة بانفجار عبوة ناسفة في الشجاعية بغزة    تأمين السكن يهدد ربع مليون نازح بمأرب    الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر المنتخب الوطني الداخلي في المكلا    تحذير أممي من استخدام المساعدات طعما لنزوح الغزيين    سطو منظم.. مليشيا الحوثي تواصل العبث بأراض الأوقاف في إب    بدء المحادثات التجارية بين الصين وأميركا في جنيف    عاجل ومحزن لساكني عدن: سفينة وقود مقررة لكهرباء عدن تذهب جهة أخرى    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 10 مايو/آيار 2025    حاشد يتسأل عن توجيهات بمنع ظهور السامعي وباقزقوز في قناة حكومية والأخير يفند والتميمي يوضح    الأرصاد ينبه من الأجواء الحارة في الصحاري والسواحل    وسط توتر بين ترامب ونتنياهو .. واشنطن تلغي زيارة وزير الدفاع إلى إسرائيل    كفى عبثا كفى إذلالا.. أهذه شراكة أم استعمارٌ مقنّع؟    حمير أبين تهجر مواطنها... في نزوح جماعي إلى عدن!    المقاتلون السعوديون يسطرون ليلة بطولية في حلبة "أونيكس" جدة    ألونسو يخلف أنشيلوتي.. وسولاري يظهر أمام الهلال    السعودية تعيد هيكلة اللاعبين الأجانب في البطولات المحلية    "كذبة ترامب: حين صدّق العالم أن واشنطن تخلّت عن إسرائيل في حربها مع اليمن    استشناف الرحلات الى مطار صنعاء خلال اسبوع    النجاح لا يُقاس بالمنصب، بل بما يُنجز على أرض الواقع    لا تمتحنوا صبرهن.. ثورة النساء قادمة    # مفاتيح حقول شبوة    شبوة تحذّر العليمي.. "نفط شبوة خط احمر"    اليمنية توضح عن المسافرين العالقين في الأردن    اضعاف للشعب اليمني وتدمير لامكانياته البشرية والمادية    صحيفة: إسرائيل تخطط لتوسيع عملياتها في اليمن واستهداف إيران    الرسائل التي قدمها اعلام الجماعة في تغطيته لزيارة الفريق السامعي إلى مطار صنعاء الدولي    إثر خلافات أسرية.. رجل يقتل شقيقه بمدينة تعز    صلاح يفوز بجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي لكرة القدم للمرة الثالثة    دراسة : عدد ساعات النوم الصحية يختلف باختلاف البلد والثقافة    لماذا نقيم مراكز تقديم الخدمة للمواطنين ؟    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    تصل إلى 100 دولار .. لجنة حكومية تفرض رسوم امتحانات على طلاب الثانوية اليمنيين في مصر    في شوارع الحزن… بين أنين الباعة وصمت الجياع    حتى أنت يا بروتوس..!!    ارتفاع أسعار الذهب قبيل محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين    واقعة خطيرة.. هجوم مسلح على لاعبي فلامنغو    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي عبدالله صالح (10) معاهدة جدة.. حادثة USS COLE
نشر في المشهد اليمني يوم 21 - 05 - 2019

في منتصف شهر يونيو (حزيران) 1999 تلقيت مكالمة من وزير الخارجية آنذاك عبدالقادر باجمال يبلغني فيها بما وصفه "قرار القيادة" ان انتقل للعمل سفيرا في كندا.. كان الأمر مفاجئا لأني لم اسع للانتقال الى بلد آخر ولم أتوقعه. أبلغت الوزير أني أفضل انهاء فترة عملي في البحرين والتي من المفترض ان تنتهي في منتصف 2000، فطلب مني الانتظار لدقائق كي يتصل بالرئيس، وعاد بعدها ليبلغني بأن ابدأ إجراءات التوديع والعودة الى الداخل.. شكرته وانتهت المكالمة. مرت ساعتان قبل ان يتصل الدكتور الإرياني، وكان حينها رئيسا للحكومة ليبلغني غضب "الرئيس" لرفض امره، ولما شرحت له مبرراتي، رد ضاحكا "نفذ أفضل".. وهكذا عدت الى صنعاء بعد ان انهيت إجراءات التوديع المعتادة، وبقيت هناك حتى جاءت الموافقة من كندا على ترشيحي، وبدأت الاستعداد للسفر.
كان تفسير قرار النقل كما سمعته من الدكتور الارياني هو ان "صالح" فضل ابتعادي عن مسار العلاقات بينه وبين الرياض بعد ان صار سالكا، ولأن وجودي فيه اصلا كان خارجا عن المألوف في اختيار مبعوثي صالح الى الرياض، اذ اقتحمت ساحة كانت محتكرة من قبل عدد قليل من شيوخ القبائل الشمالية، وشرح لي الدكتور "الارياني" الضيق الذي ابداه احد كبار شيوخ القبائل رحمه الله للرئيس بحضوره لدخولي ميدانا كان يتصوره حكرا عليه... وما من شك ان العلاقات بين "الرئيس" و"الأمير" توثقت قبل انتخابات الرئاسة وصارت مباشرة، ولعله اقتنع بأنه لم يعد بحاجة لوجودي قريبا منه.
هكذا انقطعت علاقتي بملف الحدود من حين وصولي الى كندا، وكنت اتابع تفاصيل ما يدور عبر الدكتور الارياني واصدقاء لي في البلدين.
وصلت كندا نهاية شهر أكتوبر (تشرين أول) 1999 وفي شهر مارس (آذار) 2000 قام "الرئيس" بزيارة "دولة"، وهي في العرف الدبلوماسي الأعلى بين زيارات رؤساء الدول، وتجري خلالها مراسم استقبال مهيبة ومسلية في آن، وجرت العادة ان يسبق الزيارة وصول وفد (وفد المقدمة) ليتابع ويتأكد من الإجراءات الفنية والأمنية والشؤون المتعلقة بإقامة وتحركات الوفد المرافق. كانت السفارة في اوتاوا قد انتهت من اغلب الإجراءات المتعلقة بالزيارة قبل وصولهم، ولم يعد باقيا الا بعض المترتبات المالية.. فؤجئت باتصال من رئيس إدارة المراسم الكندية يبلغني بأن رئيس وفد المقدمة يريد احداث تعديلات لم يتحدث معي حولها. قلت للمسؤول الكندي ان كل ما سبق الاتفاق عليه سيبقي قائما دون تغيير.
عاد رئيس الوفد الى السفارة غاضبا لأنهم اعتادوا ان يتبع السفير تعليماتهم ولا يتدخل في عملهم. قلت له ان التفاهم بيننا ان يركز مع مرافقيه على الجانب الأمني والتنقلات، ولكنه انفجر صارخا (حن عرق اللبن) ملمحا الى أني ورئيس المراسم الرئاسية في صنعاء متفاهمان لإحراجه كوننا ننحدر من منطقة واحدة (تعز).. طلبت منه ان يغادر المكتب فورا، وكان حاضرا رئيس الوفد الأمني. كتبت مذكرة وجهتها للرئيس شرحت فيها تفاصيل ما جري، وبعد اقل من ساعة تم إبلاغه بالعودة الى صنعاء وبقاء الوفد الأمني وموظف واحد من المراسم.
بقي الرئيس في كندا أسبوعا كاملا، توطدت بيننا العلاقة الشخصية وتعرفت على طبيعته الإنسانية، واكتشفت ضيقه من الطقوس الرسمية وأنه لا يحبذ المآدب الرسمية ولا الاجتماعات الطويلة، فكان يأتي في المساء الى سكن السفير بعد انتهاء البرنامج الرسمي، ويرافقه الراحل عبدالعزيز عبدالغني واللواء عبدالله البشيري والفريق الأمني اليمني والكندي، بعيدا عن ضجيج الزيارات الرسمية.
في اليوم التالي للزيارة حدث احتكاك غير متوقع بين باجمال وبيني اذ ظن مخطئا أني تعمدت اقصاءه من حضور لقاءات الرئيس مع رئيس وزراء كندا ورئيس مجلس العموم في اوتاوا. حاولت ان اشرح له ان البرتوكول البريطاني المعمول به في كندا يضع السفير في المرتبة الثانية بعد رئيس الدولة اثناء الزيارات الرسمية كي يكون على اطلاع مباشر بالمحادثات ويتمكن من متابعة القضايا التي يتم التطرق اليها، لكن ذلك لم يكن مقنعا له.
في اليوم المحدد لانتهاء الزيارة كان" الرئيس" مدعوا الى غداء دعت اليه حاكم مقاطعة البرتا، يغادر بعده الي الولايات المتحدة للقاء الرئيس بيل كلينتون، لكنه أبلغني اثناء الافطار انه مضطر للسفر مبكرا لارتباط عاجل في نيويورك. فلما حاولت الاستعانة به ليقنع صالح حضور الغداء ثم المغادرة، رفض مساعدتي وزاد ان قال (الرئيس هو الذي يحدد ما يريد وعلى السفير التنفيذ)، كأنما أراد احراجي ردا على حنقه من إجراءات ليس لي علاقة بها. لحقت بالرئىس الى غرفة نومه وقلت له ان الغاء الغداء ممكن لكنه سيكون غير لائق في حق اليمن وفي حقه وفي حق الداعين. وافق "صالح" على الحضور مشترطا ان يغادر بعد اقل من ساعة. كان الجو في قاعة الغداء مريحا، ولم يغادر "صالح" الا بعد أكثر من ساعتين.
معاهدة جدة
بعد عودته من كندا والولايات المتحدة كثف "صالح" جهوده للانتهاء من الملف الحدودي ولم يمر وقت طويل حتى توصل مع "الأمير" في 12 يونيو 2000 الى اتفاق نهائي وقع عليه وزيرا خارجية البلدين عبدالقادر باجمال والأمير سعود فيصل وعرف ب "معاهدة جدة"، التي جعلت الحدود نهائية كما كان منصوصاً عليها في اتفاقية الطائف الموقعة بين الامام يحي والملك عبدالعزيز، واتفق البلدان على تكليف شركة المانية لوضع العلامات الحدودية. شعر "صالح" بعدها أنه ازاح أكبر عقبة كانت تقلقه في سنوات حكمه السابقة، ورأى فيها ضمانة لاستمرار حكمه وتحقيق مسار مستقر في علاقاته مع الرياض، كما جعلته أكثر اطمئنانا الى وضعه الداخلي، وانه صار في منأى عن المخاطر.
كان تقليص دور اللجنة الخاصة في اليمن من اهم النتائج التي حصل عليها "صالح" بعد التوقيع على "معاهدة جدة"، وهو ما أدى الى تخفيض ثم توقف المخصصات المالية التي كان كبار رجال القبائل وعدد من الشخصيات يحصلون عليها منذ بدايات الحرب بين الجمهوريين والملكيين، وهي مسألة كانت تشغل باله اذ كان يرى "تجفيف" منابع دخلهم ما سيضطرهم للجوء اليه لتعويض ما فقدوه، وتاليا يحكم سيطرته على المناطق التي كانت تخضع لهم بعيدا عن سلطة الدولة، وهو ما حدث بالفعل.
حادثة USS COLE
لم تسر الأمور دون مصاعب في الداخل كما كان صالح يتمني، وان خفف من آثارها انتهاء النزاع الحدودي مع السعودية، ففي شهر أكتوبر 2000 وقعت حادثة تفجير المدمرة الامريكية USS COLE مقابل سواحل عدن، واضعة اليمن في المشهد الدولي وعلى خارطة الدول المتهمة بإيواء عناصر تنتمي الى تنظيم "القاعدة" وصار هدفا لحملة إعلامية في الولايات المتحدة تنادي بمعاقبته.
جعلت حادثة المدمرة الامريكية اليمن في صدارة اهتمامات الولايات المتحدة والغرب لأسباب سلبية، وبدأت الضغوط تتعاظم للحصول على معلومات عن كل العناصر المشتبه بانتمائها للجماعات الإرهابية، وقد قاوم صالح المغريات التي عرضت عليه، ولم يسمح ابدا بتسليم أي يمني، وان تم الإعلان عن ان عددا منهم اودع في السجون لتخفيف الضغوط الشديدة على اليمن، لكن التقارير الدولية ظلت تتحدث عن معلومات تتهم عسكريين مقربين من صالح في قمة السلطة ومن بعض المنتمين لحزب الإصلاح، بالتواطؤ وانهم كانوا علي علم بالتخطيط للعملية وسهلوا انتقال الانتحاريين وتسليحهم، وايواء الكثير من المتهمين بالانتماء للقاعدة.
تمكن الدكتور الارياني بعلاقاته القوية في واشنطن والاحترام الذي يحظى به داخل الدوائر الرسمية في العواصم الغربية من بذل جهود مضنية لمعالجة السلبيات التي ترتبت على العملية الانتحارية، ولكن شكوك واشنطن القوية تجاه "صالح" لم تتبدد، وكانت تتهمه باستغلال ملفات الإرهاب لابتزازها، والتستر على المتهمين.. لكن "صالح" تمكن بمهارة مستعينا بمصداقية الارياني في الغرب والاحترام الذي يتمتع به هناك، وكذلك علاقات وتجربة السفير في واشنطن عبدالوهاب الحجري، فتجاوز الازمة وتعامل معها بما جنب اليمن عقوبات كانت الإدارة الامريكية تلوح بها كي يسمح للمحققين الامريكان بالتدخل في التحقيقات. ظل صالح متمسكا برفضه التحقيق المباشر مع المحتجزين خشية تسرب معلومات ممكن ان تصبح أساسا للمزيد من الضغوطات عليه وعلي البلاد، وفي نفس الوقت كان يسعى وراء مقابل قد يتمكن من الحصول عليه من الأمريكيين اما تسليحا او تدريبا او مبالغ مالية للإنفاق علي الأجهزة الأمنية.
نجح "صالح" في تفادي الازمة الخانقة الا ان شكوك واشنطن بقت عالقة، وقلقها يزداد تجاه تعامل الأجهزة الأمنية مع القضايا المتعلقة بالإرهاب، اذ كانت تشكك في قدرات وتواطؤ بعض قيادات الأجهزة الأمنية، وتشكو من عدم تعاونهم وانهم يقومون برعاية الجماعات الإرهابية والمشاركة في عمليات تهريب السلاح.
(وللحديث بقية).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.