كان حدث عودة حكم طالبان الى افغانستان الحدث الابرز والاهم في العقد الواحد والعشرين في هذا القرن . عودة طالبان بعد حرب عشرين عاماً شنها الامريكان وحلفاؤهم في النيتو لم يكن متوقعا بهذه السرعة والطريقة وهو مايؤكد على اكثر من دلالة ويطرح اكثر من سؤال ! انتصار طالبان يؤكد حقيقة اثبتها كفاح الامم والشعوب لأزمنة متطاولة وبالاخص منذ نشأة الحركات القومية وحروب التحرير الوطني ضد الاستعمار في القارات الثلاث : اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية واخرها حرب التحرير الجزائرية وحرب فيتنام ضد الامريكان وكفاح الجنوب اليمني ضد بريطانيا والتدخل الامريكي في لبنان وحرب الافغان ضد الاتحاد السوفيتي اكدت حروب التحرير الوطنية في القرن العشرين ان شعبا صغيرا يستطيع هزيمة اقوى امبراطورية اذا امتلك القيادة والارادة واكدت ايضا صواب الرؤية الماوية ان التناقض الرئيسي دائما مايكون ضد التدخل الاجنبي وان التدخل الاجنبي يهمش التناقضات الثانوية ويدفع الى توحيد القوة الوطنية ضد الاجنبي فهي خبرة تاريخية تمتلكها وتتوارثها مختلف امم وشعوب الارض '' انا ضد ابن عمي وانا وابن عمي ضد الاجنبي '' مثل يمني . انتصار طالبان يكشف مدى زيف وكذب الدعاوى الامريكية والاستعمارية وحرصها على تحضر وتمدن وديمقراطية الشعوب المستعمرة وان الاستعمار ليس عدواً للاستبداد وانما هو قمة الاستبداد والفساد كما انه ليس ضداً على الارهاب وانما هو الارهاب الاكبر او الارهاب '' الخالق'' في مواجهة الارهاب المخلوق والخالق في آن فهناك ثلاث مستويات للارهاب فامريكا والدول الاستعمارية هي الارهاب الخالق والاكبر بامتياز وطالبان نفسها في ثمانينات القرن الماضي ارهاب مخلوق والدول التابعة هي العالم الثالث والرابع ارهاب خالق ومخلوق في آن والحركات الارهابية المتعددة الاسماء ارهاب مخلوق . لم تعد طالبان بعد الطرد من السلطة ارهاباً وانما هي حركة تحرر وطني . ومن الخطأ تأويل انتصارها بانه مؤامرة او ثمرة صفقة فقط بينها وامريكا فهذا التفسير البوليسي للتاريخ او اعمال عقلية المؤامرة اهانة بالغة لكفاح الشعب الافغاني لعدة قرون وبالاخص خلال العشرين عاماً الاخيرة. مزاوجة الكفاح الافغاني بين المسلح والسلمي في اجتياح القوات الافغانية للمدن مؤشر مهم للكفاح ضد الاستعمار وادواته الاستبدادية . الانتصار الافغاني درس للدول التابعة الخالقة والمخلوقة في آن ان تتعظ بالانتصار الافغاني وبالاخص اسرائيل والدول التابعة في المنطقة وهو درس ايضا لقادة الحروب المأجورة المستفيدين او المعتمدين على الصراع الاقليمي في المنطقة على حساب امتهم وشعوبهم. طالبان كحركة تحرر وطني آتون من المدرسة الحنفية الحقانية الاكثر تفتحاً وعقلانية والحركة السياسية المتوهبة والمرتبطة بالامريكان في الصراع الوطني ضد التدخل الروسي هي الان حركة تحرر وطني تحمل وتعبر عن الارادة العامه لشعبها الافغاني وتحمل خصائص وسمات وطبيعة مجتمعها كما انها ايضاً شديدة التأثر بكفاحها الوطني وبالتطورات الحالية ولكن من الوهم الرهان على ديمقراطيتها او احترامها حقوق الانسان او مراعاة حقوق المرأة . فحقوق المرأة عند مسؤوليها لا تتجاوز احكام الشريعة الاسلامية واحكام الشريعة هي القاسم الاعظم بين كل تيارات الاسلام السياسي . في بدايات ستينيات القرن الماضي دار حواراً بين الاستاذين محمود امين العالم ومحمد الغزالي حول نص في مشروع الميثاق الوطني الذي دعى اليه الزعيم العربي جمال عبدالناصر وفي حين كان النص '' يكفل الميثاق حرية المرأة '' اقترح الغزالي اضافة في حدود احكام الشريعة الاسلامية وهو مايقول به بعض قادة طالبان اليوم . حالياً بين طالبان وشعبها وجوارها الباكستاني خلاف وتوافق اكبر كما هو الحال مع الهند والصين وروسياوايران. اعطاء البعد الطائفي السني الشيعي وان كان موجوداً وهم كبير وقراءة غير صائبة قراءة المجتمع الافغاني مهمة .فالمجتمع فسيفسائي متنوع ومتعدد الى ابعد حد وهو بيئة حبيسة معزولة ترتبط بحدود وتداخل بين اقلياتها وجوارها . فالبشتون ال 57٪ يرتبطون بجوار وترابط قومي مع باكستان والطاجيك ال30٪ يرتبطون بجوار وتداخل مع طاجكستان الروسية والازبيك ال5٪ اسماعيلية مرتبطون بجوارهم وقوميتهم الازبيكية في روسيا والهزار الشيعة الاثناعشرية مرتبطون بجوارهم ومذهبهم في ايران ولكن طابع الصراع قومي في مواجهة الاحتلال الامريكي وتحالفاته الاستعماريه اما الاعراق واللغات واللهجات فحدث ولا حرج لاشك ان طالبان قد تخففت كثيراً من حمولة التمذهب الوهابي وان لم يلغَ . كما انها لم تعد صنيعة التحالف الامريكي الغربي السعودي في مواجهة السوفيت كما انها ايضاً لم تتخلص مع انتمائها لواقعها الافغاني شديد التخلف والعزلة والاحتكام للسلاح والصراعات الممتدة والحكم بالمطلق لها او عليها متروك للمستقبل . .