قال عضو المحكمة العليا ورئيس لجنة الانضباط في مؤتمر الحوار الوطني، القاضي يحيى الماوري، إن القضاء في اليمن بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة، وإعادة بنائه وفق رؤية تتأكد من خلالها مكانة القضاء باعتباره حصن منيع لحماية الحقوق والحريات، من شأنه استعادة ثقة المجتمع بالقضاء، التي قال إنها لا تزال ضعيفة حتى اليوم، بسبب انشداد الناس إلى المرجعيات التقليدية المؤثرة المشائخية والقبلية. جاء ذلك في سياق المحاضرة التي قدمها القاضي يحيى الماوري، اليوم الخميس بصنعاء في الجلسة الأسبوعية لمنتدى المعرفة، حول استقلالية القضاء وأثرها في بناء الدولة اليمنية الحديثة..واعتبر القاضي الماوري أن استقلالية القضاء ما تزال إشكالية مزمنة، لكنه اعتبرها جزءاً من إشكالية الدولة في اليمن التي يجري صياغتها من خلال مؤتمر الحوار الوطني.. وشدد على أن شكلة القضاء ليست في غياب النصوص الدستورية، بل في عدم تطبيق هذه النصوص، الأمر الذي عمق حالة عدم الطمأنينة لدى لمجتمع، الذي لا يثق بأن هناك مؤسسة قضائية بالمعنى الدستوري للمفهوم. وعزا القاضي الماوري غياب مبدأ استقلالية القضاء، في اليمن والمجتمعات العربية، عدة عوامل أساسية منها: هيمنة القرار السياسي، وتغوُّل السلطة التنفيذية، واستبداد الحاكم، وترسخ صورته في ذهن المجتمع بصفته ظل الله في الأرض، إلى جانب ضعف ثقة المجتمع بالقضاء، كسلطة ضامنة للحقوق والحريات، وانشداده إلى التأثير المباشر التي تمارسها عليه المرجعيات التقليدية المشائخية والقبلية وغيرها.. وغياب المفاهيم المتصلة بالقضاء واستقلاليته وبالحقوق والحريات، وبدور الشعب كمرجعية عليا لتفويض السلطة عبر آلية الانتخابات الحرة والمباشرة. ولفت القاضي الماوري إلى ما ما اعتبره إهمالاً للحقوق والحريات كقيم ومفاهيم في مناهج التعليم، وفي وسائل الإعلام.. وقال: ولا تثار هذه القضايا عبر وسائل إعلام إلا في نطاق ضيق وأحياناً في سياق التوظيف السياسي، لوم تنتصر وسائل الإعلام للقضايا المجتمعية بجهد مجرد من الغايات والأهداف السياسية.. وأكد في هذا السياق أهمية وجود إسناد مجتمعي من خلال دور مؤثر وضاغط لمنظمات المجتمع المدني وللمفكرين والأكاديميين المعنيين، تسهر على تحقيق مبدأ التوازن بين سلطات الدولة، وتدافع عن استقلالية القضاء، كجزء من التزامها نحو حماية الحقوق والحريات التي لا تصان إلى من خلال قضاء قوي ومستقل. وتبنى القاضي الماوري موقف نادي القضاة الرافض لوجود تمثيل لغير القضاة في مجلس القضاء الأعلى، وعلل ذلك إلى أن إجراء كهذا من شأنه أن يفضي إلى تمثيل لا يتمتع بالكفاءة، لأن الاختيار الذي سيقوم به البرلمان لهؤلاء الممثلين، سيخضع بالضرورة لمنطق المحاصصة السياسية، ولمبدأ الكوتة فيما يخص النساء.. لكنه اعتبر هذا الإجراء مقبولاً فيما لو ترك الأمر للقضاء نفسه ليتولى الاختيار، لأن من شأن ذلك أن يضمن وجود كفاءات حقيقية تضيف شيئاً لمجلس القضاء الأعلى. وعبر عن شكوكه من النتائج التي قد يسفر عنها مؤتمر الحوار الوطني، في ظل ما اعتبره انشغالاً في قضية سياسية بعينها هي قضية شكل الدولة المرتبطة بالقضية الجنوبية، وتغييب الأبعاد المجتمعية والاقتصادية وغيرها من القضايا الجوهرية، التي ترتبط بالأساس بوجود دولة يمنية حديثة قوية وموحدة، لا تعاني من إشكالية التفتيت أو التفكيك، ولا تتولد عنها مواجهات وصراعات مستقبلية. وفي سياق محاضرته قدم عضو المحكمة العليا ورئيس لجنة الانضباط بمؤتمر الحوار الوطني، إحاطة شاملة حول مكانة القضاء في تاريخ المجتمع البشري، باعتباره، المفهوم الذي يجسد معاني العدالة والتوازن داخل المجتمعات الإنسانية، ويتحقق من خلال وجود قوانين وتشريعات وأنظمة وهيئات تتمتع بالكفاءة والاستقلالية والتأثير. وأكد القاضي الماوري الحاجة إلى استعادة مكانة القضاء واستقلاليته كما كان في عصر الخلافة الراشدة، التي طبقت ما يعرف اليوم بمعايير ومبادئ الحكم الرشيد، حيث كان القاضي، محل تقدير واحترام، ويستند إلى نصوص تكفل نفوذه المستقل في سياق الدولة، وفي ظل مرجعية منهج الله(الشريعة) كمرجعية عليا يخضع لها الجميع، ولا يستثنى منها حتى الأنبياء. وكان منتدى المعرفة قد شاهد عرضاً لفيلم وثائقي من إنتاج: فيجن للخدمات الإعلامية، التي يديرها الإعلام المبدع وعضو المنتدى، الأستاذ عبد الله الحرازي، والذي يتناول من خلال رؤية بصرية وتقنية محترفة، حول إستراتيجية نهج القراءة التي يجري تنفيذها، منذ ثلاث سنوات، في أكثر من (380) مدرسة على مستوى الجمهورية، بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية. وتهدف هذه الإستراتيجية، إكساب التلاميذ في المرحلة الأساسية، مهارة القراءة المبكرة، عبر سبع خطوات أساسية، هي روح نهج القراءة، وتبدأ بمراجعة النص أو القصة التي درسها التلميذ في الحصة السابقة، مروراً بالتعرف على صوت الحرف من خلال المشاركة مع المعلم، والمزج أو الدمج أو التركيب، حيث يقوم التلميذ بمزج الأصوات وتكوين كلمة جديدة. من ضمن هذه الخطوات: معرفة الكلمة الشائعة من قبل التلميذ وترديدها، ومهارة القصة الاستماعية، والتي ينتقل خلالها التلميذ إلى مهارات الاستماع وفهم المسموع، بالإضافة إلى تقديم قصة مستقلة، يتعلم خلالها التلميذ مهارة القراءة الفردية، وأخيراً تعلم مهارة الكتابة من خلال تجويد الخط والإملاء. وتضمن الفيلم نماذج من قصص النجاح التي تم تحققيها عبر هذه إستراتيجية نهج القراءة المبكرة..