قبل أكثر من أسبوعين أجبر الحوثيون، الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي على تقديم استقالته في خطوة أرادوا من خلالها خلط أوراق اللعبة السياسية في البلاد والعودة إلى مرحلة ما قبل انهيار العملية السياسية التي حملتها تداعيات ما قبل دخولهم صنعاء وما بعده، بخاصة في ظل تفرد المتمردين بصناعة القرار السياسي والأمني في العاصمة وجزء كبير من مناطق البلاد، وبالذات تلك الواقعة في نطاق الشمال . وفي السادس من فبراير/ شباط الجاري أكمل الحوثيون ما كانوا قد بدأوه وأعلنوا عن مشروعهم المؤجل منذ ما بعد دخولهم العاصمة صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول وأعلنوا الاستيلاء على السلطة عبر إعلان دستوري لا علاقة له بالدستور، بل إنه يعد بمثابة "البيان رقم 1"، والذي أتى عبر تكتيكات سياسية وعسكرية وتحالفات مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي أراد الانتقام من خصومه فانتقم من اليمن بأكمله . الإعلان الدستوري إذاً هو انقلاب كامل الأركان نفذه الحوثيون بعد أن تمكنوا من إزاحة جميع اللاعبين عن مشهد التأثير السياسي، بخاصة الأحزاب السياسية الكبيرة التي تجنب بعضها الصدام معهم وخضع بعضهم الآخر لضغوطاتهم العسكرية، فالإعلان الدستوري جاء ليستكمل ما قام به الحوثيون من خطوات منذ ما بعد إسقاط العاصمة في أيديهم قبل نحو خمسة أشهر، وهي الفترة التي احتاجوا إليها لترتيب الإعلان عن الانقلاب، والذي توج بإعلان مجلس وطني يحل محل مجلس النواب، على أن يتكون من 551 عضواً، والذي يتولى بدوره انتخاب مجلس رئاسي مكون من خمسة أشخاص، على أن يقوم المجلس باختيار رئيس حكومة جديد لفترة انتقالية مدتها عامين . الأهم أن الحوثيين أعلنوا عن اختيارهم لحاكم جديد للبلاد وهو محمد علي الحوثي، الذي أسند إليه منصب رئيس اللجنة الثورية، وهذا المنصب يعد بمثابة مرجعية حكم أولى تحاكي منصب رئيس مصلحة تشخيص النظام في إيران، حيث سيتولى الحاكم الجديد مسؤولية إصدار القرارات المنظمة للمرحلة الانتقالية، وقد بدأ الحوثي بممارسة أولى مهامه بإصدار قرار بتكليف وزير الدفاع السابق محمود الصبيحي قائماً بأعمال وزير الدفاع وتكليف وزير الداخلية السابق جلال الرويشان في المنصب الذي كان يشغله، كما أصدر قراراً آخر قضى بتشكيل اللجنة الأمنية العليا برئاسة وزير الدفاع وعضوية 16 آخرين، غالبيتهم من القادة العسكريين والأمنيين الموالين لجماعة الحوثي . وتسبب انقلاب الحوثيين على العملية السياسية بالرفض الواسع من قبل الأطراف السياسية والشعبية كافة، كما لقي إدانة أممية كبيرة، بخاصة بعد أن أكدت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن الخطوة التي أقدم عليها الحوثيون بحل البرلمان غير شرعية واعتبرت أن الرئيس الشرعي لليمن لا يزال الرئيس عبدربه منصور هادي، المنتخب في الحادي والعشرين من فبراير/ شباط من العام 2012 كرئيس توافقي . وحاول الحوثيون إعادة ترتيب الأوضاع التي تسببوا في خلقها، من خلال التشاور مع بعض الأطراف السياسية للوصول إلى تفاهمات من شأنها إعادة صياغة العلاقات بينها وبين هذه الأطراف، إلا أن رغباتهم اصطدمت برفض عدد من الأحزاب، بخاصة التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، الذي انسحب من محادثات استمرت لعدة أيام، بعد أن أكد التنظيم أن الحوثيين ليسوا جادين في الوصول إلى حل وأن لديهم رغبة وحيدة تتمثل في الاستئثار بالسلطة بمفردهم وعدم مشاركة أي من الأطراف السياسية . ورأى سلطان العتواني، مستشار الرئيس هادي ضرورة الإسراع بتدخل دولي وإقليمي قوي لمنع وقوع الكارثة وانهيار اليمن، مشيراً إلى أن انقلاب جماعة الحوثي يقود اليمن إلى التشظي، وانعكاساته ستكون خطيرة على مستقبل البلاد . وجدد العتواني التأكيد على أن إنقاذ اليمن من الانهيار يتطلب من القوى السياسية ورعاة المبادرة الخليجية والمجتمع الدولي اتخاذ موقف واضح ومحدد ينحاز لليمن ويمنع انهياره ويحول دون وقوع الكارثة، لأن ما يدور في اليمن "سيصل إلى كل أطراف المنطقة"، حسب وصفه . السؤال المطروح اليوم هو على ماذا يراهن الحوثيون؟، وهل لديهم قدرة على مواصلة تنفيذ المشروع الانقلابي الذي أعلنوا عنه بوضوح الأسبوع الماضي من القصر الجمهوري؟ من الواضح أن الحوثيين دخلوا في خلاف وقطيعة مع الأطراف السياسية كافة، وأدخلوا البلاد في مرحلة جديدة من الخلافات التي من شأنها أن تعيد رسم خريطة البلاد من جديد، بخاصة بعد أن أعلنت المناطق الجنوبية من البلاد استقلالها عن صنعاء، حيث أكد محافظ عدن الدكتور عبدالعزيز بن حبتور أن عدن والمناطق الجنوبية الأخرى لن تكون لها من الآن وصاعداً أية صلة بالحكومة المركزية بصنعاء وأنها ستدير شؤونها بنفسها من دون تدخل من قبل الحوثيين . والصورة مثلها في مدينة تعز وإب والحديدة، والتي أعلنت رفضها للخطوة التي أقدم عليها الحوثيون، حيث نفذ شباب الثورة في تعز أول مسيرة ليلية ضد انقلاب الحوثيين، وكذلك الحال مع شباب الثورة في العاصمة صنعاء، إلا أن الحوثيين تصدوا للتظاهرات بقوة السلاح وقاموا باعتقال منظميها وإيداعهم السجون، وأعلنت محافظة مأرب أنها لن ترضخ لمنطق الانقلابيين، وأكد عدد كبير من قادتها ومشائخها تصديهم للانقلاب الذي نفذه الحوثيون . الخوف الأكبر ذلك القادم من جنوب البلاد، حيث وفر انقلاب الحوثيين بيئة خصبة لتنامي الدعوة إلى انفصال الجنوب، حيث بدأت مظاهر الشعور بأهمية الانفصال عن مركز الحكم في صنعاء تتعاظم يوماً بعد يوم، وتحولت اللجان الشعبية إلى ما يشبه اللجان الشعبية التابعة لجماعة الحوثي، وهي التي صارت تتحكم في الأوضاع في المناطق الجنوبية، معززة بمواقف مؤيدة من السلطات المحلية التي رفضت ما اسمته "الانقلاب في صنعاء"، الذي أطاح رئيساً جنوبياً . ويخشى مراقبون من السيناريو المقبل في الجنوب في حال سارت الأمور بطريقة أسوأ مما هي عليه اليوم، إذ إن تشرذم القيادة في الجنوب وتوزع الولاءات لشخصيات في الداخل والخارج من شأنه أن يدخل البلاد في وضع كارثي، وسيدخل الجنوب كله في أزمات لا تنتهي قد تدفع مناطق جنوبية بعينها إلى الانفصال ليس فقط عن الشمال، بل وعن الجنوب نفسه، مثل محافظة حضرموت، التي تتوفر فيها كل مقومات الدولة . ويمكن أن نقرأ تصريحات الرئيس الجنوبي السابق حيدر العطاس في هذا الاتجاه عندما قال إن اليمنالجنوبي لم يكن جزءاً لكي ينفصل عن البلاد، وحدوده رسمت عام 1917 والعالم يشهد لجمهورية اليمن الديمقراطية (اليمنالجنوبي) أنها كانت دولة محترمة ومهابة . ويرى العطاس أنه "يمكن التفكير في صيغة حكم كنفدرالي"، ويقصد بين دولتي الشمال والجنوب، لكنه يشير إلى أن هناك أقاليم الوسط، في إشارة إلى محافظتي تعز وإب، وكل هذا يجب أن يحترم ويؤخذ في الحسبان، أي أنه يقبل بوجود دولة ثالثة تمثل الغالبية السنية في المناطق الوسطى من البلاد . في المحصلة الأخيرة سيكثر اللاعبون في اليمن، المحليون منهم والخارجيون، وسيجد اليمنيون أنفسهم واقعين تحت مطرقة الصراع الداخلي والتدخل الخارجي، بخاصة بعد أن أكدت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها مستمرة في معركتها ضد الإرهاب، وتحديداً تنظيم القاعدة في اليمن، وأنها ستتعاون مع أي طرف يحقق لها ذلك، ما يفتح الباب أمام سيناريو تقسيم البلاد إلى دويلات مصغرة تتصارع فيما بينها على الحدود والثروات . لقد وضع الحوثيون بالانقلاب الذي نفذوه الأسبوع الماضي اليمن على طريق التمزق، فمن الواضح أن هناك الكثير من الأسباب التي دفعت وتدفع القوى السياسية إلى مقاومة ما أقدم عليه الحوثيون من تدمير للتجانس الاجتماعي والمذهبي الذي كان يعيش في ظله اليمن طوال تاريخه القديم والحديث . هناك محاولات مازالت تجري بواسطة المبعوث الأممي جمال بن عمر، لمواصلة مفاوضات قد تفضي إلى تسوية ما وتنقذ اليمن مما هو أسوأ . هذه المحاولات وإن كانت تحمل بصيص أمل، إلا أنها تمثل الورقة الأخيرة في لعبة خطيرة تجري على أرض اليمن، بغية إنقاذ ما يمكن إنقاذه.