بقلم: عبدالعزيز الكندري وصلتني رسالة بالهاتف عن طريق أحد الأصدقاء وهي لقصة حدثت في اليمن«البيضاء»، تصف وتلخص المشاهد اليومية التي يتعرض لها الإخوة الأشقاء في اليمن بشكل يومي، وما يحصل في اليمن كأنه مشهد درامي سينمائي، حيث الرعب وخوف الأمهات على أبنائهن من القتل والجوع وأصوات الانفجارات ونقص كل شيء تقريبا...، والذين هم بأمس الحاجة إلى المساعدة ومد يد العون لهم سواء داخل اليمن أو اللاجئين في دول الجوار مثل جيبوتي، وتقول القصة: يقول أحد المسافرين العالقين في منفذ الوديعة: بينما نحن في منطقة الوديعة بانتظار فتح إدارة الجوازات للمنفذ. بدأ بعض الحاضرين في إطلاق الآهات والتألم لما يحدث لهم ولأهلهم في اليمن. وإذا بشخص في الثلاثين من عمره من محافظة البيضاء يقول لنا: سأحكي لكم قصة تنسيكم الضيق الذي أنتم فيه. ثم أجهش بالبكاء لأنه يحكي قصة حدثت تفاصيلها في الحي الذي كان يسكن فيه. قال الشاب: كان هناك رجل يسكن في بيت متواضع في ناحية معزولة عن بقية البيوت، يعيش فيه هو وزوجه وأبناؤه الثلاثة، وكان الرجل يعمل بالأجر اليومي ومستور الحال، إلى أن جاءت الأحداث الأخيرة والحروب،وانعدم العمل، فكان الرجل يخرج صباحاً ولا يعود إلا في الليل خاوي اليدين. ذات ليلة، وفي وقت متأخر، عاد الرجل فوجد زوجه تتوجع بشدة من آلام المخاض، فأخذها إلى مستشفى الخزان في بير عبيد بشارع تعز، ولأن الوقت متأخر والأطفال نيام، ولا يريد ازعاج الجيران، أغلق الرجل الباب على أطفاله الثلاثة من الخارج، وعندما وصل المستشفى وبعد إجراء الأشعة، أخبروه بأن زوجه بحاجة إلى عملية قيصرية بسبب اعتراض الجنين في بطن أمه، وأنّ عليه دفع مبلغ خمسين ألف ريال تحت الحساب. وكونه لا يملك شيئاً منها، ترجى مدير المستشفى أن يجري العملية بينما سيذهب هو لتدبير المبلغ. وبعد جهد جهيد، وافق مدير المستشفى وخرج الرجل ليبحث عن المال وهو لا يدري من أين سيأتي به، وبينما هو في الطريق شارد الذهن يريد العبور للجهة الأخرى من الشارع، إذ بسيارة مسرعة تدهسه ليلفظ أنفاسه الأخيرة بين عجلاتها، ويفر صاحب السيارة، تجمع بعض المارة وحملوا الجثة وذهبوا بها إلى ثلاجة مستشفى الكويت. وبعد مرور بضعة أيام على المرأة في مستشفى الخزان، بدأ مدير المستشفى يسألها عن زوجها قائلاً: يبدو أنّ زوجك هذا نصاب، ولم تكن الزوجة تدري كيف تبرر ذلك التأخير سوى بإطلاق العنان لدموعها. انتشرت القصة بين الناس، ولم يبق أحد إلا وسمع بها. بعض من حضروا حادثة السيارة وبعد سؤالهم إدارة المستشفى عن التوقيت الذي غادر فيه الرجل المستشفى، تنبّهوا إلى أن الوقت يتزامن مع توقيت الحادث، فبادروا باصطحاب مدير المستشفى والمرأة إلى مستشفى الكويت للتأكد من هوية الجثة، فكانت المفاجأة أنّه الشخص المطلوب، ولكنّ الزوجة كانت في حالة من الذهول أفقدها صوابها، لم تُفِق منه إلا وهي على عتبات بيتها حيث طلبت ممن رافقها الانتظار خارج البيت. وبعد طول انتظار، دخلوا البيت ليجدوا المرأة قد شنقت نفسها وبجوارها أطفالها الثلاثة الذين ماتوا جوعاً وعطشاً، ليصبحوا مجرد أرقام وقصة منسية ضمن آلاف القصص التي طواها النسيان. اللَهم فرّج عن إخوتنا وأخواتنا في سورية وفلسطين ومصر والعراق واليمن، وادفع عنهم الفتن والمحن، يا واسع الجود والمِنن. انتهت الرسالة... ولكن لم تنته المأساة. * كاتب كويتي - الراي الكويتية