آخر ما كنا نتوقعه أن رئيس الجمهورية يمنع رسمياً (بحجة المبادرة) مساءلة الفاسدين من الوزراء في مجلس النواب! الهيكلة تدجين وتفريخ للجيش وكشف فاضح للأسرار العسكرية.. والقبيلة تفخخ الجيش بمليشياتها للسيطرة عليه الحكومة كرَّست جهودها لنهب الخزينة العامة وإيصال الدولة إلى حافة الانهيار الاقتصادي الحاصل الغريب، أن القوى الوطنية لم تتعظ من ركلات الترجيح التي وصلت إليها مصر وتونس وقبلهما سوريا، وعلى ما يبدو أنها لا تعرف ما تفعله كي لاتصل لتلك المرحلة سوى التودد والتملق للقوى الدولية في مشهد يؤكد إيمانهم الكامل بعقدة الساداتية الشهيرة والتي استخدمها السادات كتبرير على جريمة اتفاقية كامب ديفيد وأقزمة مصر والقضية الفلسطينية معاً حينما قال (أمريكا تملك 98% من اللعبة). هؤلاء الساداتيون مستعدون للتخلي عن أي أرض عربية مقابل الحصول على سلام دائم مع أمريكا، وبصراحة أكثر من أجل نيل رضا العم سام، هم مستعدون لهز أوساطهم على موسيقى الجاز ليل نهار وفي أي بلاط إمبريالي، حتى وإن كانت تلك الأرض هي وطنهم فما بالك بأجزاء منه بدأ تقسيمها عبر مراحل تنتهي بألوان مختلفة، ومن يتابع الساداتيين في اليمن يشاهد بوضوح تام كيف يجري التطبيق العملي لمشروع سايكس بيكو الثانية (تقسيم الدول العربية إلى دويلات قزمة عدة على أسس دينية وطائفية وعرقية ...الخ) ومن جملة المؤشرات العامة التي نشاهدها نحن منذ بداية الانقلاب في 2011م نسرد للمناضل اليمني المؤمن بوحدة الصف، أياً كان انتماؤه السياسي، أبرز الملاحظات الحاصلة في المشهد اليمني بوجهيه الرسميين (حكومة الوفاق – المبادرة الخليجية) كالتالي: حكومة الوفاق – بوصفها أداة لمشروع انقلابي متواصل.. فكما ثبت بكل الأدلة والبراهين أن هذه الحكومة جاءت لا للتهدئة السياسية وممارسة المهام الحكومية بل إنها كرست كل جهودها لنهب الخزينة العامة وإيصال الدولة إلى حافة الانهيار الاقتصادي وهذا واضح من خلال حجم الموازنة الرسمية للعامين 2012 و2013م واللتين تعدان أضخم موازنة في زمن قياسي وكان المبرر الجاهز هو لمواجهة التحديات التي فرضتها الأزمة، ولكن ما الذي حدث، ما حدث كان ما من تغيير حقيقي حاصل وكأنما الأزمة لا تزال مستمرة وما تغير هو القابلية المجتمعية للتعايش في ظل هذه الظروف، فالمجتمع اليمني بمختلف مشاربه بفعل اليأس المستمر أصبح معتاداً على الظروف القاسية لدرجة لم يعد يحس بأننا انتقلنا لمرحلة أسوأ من كل المراحل السابقة، والسؤال الذي يفرض نفسه: ما المصلحة التي ستجنيها حكومة الوفاق (والأطراف التي جاءت بهذه الحكومة) من تدني مستوى الخدمات العامة ك(الكهرباء والتعليم والصحة والمواصلات وحركة التجارة والاستثمار) وكذا الانهيار الأمني والاقتصادي؟ المستفيد الأول والأخير هو الغرب الذي يسعى للهيمنة الكاملة على اليمن وكل الأقطار العربية، لذلك نراه يساند تلك الحكومة مثله مثل البرجوازي الصغير حميد الأحمر الذي يقاتل من أجل بقاء رئيس الوزراء ووزيري الكهرباء والمالية بغرض مكاسب تجارية وإبرام عقود مع الحكومة لا تخضع لأي قانون عدا قانون الشيخ الثائر والوزير الصاغر. وبدون تفاصيل نقول إن ممارسات الحكومة، والتي وصلت إلى حد منع مجلس النواب وهيئة مكافحة الفساد من التحقيق والمساءلة في فساد الوزراء، يعني شيئاً واحداً لا غير هو إفشال اليمن ونقله من الحالة المستقرة إلى حالة يصل بعدها المواطن إلى الهجرة والاغتراب الداخلي وهي حالة أسوأ من حالة الهجرة إلى الخارج، ذلك لأن إيصال الناس إلى حافة الموت يعني بالضرورة قبولهم بالوضع الحاصل وترك السياسة والتخلي عن الدفاع عن الوطن والعمل لأجل المجتمع، وهو ما يسمى في علم النفس السياسي بحالة التدمير الذاتي المعنوي بغرض الحصول على مجتمع منقاد يرى في الغزو الخارجي منقذاً وبطلاً ويعتبر الدولة وليس الحكومة فقط، محتلاً كاتماً على حريته وآخذاً لحقوقه. ومن هنا يتوصل الفرد بعد الأنانية (الاهتمام الشخصي) إلى مرحلة عهر الضمير والتي تشابه حالة الكثير من العراقيين الذين رحبوا بالمحتل الأمريكي والإيراني ترحيب الفاتحين . إن ما تقوم به حكومة الوفاق ليس لصالح حركة أو حزب معين بذلك المعنى الاستراتيجي، فهي وإن فعلت ذلك بغرض آني قصير المدى بهدف دعم أو تمكين جهة بعينها من امتلاك زمام الحكم فإنها تفعل ذلك بغباء تلك الجهة الطامحة للحكم بأي وسيلة وهنا نواجه الكارثة، فهذه الجهة (ربما) لا تعي تماماً ما وراء الدعم الغربي لهذا الغباء والطموح ذي المعنى الآني والحالي، غير أن المعنى الاستراتيجي والذي يفوق المعنى الآني والتكتيكي بكثير يقول لنا: إن ما تقوم به الحكومة من تدمير ممنهج للبنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والدفاعية يقوم على قاعدة واحدة لا غير وهي القاعدة الأولى من خطة دفع الناس لتبني خيارات مخالفة لقيمهم وأفكارهم ومبادئهم الوطنية والأخلاقية والدينية بهدف تدمير النسيج الاجتماعي، هذا أولاً وأما ثانياً فهو يقوم بهدف إنجاح مخططات الغرب الاستعماري وذيوله في المنطقة والتي تعرف بمنع العرب من تحقيق أي تقدم اقتصادي أو دفاعي أو استراتيجي والوصول بهم إلى خانة القبول بفكرة نقص السيادة والتي تبدأ بإزالة كافة القيم الوطنية من أحشائهم عبر الاقتلاع الممنهج بفعل عوامل التعرية الصناعية، وهذا يقودنا إلى التأكد بأن أفعال الحكومة الحالية يخدم، استراتيجياً، خطة تدمير وشرذمة الشعب وهو هدف غربي صهيوني معروف. المبادرة الخليجية.. قداسة ونخاسة لقد حصلت تجاوزات كثيرة في المبادرة الخليجية، أبرزها، اعتبار المبادرة الخليجية فوق الدستور!! مع أنها مبادرة في معناها العلمي والواقعي لا يمكنها أن تحل محل الدستور، لأنها وكما نعلم خارطة طريق لإعادة عجلة العمل إلى حيث كانت، وعجلة العمل هذه محددة بدستور وقانون معروف، لذلك فإن المبادرة دخلت كفكرة حل ذكية هدفت إلى التهدئة السياسية وليس المحاصصة وإصدار خطط استراتيجية من شأنها تغيير المشهد اليمني تاريخياً ومستقبلياً، وهي وإن جاءت بحكومة جديدة ورئيس جديد فإنها فعلت ذلك بغرض الحفاظ على الدستور القديم ولم تصنع دستوراً جديداً بل أكدت على ضرورة العمل وفق إطار الدستور الحالي، وعدم الخروج عنه. ولكن ما حدث كان مخالفاً تماماً، فمنذ أن تم تغييب لجنة تفسير النصوص جرى تأويل النصوص بحيث أصبحت لفظتا التسوية والتوافق تفسر من طرف واحد بمعنى واحد لاغير وهو مناصفة الدوائر والمؤسسات الحكومية وحتى البرلمان !! لتصل بعد ذلك أن رئيس الجمهورية الحالي قال شاطحاً: إن المبادرة فوق الدستور وهو ما شكل صدمة مفزعة لكل المراقبين، متناسياً أنه عندما حلف القسم الجمهوري أقسم بالحفاظ على العمل بالدستور والقانون والنظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية، لم يذكر المبادرة، فأي مغالطة رسمية هذه وإلى ما تستند هذه المغالطة لو لم يكن الغرب المعروف بمغالطاته لكافة القوانين الدولية هو الساند لمثل هذه المغالطات؟ إن هيكلة الجيش بعيدة عما نصت عليه المبادرة وهناك فرق بين ما نصت عليه المبادرة بقولها رأب الصدع في الجيش، وبين ما نصت عليه رغبات أطراف بعينها لها أطماع لا تخفيها بالجيش، والمتابع للهيكلة يرى فيها تدجيناً وتفريخاً لقوات الجيش وكشفاً لكافة الأسرار العسكرية الاستخبارية لدرجة لم يعد يستبعد زوال الجيش وانهياره أمام حفنة من الإرهابيين أو حتى اختراقه وضربه في قعر داره وإسقاط لطائراته ليل نهار واقتناص للكثير من رموزه من قبل جماعات متطفلة وجاهلة مخابراتياً وهي القاعدة. إن أكثر من أربعين تمرداً حدث داخل الوحدات العسكرية وصلت لحد حل كبرى الوحدات ناهيك عن شراء الولاءات وتفجير المخازن وتهريب الأسلحة من مخازن المعسكرات وكذا وهو الأهم تفخيخ الجيش بمليشيا محسوبة على جهات قبلية لها باع طويل في شق صفوف الجيش وتجييره لصالح مكاسبها السياسية . بالعودة للمبادرة وبعيداً عن الهيكلة فإن المبادرة التي منحها الرئيس بصفة الفوقية (أي فوق الدستور) فإن آخر ما كنا نتوقعه من تحريف وتأويل ممنهج للنصوص كان ان رئيس الجمهورية منع رسمياً وبخطاب ساخن كما عرف، مساءلة الفاسدين من الوزراء في مجلس النواب !! وهو الأمر الذي عطل مجلس النواب من عمله ودفعه إلى فراغ دستوري تماماً كما منيت مؤسسة الرئاسة من فراغ دستوري بسبب اعتمادها على نظرية مفرغة. إن التدمير الممنهج الذي تمارسه الحكومة كان يمكن أن يغفره المواطن العادي لو لم يقم رئيس الجمهورية بمنع ذلك الغفران بإصداره مرسوماً سماوياً يقوم على قاعدة عدم محاسبة الحكومة ومساءلة وزرائها واستدعائهم (بحجة المبادرة)، كما جرت العادة منذ سبعة آلاف سنة هي عمر البرلمان في العالم . * عن صحيفة "المنتصف"