كلنا نعشق النصح، ننصح بعضنا بعضا، ونتقبل نصائح بعضنا، ونبحث عن النصيحة الصادقة، ونقدم النصيحة الخالصة. وحين نريد القضاء على الفكر المتطرف ننشئ برنامج مناصحة، وينجح برنامجنا في تحويل وجهة معظم من حضروا برامجه من تفخيخ مؤخراتهم وسياراتهم، إلى التمتع بحياة مستقرة وهادئة ومنتجة لوطنهم. لكن لنتحدث عن قلة لم ينفع معها النصح، ممن تظاهروا بقبول النصيحة لينضموا بعد خروجهم إلى القتلة من متطرفين موتورين. لماذا لم يتفاعلوا مع برنامج صُمّمَ لنصحهم باللين والرفق والحسنى. الإجابة بسيطة ومفادها أن الخلل ليس في البرنامج بل في بيئتهم المحيطة بالبرنامج. المتطرف هو ضحية لغسيل مخ من قبل أناس لا يضحون بأنفسهم بل يضحون به. ومعظم الذين يقومون بغسيل مخ المتطرف هم من يستلْقون على الأرائك في الأحياء القريبة من مراكز المناصحة، ويسهمون بنشاطهم الإلكتروني في تجنيد الشباب الهش غير المحصن بفكر متحضر متنور. ولا يصح تعريف المحرّض على أنه منتم وعضو رسمي في القاعدة أو داعش فقط، بل هو شخص متلون يداهن ويقتنص الفرص ويبحث عن الضعفاء. وينقسم العمل التحريضي إلى عدة ضروب ومهام، أولها وهو مفتاح باب التطرف، هو "الداعشي الإلكتروني المنتمي إلى الإخوان"، فهو يجهز الفريسة عبر تنمية خلايا التطرف بالتحريض والتثوير والتأزيم، فتجده لا شاكر ولا معترف بالتطور الذي تحقق في بلاده. مفتاح داعش هو الإخواني الذي يمهد الطريق لخلق التذمر في عقل الشاب الصغير ومن يزرع فكرة الخلاص والتضحية بالنفس لأهداف يصورها بأنها نبيلة. لو لاحظ القارئ أن معظم قيادات القاعدة هم من الإخوانيين ولا يصح تسميتهم بالإخوان السابقين لأنهم ما زالوا إخوانا، فالفكرة الإخوانية المتشددة والخلاصية هي عماد فكر القاعدة، وأن اختلفت الوسيلة أو استعجلتها القاعدة. قال الظواهري، زعيم القاعدة الحالي، أن ابن لادن إخواني وقد غضبت عليه قيادة التنظيم الدولي لتمدده إلى أفغانستان وبقائه هناك، كانوا يريدونه أن يعود إلى جدة حيث يكون عمله أفضل وأقوى تأثيرا لهم ولحلمهم المشتهى وهو السيطرة على السعودية والخليج. الخلاف بين ابن لادن وقيادة تنظيمه الإخوان كانت على الطرق والتنفيذ وليس على الأهداف. ولا يزال الإخوان يعملون في بلادنا ويتمددون ويستغلون صغار السن وهشاشة الطرح وعدم توفر الخيارات الوطنية الجادة التي تسهم في توظيف قدرات الشباب لصالح أوطانهم لا تنظيماتهم. للقضاء على التطرف مفتاح لا مناص منه، وهو القتال بقوة ضد الإخوان. أما الممالأة والتهاون والتبشير بفكرة الاحتضان، فهي مسكنات يستفيد منها الفيروس لتجهيز نفسه للزحف العظيم. * العرب أنلاين