أكدت خطوة إزاحة عقلي المفاوضات (الارياني وهلال) بعد نجاحهما في إنجاز تسوية تاريخية أفشلت في اللحظات الأخيرة، أن دوائر نافذة في السلطة، لا تريد مخرجاً آمناً من الأزمة الراهنة، وفي الوقت عينه وضعت المتابعين أمام مجموعة مقامرين، لديهم جاهزية للمجازفة بمصير بلد برمته، في سياق حسابات سلطوية، أنانية وضيقة، لا يمكن تجاهلها، تمثل إسناداً واضحاً لمهمة توفير مبررات بقاء الوضع المتأزم أكثر قدر ممكن من الوقت، وصولاً إلى تمديدٍ ثانٍ للمرحلة الانتقالية. وجاءت هذه الخطوة، بالتزامن مع تحركات سياسية وإعلامية وميدانية كثيرة، يجريها معسكر الرئيس هادي، لجهة إجهاض صيغ التفاهمات والاتفاقات السياسية التي توصلت إليها مداولات ممثلي الجانب الرسمي بقيادة الإرياني وهلال مع مندوبي الحركة الحوثية. وفيما يبدو أن اقتراب الأزمة مع الحوثيين، من الانفراج، قد أثار حفيظة "سلطة الظل"، خاصة وأن الاتفاق – الموقع - تضمن بنوداً قطعت الطريق أمام طموحات مسئولين في دائرة الحكم، وبالنتيجة ضاعفت تحركاتها وضغوطاتها، وصولاً إلى انتزاع ملف المفاوضات من يدي الدكتور عبدالكريم الإرياني واللواء عبدالقادر هلال، وتسليمه للمبعوث الدولي جمال بنعمر. وبالاستناد إلى معلومات مؤكدة، فإن طرفي الأزمة – الحوثيين والسلطة - كانا قد وقعا على وثيقة الاتفاق التي أنجزها الإرياني وهلال، فيما كان الجانبان ينتظران توقيع بنعمر، كون ممثلي الحوثي في المفاوضات، اشترطوا توقيعه كضامن دولي لتنفيذ المسودة، غير أن الأخير كان يرتب لنسف مشروع الحل بالتنسيق مع نجل الرئيس هادي، ومدير مكتبه "بن مبارك". وتشير معطيات سياسية كثيرة، إلى أن بنعمر لعب دوراً محورياً في هندسة "الانقلاب على الحل"، وهو ما انعكس في البيان الذي أصدره قبيل لحظات من الانفراج، فيما تشير المعلومات إلى أن تهربه من الإمضاء على مسودة الاتفاق، لم يخرج عن تكتيك، لتوفير الوقت اللازم لاستكمال إجراءات إزاحة هلال والارياني، ومن ثم إعادة النقاشات إلى المربع الأول. وما يعزز هذا الاتجاه، هو ما نقلته يومية "الأولى" عن الدكتور عبدالكريم الارياني، حيث حمل بنعمر، صراحة، مسؤولية التداعيات الناتجة عن خطوة إجهاض الحل، بعد أن اتصل به الأخير ليبلغه بإعفائه مع هلال من مهمة تمثيل الجانب الرسمي في المفاوضات مع الحوثيين، وتكليفه من قبل هادي بما قال أنه تيسير جولة جديدة من المفاوضات. ورغم أن التحركات الأخيرة لقيادة الحركة الحوثية، عكست ترجيحاً لخيار الحل السياسي للأزمة، إلا أن فريق هادي دخل على الخط طرفاً ثالثاً، لينصب الكمائن في طريق تسوية احتواء التوتر، وفي المقابل يدفع الوضع باتجاه سيناريوهات خطرة، لاعتبارات عدة من ضمنها تحسين شروط التفاوض. ويجمع المحللون على أن عدم شفافية التعامل السلطوي مع المتغيرات، منح غطاءً للتحركات المليشاوية التي يقوم بها الحوثيون، وأضفى عليها نوعاً من المشروعية، إذ أن قطع الطريق أمام التحرك الحوثي المسلح، كان سيتحقق بجره إلى إنفاذ الحل السياسي، عوضاً عن نسفه أولاً، والاتجاه لتفصيل الحلول وفق مقاسات القائمين على الانتقال ثانياً. وتؤكد المعلومات أن الملفات التي قدمها زعيم الحوثيين للجان الوساطة خلال مارثون المفاوضات الرسمية مع الحركة في صعدة، قذفت كرة المسؤولية في مرمى الرئيس هادي، خاصة وأنها تضمنت وثائق رسمية بعبث كبير يمارس بحق المال العام في مؤسسة الرئاسة ودوائر حكومية عدة، إلى جانب مقترحات ببدائل متاحة لقرار رفع أسعار المشتقات، الذي اتخذ بالمخالفة، وهو الأمر الذي استفز الرئيس هادي. برأي كثيرين، فإن طاقم الرئاسة اليمنية، شحذ خناجره وأجهز على الاتفاق الأخير، نتيجة عوامل عدة، تتعلق بترتيباتهم المستقبلية، فيما يذهب آخرون إلى القول بأن ملامسة بنود في الاتفاق لقضايا مغيبة قسراً في وسائل الإعلام، ومحل تواطؤ في أروقة الأحزاب السياسية، كالعبث بأموال الدولة وتبديدها في شراء الولاءات، بالمخالفة للقانون، أثار قلق "حكام الظل" من ضياع امتيازات ضخمة، لاسيما وأن المسودة أفردت بنداَ لتقييد صرفيات الرئاسة ونفقات كبار مسؤولي السلطة. ويلحظ أن تحركات فريق هادي وتحالفاته، لم تتوقف عند إفشال مشروع الاتفاق الرئاسي مع الحركة الحوثية، إذ تجاوزت ذلك إلى خلق مبررات لتفجير الأزمة عسكرياً، سواءً عبر دفع الجهات الأمنية إلى التعامل بعنف مفرط مع المحتجين أمام مقر رئاسة الوزراء وسط صنعاء، أو بتحريك وسائل الإعلام الحكومية لتأدية مهام تحشيدية للعنف، باستخدام خطاب تحريضي لا يخلو من النفس المذهبي. ومقابل هذا الإحماء الرسمي للحرب، ظلت الحركة الحوثية ترسل إشارات إلى أنها ستحني رأسها للتسوية، وتتخذ المرونة سبيلاً للتعامل مع الاتفاق، على أن المعطيات الظاهرة تشي أن زعيم الحوثيين لن يهرول إلى مسار العنف، وسيترك للسلطة مهمة تحديد مآلات الأزمة قادم الأيام. *وكالة خبر للأنباء