علمت "العرب" أن قيادات من حركة النهضة الإسلامية تجري اتصالات مكثفة مع جهات محلية وخارجية لإقناعها بضرورة مساندة مبادرتها حول إنشاء حكومة وحدة وطنية تضم مختلف الأطراف الحاصلة على مقاعد في البرلمان الجديد. وأكدت مصادر مطّلعة أن فكرة حكومة الوحدة، التي سبق أن طرحتها الحركة قبل الانتخابات، لا تلقى أي تفاعل من حزب "نداء تونس" الحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الماضي في تونس. وكان "نداء تونس" أكد على لسان أكثر من قيادي أنه لا يفكر في التحالف مع "النهضة" وأن تحالفه في الحكومة الجديدة سيكون مع الأحزاب القريبة منه، في إشارة إلى الأحزاب المدنية مثل آفاق تونس (ليبرالي حائز على 9 مقاعد)، والجبهة الشعبية (يساري 14 مقعدا). وقالت القيادية في حركة النهضة محرزية العبيدي في تصريح ل"العرب" إن النهضة منفتحة بخصوص المفاوضات حول الحكومة القادمة، في إشارة إلى القبول بالمشاركة، لكنها استدركت قائلة إن حركة النهضة حزب مؤسسات وسيكون هذا الأمر محل نقاش مطول بين مكونات هذه المؤسسات. وفي سياق متصل بالتحالفات القادمة، يذهب منجي الرحوي مرشح الجبهة الشعبية عن محافظة جندوبة (شمال غرب) إلى أن الجبهة ستكون منفتحة على كل الخيارات باستثناء التحالف مع حركة النهضة، معتبرا أن إمكانية الانضمام إلى حكومة نداء تونس واردة إذا تم الاتفاق على قاعدة برنامج واضح. منجي الرحوي: مع النداء وليس مع النهضة وقال الرحوي ل"العرب" إن نتائج الانتخابات ذات دلالة عميقة باعتبار أنها مكنت التونسيين من الحسم في نموذج مجتمعي يقوم على الأصالة والانفتاح، كما أن القرار الشعبي أيضا جاء ضد اختيار الإخوان كبديل مجتمعي على حد تعبيره باستثناء قسم اختار حركة النهضة التي اعتبرها الرحوي فرع الإخوان المسلمين في تونس. من جهته، وضع "نداء تونس" خيارات التحالف أمام امتحان صعب حسب المتابعين وهو خيار دعم مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة، أي رئيسه قائد السبسي. وأكد عبدالعزيز القطي القيادي في نداء تونس، أن "حزبه سيحدد استراتيجية تحالفاته لتشكيل الحكومة الجديدة استنادا على الدعم الذي ستمنحه الأحزاب الممثلة في البرلمان للسبسي في انتخابات الرئاسة الشهر المقبل". وقال مراقبون إن هذا الشرط سيزيد من صعوبة تقارب الأطراف الفائزة في الانتخابات باعتبار أن الجبهة الشعبية مثلا لديها مرشح للانتخابات الرئاسية، وهو الناطق باسمها حمة الهمامي، ومن الصعب أن تتخلى عنه لفائدة قائد السبسي. أما بخصوص النهضة، فاستبعد المراقبون أي تحالف بينها وبين قائد السبسي حتى وإنْ لمحت في أكثر من مرة إلى استعدادها للتضحية بحليفها الرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي. محرزية العبيدي: النهضة منفتحة على الجميع ولفتوا إلى أن أي إشارة إيجابية من السبسي تجاه قيادة النهضة قد تدفعها إلى المسارعة بدعمه في الانتخابات الرئاسية، لافتين إلى أن رئيس الحركة راشد الغنوشي سعى في الأشهر الأخيرة إلى كسب ود السبسي والإشادة بخصاله، وتولى تهنئته بالفوز في الانتخابات رغم أن النتائج ما تزال غير نهائية. والاثنين كتبت سمية ابنة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تغريدة على حسابها في تويتر أن والدها هنأ السبسي بفوز حزب نداء تونس في الانتخابات التشريعية ونشرت صورة للغنوشي يجري اتصالا هاتفيا. لكن محللين حذروا من أن حركة "النهضة" ربما تعمل من خلال خطابها الناعم في الاعتراف بالهزيمة وتهنئة الخصوم على ترميم صورتها في الداخل والخارج، خاصة بعد اتهامات وجهت لها بالتساهل مع المجموعات المتشددة مما مكنها من الاستعداد الجيد لبدء مواجهة عسكرية مع الجيش والشرطة. ولم يكن خطاب حركة النهضة على هذا النحو غداة فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي في 2011. فقد حاولت مطلع 2012 تضمين دستور تونس الجديد فقرة تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد وأخرى تنص على "تجريم الاعتداء على المقدسات" قبل أن تتراجع عن ذلك تحت ضغط أحزاب المعارضة والمجتمع المدني. وتقول الأحزاب العلمانية في تونس إن حركة النهضة حاولت بعد وصولها إلى الحكم "اختراق" أجهزة الدولة و"تغيير نمط المجتمع التونسي" و"أسلمة" البلاد التي تعتبر من أكثر البلدان العربية انفتاحا على الغرب.