جمعة ثانية في اليمن، في ظل فراغ في السلطة منذ استقالة الرئيس والحكومة عشية الجمعة الماضية. ولا يبدو أن الفرقاء المنخرطين في مباحثات مستمرة طوال أسبوع، على عجلة من أمرهم، بالنظر إلى حالة الترحيل اليومي للقضية وحسم الخيار بشأنها. حالة التراخي واللامبالاة (بالتناقض مع حال طارئ واستثنائي يمر به البلد)، تعنون السيرورة السلحفائية لتعاطي وأداء الأطراف المعنية بإدارة مباحثات إنضاج صيغة انتقالية بديلة - رئاسة وحكومة - لمباشرة السير في مرحلة ما بعد هادي.
وما خلا بعض تذمر وتضجر علني لاذع أحياناً في أوساط يمنيي شبكات التواصل الاجتماعي، لا أصوات أخرى تشق عتمة الصمت وانشداه اليائسين من جديد مرتقب قد يجيئ، مثلاً، من قبل القدامى الذين يديرون جعجعة مباحثات وراء الجدران في أوتيل خمسة نجوم برعاية المبعوث الدولي، ولا طحين يسد رمق الأعين المتطلعة إلى مبنى موفنبيك صنعاء يبادلها شهوة الأسئلة.
يوم الخميس، الحكومة المستقيلة زادت وجادت ببيان تجديد إخلاء مسئولية: أن استقالتها المؤرخة في 22 يناير 2015م تعتبر استقالة نافدة وغير قابلة للتراجع، بما فيها عدم مسؤوليتها في القيام بتصريف الأعمال.
الرئيس المستقيل - الذي لم يبت أصلاً قبل استقالته في استقالة الحكومة؛ فلم يقبل ويفوضها تصريف الأعمال على مجرى عادة وتقليد معمول في كل الدول والبلدان، ولم يرفض وتبقى الحكومة حكومة - يتابع باسترخاء المستقيل القليل مما يحدث والكثير مما لا يحدث، من منزله العائلي والذي كان هو أيضاً وفي غالب الأحيان قصر الرئاسة ومقر عمل الرئيس... المستقيل الآن ومنذ جمعتين.
اليمنيون منصرفون عن استقصاء ما قد يحدث نادراً ويُحدِث فارقاً. لهذا يفضلون أكثر متابعة ما لا يحدث.
يفترض أن الفندق السياحي المشرف على العاصمة سوف يضم في جوفه مجدداً جلسة مباحثات جديدة بموجب ما تمخض عن جلسة مباحثات الخميس، والتي انتهت إلى نتائج مطابقة تقريباً إلى ما انتهت إليه جلسة مباحثات الأربعاء والثلاثاء: الحوثيون وأحزاب اللقاء المشترك يتبنون خيار المجلس الرئاسي من خارج البرلمان وبصرف النظر عن سلطاته والإجراءات المنصوصة في الدستور النافذ، والمؤتمر وأحزاب التحالف يتمسكون بالبرلمان والمرجعية الدستورية لمعالجة الوضع الناتج عن الاستقالة مع مساحات ومتاحات سياسية للتفاوض واستيعاب الخيار الآخر في الصدد إنما ليس خارج البرلمان كمحذور يعني تعطيل آخر مؤسسة شرعية ودستورية. لكن التفاوض مستمر في موفنبيك، والانصراف مستمر عن البرلمان.
مصادر حضرت الاجتماع كانت أفادت وكالة "خبر" ليلة الخميس، "أن النقاشات ستستأنف الجمعة، وأن هناك تقارباً بين وجهات النظر لدى الأطراف السياسية، لكنها لم توضح فيما إذا كان هناك أي اتفاق ولو مبدئي بشأن حل الأزمة". ثمة "تقارب" إذاً، بوصف المصادر المتحفظة حتى على ذكر اسمها، ولكننا لا نعرف كنهه وحجمه وناتج حسابه في معادلة المواقف المتباعدة إلى ساعته. لعله يكون خيراَ (..)
خرج من جلسة الخميس ياسر العواضي، الأمين المساعد للمؤتمر الشعبي العام ليغرد في تويتر: "خرجنا من اجتماع المكونات السياسية، ولكني لا أعرف إلى متى ستظل هذه المكونات هاربة من الشعب"... "لا تريد انتخابات ولا تريد استفتاء".
لم يتسنَّ لوكالة "خبر" عقب هذا إعادة التواصل مع المصدر السابق لسؤاله حول "التقارب" من زاوية ما غرد العواضي؟ إلا إن كان التقارب قد يفيد أيضاً "لا جديد"!
جمعة ثانية، والسياسة ومفاوضاتها عهدة جعجعة في جوف فندق مسكون بشهوة الأسئلة ذاتها في أعين تتطلع إليه قاطعة الأمل في بشارة على غير مجرى العادة؛ عادة ما تأتي به كواليس الموفنبيك منذ جعجعة حوار العام وطحين المخرجات ال... ذكريات (..).