عند بداية تشكل الحرس الجمهوري، كان الوعاظ الدينيون جزءاً من التوجيه المعنوي للحرس.. وكان الزنداني أبرز الخطاب داخل معسكرات الحرس.. وكان بجانبه آخرون من نفس الصنف. كان التوجيه المعنوي الديني للحرس طائفيا ولكن ليس كما يشيع أعداء الحرس اليوم.. كان توجيهاً طائفياً في صالح طائفية الشتامين الحاليين. لاحقاً.. وعندما فشل الإخوان وعندما فشلت مجموعة الزنداني في استقطاب أحمد علي.. وعندما فشل الإخوان في إدخال عناصرهم إلى الحرس، بدأت الحرب ضد الحرس وتواصلت حتى أعمال التشكيك والتخوين التي تمت في السنوات الأخيرة وحتى الآن.
على نفس المنوال، تعامل الرئيس هادي مع قوات الحرس، فحولها إلى "قوات الاحتياط" على طريق تحييدها ودك قدراتها وإهمالها حتى تضمحل ذاتياً.. ودمجوا فيها آخرين غير مؤهلين وأوصلوا لها قناعات بأنه جيش غير مدرب وغير مؤهل وغير ذلك.. عاونه في ذلك أصحاب الغاية الرئيسية من تدمير الحرس في أحزاب المشترك و بالأخص الإخوان.
الرئيس هادي لم يزر قوات الاحتياط إلا مرة واحدة طوال فترة رئاسته.. وحتى زياراته لوحدات عسكرية أخرى محدودة جداً.. وهو سلوك لا يفعله قائد حقيقي خاصة في ظروف كالتي تمر بها اليمن.
كان الإهمال متعمداً وعززه وزير الدفاع السابق محمد ناصر الذي غالباً ما كانت زياراته للمعسكرات زيارات هدم.. في إحدى زياراته لقوات الاحتياط قال لهم أنهم غير مؤهلين! و في زيارات لمعسكرات أخرى وعندما كانت ترتفع بعض الأصوات مطالبة بحقوق لم يكن يسمع لها كي يعمل على إصلاح وضعها، بل كان يشجعهم على المزيد من رفع الصوت والمطالبات كونه حقاً من حقوقهم، ثم يغادر المعسكر وهو في حالة فوضى. ولم تكن تسمية (الحرس العائلي) إلا نتاج فشل محاولات شراء قيادات فيه إبان حراك 2011 والتي كانت تتم عبر طرح مغريات للقادة والجنود تحولت لاحقاً إلى ضغوط متعددة لم تنجح في تحقيق المآرب.
اليوم يطرح الإصلاح في مقترحاته للخروج من الأزمة الراهنة تشكيل جيش جديد خصوصاً لحماية العاصمة صنعاء.. يطرح مقترحه متجاهلاً قوات الاحتياط وإن كان يراهن بعض الإصلاح على قيام نفس القوات بانقلاب ضد الحوثيين ويتمناه ويأمل فيه!
فكرة الإصلاح قائمة على جيش من معسكرات غير الاحتياط ومن كل المحافظات وبالتساوي بينها.. وهي فكرة تبدو للوهلة الأولى منطقية ومعقولة.. إلا أنها منطقيتها تتلاشى عندما يتجاهل الإصلاح إصلاح وضع المجندين الذين حشرهم منذ عام 2012 وأدخلهم في قوام الجيش وتعدداهم ليس قليلاً.. وهو نفس التجاهل الذي قدمه في مقترحاته لمحاصصة وظيفة الدولة ومناصبها وكيفية تقسيمها من جديد وبحيث لا تمس مستوى مدير عام وما دون، لأنه وطوال سنوات زرع جيشاً من مديري العموم ويريد الحفاظ عليه.
فكرة الجيش (العاصمي) الجديد تحدد فترة 45 يوماً لتجهيزه.. ولنتخيل.. جيش مطلوب فرزه (محافظياً) ومن عشرين كتيبة في فترة وجيزة غير كافية . الفترة القليلة هذه تقول أن المعتاد سيكون هو السائد... حيث سيتم في حال مرور المقترح تقديم كشوف جاهزة.. هذا بخلاف عدم وضوح فكرة تبعية تلك الكتائب واحتياجها إلى فترة واسعة لاستيعاب المهام بخلاف الجاهزية التقنية العسكرية. إنها، ببساطة، نفس فكرة تشتيت الجيش العراقي وإعادة تكوينه والتي لم تثمر حتى اليوم رغم مرور 11 عاماً على التفتيت وإعادة التشكيل.
استمرار التخوين الذي دأب عليه شق كبير من القوى الهاوية للسلطة لم يؤت ثماره للبلد طوال ثلاث سنوات بلياليها ونهاراتها.. بل إن الإقصاءات والتخوين دفعت بالبعض نحو غريم المخون والمتهم لغيره بالارتزاق..أمر لا يفعله إلا مجنون شبق للسلطة حين يدين قطاعاً واسعاً من الناس بالخيانة والارتزاق ولا يتعامل معهم على أنهم في الأول والأخير ليسوا سوى أبناء للبلد ولا بديل لهم عن بلدهم.. وفي نفس الوقت يشتغل على ما طابعه ارتزاق وخيانة بدس العناصر الخاصة به هنا وهناك تأسيساً للمشروع الحلم، مشروع الدولة التي لن تأتي إلا بالبدء برمي بذرات الدولة العميقة.
الإقصاء والتخوين أثبتا خبلهما.. والتعامل مع المتوفر من إمكانيات بقايا دولة بمزيد من ذلك الخبل لن يكون دولة ولا جيشاً.. وها هم الحوثيون يكملون ما بدأه الإصلاح وهادي والمشترك وعلي محسن.. وفقط نترقب نتائجه الحصرية.