ربما صار العالم يحتكم إلى نظام عالمي فرضته القوى العظمى التي جعلت من ذلك النظام العام مشروعا ̋ يتجاوز الحدود الجغرافية ويدخل إلى عمق كيانات كل الدول، وبه أتيح المجال لتلك القوى لتستغل ما يسمى بدول العالم الثالث أو القوى الثالثة كسوق تروج لتوجهات النظام العام وفرضه عالميا ̋ وجعلتها منابر إعلامية تبث شعارات سطحية تتوارى خلفها أطماع عميقة من أهمها الحفاظ على النظام الدولي الذي تتزعمه السلطة الأمريكية .. في مقدمة دول العالم الثالث التي تجسد الوسيط الطبقي مملكة آل سعود التي تشتغل في محيطها الجغرافي على قاعدة (وجوب الالتزام بالقرارت الدولية التي تفرضها أمريكا) . حسب إيمانويل والرستينwallristein فإن النظام العالمي الحديث يتكون من ثلاثة عناصر أساسية :
1- سوق واحدة يتم داخلها تقدير الربحية القصوى العالمية وكذا تحديد كمية النشاط الانتاجي العالمي ونظام دفع الأجور ، والسلع، والخدمات، وجدوى الاختراع التكنولوجي وتقنية المعلومات .
2- مجموعة من الدول تتباين في درجة قوتها داخليا ̋ أوخارجيا ̋ في مواجهة الكيانات في الأنظمة الأخرى، وهذه تعتبر أداة النظام العالمي .
3- استراتيجية توزيع فائض العمل على نحو يحقق وجود ثلاث فئات بدلا من وجود فئتين في العملية الاستغلالية .
وبهذا فإن الإمبريالية الثقافية _حسب هربرت شيلر _ تنمو في نظام عالمي ينطوي على سوق واحدة تنتج من خلالها الأيدلوجية الاقتصادية المتضمنة ثقافة تطبيع هيمنة الأقوى .
تطور الاتصالات الثقافية _باعتبارها إحدى أدوات النظام العالمي _ يسعى إلى تيسير تحقيق النظام العام وكذا تحقيق غاياته، بحيث تتدفق المعلومات في اتجاه واحد يخدم احتياجات القوى المهيمنة في النظام العالمي، وبحسب الواقع فإن مركزية النظام العالمي تمثله أمريكا التي تتحكم في اتجاه ذلك التدفق المعلوماتي، فهاهي تجعل من ذلك الكم الهائل من المعلومات مرجعية لها لتقدير مدى التزام الأنظمة الدولية وكياناتها بمنهجية النظام الدولي العام، وهي التي تستغل تلك المعلومات في أنشطتها المخابراتية داخليا ̋ وخارجيا ̋.
بالنسبة لارتباط الوطن العربي بهذا المشروع العالمي فإن مؤشراته تظهر على المستوى الرسمي بصورة واسعة عبر الخطابات الرسمية لدى كثير من أنظمة الدول العربية تحت شعار (( الالتزام بالقرارات الدولية)) ويغيب كثيرا ̋ على المستوى الشعبي ، وأما فيما يخص مساعي فرضه بالقوة فإن دول الخليج العربي بزعامة وقيادة آل سعود تسعى بكل الإمكانيات وبدعم أمريكا (صاحبة المشروع) إلى تحقيقه وتطبيقه على الواقع ، وتمثل هذه الدول الراعي الرسمي لهذا النظام في الوطن العربي حيث يكشف هذه الحقيقة واقع التحالف الخليجي الأمريكي .
بعد أن تمكنت دول الخليج. _ حسب تقاريرها _ من فرض هيمنتها على مستوى الوطن العربي من حيث الجوانب الثقافية والإعلامية والتكنولوجية واتصال المعلومات والاقتصاد عبر الأنظمة والسلطات الخاضعة، وبجهود السفارات والملحقات الثقافية السعودية والخليجية الموزعة في أرجاء الوطن العربي ؛ فإنها تكون قد انتهت من المهمة الأولى التي تمهد لمشروع النظام العالمي الأمريكي ، تليها المهمة الثانية المتمثلة في فرض قرارات ذلك النظام بالقوة وما يحدث اليوم في الوطن العربي ما هو إلا توفير المناخ الملائم أمنيا ̋ واستراتيجيا ̋ لتشكيل أنظمة عربية خاضعة لقرارات نظام مواحد تتبناه أمريكا.
لكي تتمكن السلطات الخليجية على رأسها السعودية من تنفيذ مهمتها تلك بشمولية وبالقوة رأت أن هناك ضرورة ملحة تقتضي منها أن تقوم بالتخلص من التيارات وكذا الكيانات السياسية المؤثرة في الوطن العربي لما لتلك الكيانات من القدرة الشعبية على مناهضة ورفض نظام أمريكا العالمي، كما أنها تسعى _ حسب مزاعمها _ إلى إبادة امتدادات القوى الدولية المعارضة لذلك المخطط الأمريكي الذي يتبناه آل سعود في المنطق العربية .
*ملاحظة هامة: للفائدة في هذا الموضوع .. أنصح بقراءة كتاب (الاتصال والهيمنة الثقافية) - هربرت شيلر