لكلٍ منَّا أن يتحدث عن أبيه كما يشاء . وحين يتحدث المرء عن أبيه بعد أن يرحل عنه ويفارقه فأنه بالتأكيد يسرد مناقبه التي أشتهر بها بين الناس وعرفوه بها . مثل قول الحق والحكمَة وكرم النفس والتسامح والصدق والوفاء والصبر وعفَّة اليد واللسان .. وغيرها من الصفات الحسَنَةْ التي أترك لمن عرفه أن يتحدث عنها باعتبار أن الناس هم الذين يُقَيِّمُون علاقة المرء بهم وعلاقتهم به .. سأحدثكم عن غير هذه الصفات .
سأحدثكم عن شخصية أبي الخاصة .. سأحدثكم عن خفايا وثنايا وأعماق شخصية أبي .. فالولد - كما يُقال - سر أبيه .. سأحدثكم عن رجلٍ لم أسمعه منذ أن وعيت على الدنيا يشكو من أحد . أو يشكو لأحد .
تُذكِّرني شخصيته بصخور جبال قريتنا . قال لي أنا وإخوتي ونحن صغار أن مسؤولية الأب هي أن يُعلِّم أولاده فقط . ولم نَكُن نعرف حينها ما معنى ذلك . ربما ليست طريقة التعليم المعروفة هي التي كان يقصدها . فهذه نشهد له أنه قد أدَّاها بأمانة وإقتدار حين كان يقتسم مرتبه معنا ونحن في دكان صغير استأجره لنا كسكن في حارة بستان المنصور في العاصمة صنعاء .. التعليم الذي كان يقصده هو شخصيته . ظله . مهابته في قلوبنا .. كاريزماه الخاصة ..( القُدْوَةْ ) .. عرفنا منه أن العلاقة مع الله هي أوثق العلاقات . وأن أقوى روابطها هي الخوف منه في العلاقة مع عباده تحديداً ..
عرفنا منه أن المال الحرام حرام . وأن الرشوة حرام . وأن طرق ومعايير الحصول على الأموال ليست مُطلقَة . لم يطلُب من أحدنا مالاً طوال حياته . ورفض أن يصرف عليه أحد منا وهو مقيم في القرية مع والدتي ( حفظها الله ) . وظل معتمداً على مرتبه التقاعدي المحدود .. من أحضر معه مصاريف إلى القرية بدون إذن مُسبق منه فأنه يُلزمه بأخذها معه حين يُغادر .. ومع هذا كله فقد ترك لنا ثروة لا تقدر بثمن . خزائن مملؤة بالحكمة والصبر والتسامح وحب الناس ..
حين قرأت مذكرات غاندي تخيَّلت للوهلة الأولى أن أبي يعرفه جيداً أو أنه يعرف أبي .. شخصية صلبة وصارمة وقوية غير أنها ممتلئة بالإحساس .. في عام 1979 م خرجت معه من جحانه وهو يقود سيارته وكانت السيول تتدفق من الجبال المحيطة بغزارة . أوقف السيارة وفتح أغنية أم كلثوم الدينية القلب يعشق كل جميل وقال لي دعنا نستمتع بهذه اللحظات فهي لن تتكرر ..
قال لنا أن الحُر لا يكذب ولا يخون ولا يخلف وعده .. وعدته ذات يوم وأنا في مأرب أنني سأتصل به في المساء .. ونسيت الوعد . فمكث أسبوعاً كاملاً وهو لا يتحدث معي .. وحاولت ذات مرة أن أناقشه في ما كتبه عبدالصبور شاهين حول خلق أبونا آدم وسجود الملائكة له . في كتابه ( أبي آدم ) .. فقطع النقاش وقال لي : أنا أتّٓبِعُ الذِّكْرْ وأٓخْشٓىٰ الرّٓحْمٰٓن بِالغٓيْبْ .. ( قلبه قلب صبي .. صبره صبر نبي ) كما قال الشاعر ..
هكذا كان منهجه في الأخلاق . وهكذا كان منهجه في العقيدة .. ( في كتابه شهادة من الريف اليمني وفي صفحته على الفيسبوك لمحات منها ) .. فإن جئنا كما كان فمن عند الله ثم من عنده . وإن جئنا على غير ما كان فمن عند أنفسنا .
ولأن مُصابنا في والدنا يهون أمام ما تمُر به بلادنا من أزمات ومحن خلال هذه الفترة .. ومن هذا المنطلق . وتنفيذاً لوصية الوالد ( رحمه الله ) فإننا نعذُر جميع الأحبة من الأهل والغرَّامة والأصدقاء في الداخل والخارج من حضور الجنازة وسيتم إستقبال العزاء يومي السبت والأحد الموافق 8 ، 9 /10 / 2016 م بالقاعة الكبرى بشارع الخمسين ..
سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة . وأن لا يُريهم أي مكروه في عزيزٍ لهم . . وأن يبرم لبلادنا أمر رُشْد إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
محمد علي الرويشان جلال علي الرويشان ناجي علي الرويشان عبدالله علي الرويشان صالح علي الرويشان وكافة إخوانكم آل الرويشان