وظفت الالة الإعلامية السعودية مسألة اعتراض صاروخ أطلقه التحالف “الحوثي الصالحي” من طراز “بركان 1″ باتجاه المنطقة الغربية (الحجاز)، توظيفا ضخما لحشد العالم الإسلامي خلفها بالادعاء بأنه، أي الصاروخ، كان يستهدف مدينة مكةالمكرمة، وفي ظل حالة الاستقطاب الطائفي الذي يسود المنطقة والعالم الإسلامي حاليا، وجد هذا التوظيف بعض الاصداء، ولكنه لم يكن مقنعا للغالبية من المسلمين. بيان التحالف الذي تقوده السعودية اعلن عن “اعتراض” وتدمير صاروخ باليستي على بعد 65 كيلومترا من مكةالمكرمة، اطلقته قوات “الحوثي وصالح” من محافظة صعدة، بينما قال بيان آخر صادر عن السيد عبد الله الزياني، امين عام مجلس التعاون الخليجي “انه يدين ويستنكر بشدة استهداف مكةالمكرمة بصاروخ باليستي”، واعتبر ذلك “اعتداء غاشم يضرب بعرض الحائط حرمة هذا البلد مهبط الوحي وقبلة مليار مسلم حول العالم ويشكل استفزازا لمشاعر المسلمين”.
الحوثيون وصفوا على لسان المتحدث بإسمهم، السيد محمد عبد السلام، هذا التحشيد السعودي بأنه “ابتذال وهذيان اعلامي”، وقال “رغم الجراح لم نستهدف أي منشأة سعودية او مصلحة عامة خلال الصراع فضلا عن الأماكن المقدسة”، ووصف مدينة مكةالمكرمة ب”الغالية على قلب كل يمني ومسلم”.
من يعرف جغرافية المملكة العربية السعودية، والمنطقة الغربية منها (الحجاز)، يدرك جيدا ان القول بأن هذا الصاروخ كان يستهدف مدينة مكةالمكرمة ينطوي على الكثير من المبالغة، واعتراف بيان التحالف بأنه جرى اعتراضه على بعد 65 كيلومترا منها يؤكد احد امرين، اما انه كان يستهدف مدينة جدة، او مدينة الطائف، اللتين تبعدان المسافة نفسها عن مدينة مكةالمكرمةجنوبا وغربا، ولذلك فان البيان الذي أصدره انصار الله الحوثي وقالوا فيه انه كان يستهدف مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدة ربما يكون اقرب الى الدقة.
المسألة الأكثر أهمية وخطورة التي يجب التوقف عندها، في نظر هذه الصحيفة “راي اليوم”، هو وصول هذا النوع من الصواريخ الى مدينتي جدةوالطائف في اقل من عشرين يوما، واعتراف المملكة العربية السعودية رسميا ان الصاروخ الأول مطلع هذا الشهر وصل الى مدينة الطائف، غرب شرق مكةالمكرمة، وكان يستهدف قاعدة الملك فهد الجوية، وجرى تدميره بصواريخ “باتريوت” قبل وصوله اليها.
التحالف “الحوثي الصالحي”، وامام عجزه عن التصدي للغارات التي تشنها طائرات “عاصفة الحزم” السعودية يلجأ الى سلاح الصواريخ، تماما مثلما فعلت ايران، ومثلما فعل “حزب الله” في حربه ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي في جنوبلبنان، ومسألة “التعويض العسكري” هذه، واللجوء الى “البدائل” امر طبيعي ومنطقي.
الحوثيون لسيوا ابرهة الحبشي، يريدون تدمير مكةالمكرمة، وعلي عبد الله صالح ليس ابو طاهر الجنابي القرمطي، الذي اقتحمها وانتزع الحجر الأسود من الكعبة المشرفة، واخذه الى الاحساء واحتفظ به عشرين عاما، فهؤلاء مسلمون، اتفق البعض معهم او اختلف، وكانوا حتى أعوام قليلة مضت حلفاء المملكة العربية السعودية واسرتها الحاكمة، ومدفعيتهم الثقيلة ضد الشيوعية واليسار العربي، سواء في الحرب ضد مصر الناصرية، (الهاشميون في الشمال)، او ضد اليمنالجنوبي الشيوعي، حليف موسكو “الملحدة”.
يأخذ الاشقاء السعوديون على الاعلام المصري تهوره ومغالاته، ولذلك لا يريد الكثيرون لهم ان يقعوا في المصيدة نفسها، وهم الذين تحلوا في معظم الأحيان بالرزانة وطول النفس وعدم المبالغة في توظيف الاعلام بطرق فجة وغير موضوعية، الا في حالات استثنائية محددة، فالعالم بات مفتوحا، يعيش ثورة معلومات، والمتلقي لم يعد غبيا يمكن خداعه وتضليله.
ما يجب التركيز عليه ليس الحديث عن تدمير مكة، وقصفها بالصواريخ، فهذا عمل لو حدث مدان فعلا ليس من قبل المسلمين، انما العالم بأسره، وانما كيفية انهاء هذه الحرب في اليمن في أسرع وقت ممكن، لوقف هذا النزيف الدموي والمالي الذي تعتبر فيه المملكة هي الخاسر الأكبر.
المملكة هي التي اشعلت فتيل هذه الحرب، وهي التي تقصف اليمنيين العزل وتحاصرهم، وهي قادرة على وقفها ان ارادت.