ليس باراك اوباما معارضا لاسرائيل. لا يمكن لرئيس اميركي منذ عقود ان يعارض اسرائيل الا ويسقط او يقتل او تنفجر في وجهه الفضائح. تغيَّر وجه أميركا منذ عقود. ما عاد للمستعربين دور في السياسة الخارجية. صار معظم مستشاري الشرق الاوسط من المؤيدين لاسرائيل. أليس غريبا مثلا ان مارتن اندك المسؤول عن ملف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية حاليا حصل على جنسيته الاميركية فقط عام 1993 وأهميته الوحيدة انه صهيوني جاء من استراليا الى اميركا لنصرة اسرائيل؟ ومع ذلك فان اوباما لم ينفذ كل السياسة الاسرائيلية التي تزداد تطرفا عاما بعد آخر. هاجس اسرائيل المركزي هي ايران وحزب الله. وهاجس اميركا هو امن اسرائيل . تريد اسرائيل ان لا تكتفي واشنطن بخنق ايران اقتصاديا وتطويقها وتفجير الصراعات المذهبية في وجهها، وانما تسعى للقضاء على برنامجها النووي بالكامل. لم ولن يغامر اوباما بذلك ليس حبا بايران ولا لانه قال ان عصر الغزوات العسكرية ولى ولكن بسبب القلق الكبير من ترسانة ايران ومن قدراتها العسكرية هي وحلفائها، فاختار طريق التفاوض عبر ما تسمى ب مفاوضات 5+1 . لم يكن السيد حسن نصرلله يمزح حين قال هذه المرة سندخل الى فلسطين. ولا اسرائيل اخذت كلامه على محمل المزاح . حين سعى بعض مستشاري اوباما لازعاج اسرائيل في قضية المستوطنات في القدس الشرقية واعتبروا انها تدمر عملية السلام. اضطر البيت الابيض لاحقا للتراجع عن الامر ففرخت المستوطنات كالسرطان. ويذكر العالم كيف وقف اعضاء الكونغرس الاميركي يصفقون طويلا لبنيامين نتنياهو كما لم يفعلوا لرئيس اميركي رغم تنافره الشخصي آنذاك مع أوباما. كانت رسالة الكونغرس واضحة: ان ولاءنا الاول هو لاسرائيل. الآن وقد اشتد صراع المحورين الدوليين على سورية وفي سورية، تجد اسرائيل الفرصة مناسبة للقضاء على اوباما والاتيان برئيس اكثر ميلا لمغامراتها العسكرية ولجنونها الحربي. لا بد اذا من دفعه نحو الحرب. فان نجح في العدوان يكون قد قضى على حليف استراتيجي لايران ( وهذا يبدو صعب المنال) ، وان فشل فسوف يدفع ثمن الفشل. وفي المعلومات ان اسرائيل تضغط بهذا الاتجاه مع الكونغرس الحليف لها، لان ايران بدأت تستعيد دورها الاقليمي والدولي. فهذه بريطانيا سوف تستعيد العلاقات الدبلوماسية معها في مدة قد لا تتجاوز الشهرين. والوفود الاوروبية تتقاطر عليها، وواشنطن ترسل لها العروض التي لا تزال تصطدم بامرين ، اولهما رفض اي تسهيل اي تسوية سلمية مع اسرائيل، وثانيهما القبول بصفقة للتخلي عن الرئيس بشار الاسد. وفي المعلومات انه في آخر مفاوضات بين ايران والغرب، اقترح الاميركيون صفقة كاملة مفادها القبول ببقاء الرئيس الاسد والقبول ايضا ببقاء النظام السوري ومؤسساته مع ادخال جزء من المعارضة " المقبولة " والعمل على انهاء المعارضة المسلحة، مقابل عدم ترشح الاسد في العام المقبل وعدم اعاقة عملية التفاوض الفلسطينية الاسرائيلية.كان الجواب ان كل ما يتعلق باسرائيل مرفوض وان الاسد يترشح لان له الحق وان فاز فيكون شعبه قد اختاره وان بالامكان توفير لجنة مراقبة انتخابات دولية . رفض الاميركيون وقالوا ان ترشح قد يفوز. الان العروض تتجدد. لم يكن بالصدفة ان ترفع ايران الصوت عاليا . كل قادتها العسكريين من وزير الدفاع الى رئيس الاركان الى مساعده الى قاسم سليمان قائد فيلق القدس والقيادي في الحرس الثوري والذي يشرف على الملف السوري بدقة منذ بداية الازمة، كلهم قالوا ان شنت اميركا عدوانا فسوف تلتهب الارض تحت اقدامها ويشتعل الشرق الاوسط وتدمر اسرائيل. لم يجد الغرب خيارا سوى اخذ التهديدات على محمل الجد وتجديد العروض السياسية. الان بازار العروض في ذروته. بريطانيا تعيد العلاقات. خافيير سولانا مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي كان نزيل فنادق طهران قبل فترة. فد من الخارجية السويسرية هناك. وفود امنية وسياسية اوروبية تتقاطر تقريبا كل اسبوع. الخط الاحمر الايراني تماما كالخط الاحمر الروسي واضح : لا مجال مطلقا للبحث في اسقاط النظام، ولا حل الا سياسيا يكون الاسد جزءا منه . تشعر ايران ومعها روسيا والاسد وحزب الله ان محورهم وجه صفعة استراتيجية كبيرة لاوباما حين تراجع وربط قرار العدوان بالكونغرس. لكنهم في الوقت نفسه يدركون انهم ربحوا جولة وليس الحرب . لا يزال البازار مفتوحا على كل الاحتمالات بما فيها العسكرية ، وبما فيها العدوان ، لكن المعلومات المتوافرة في خلال اليومين الماضيين تؤكد ان اوباما يبحث عن مخرج لعدم التورط في العدوان وان العروض السياسية اكثر من ان تحصى. من المخارج التي تم درسها بدقة، اقتراح روسي اميركي لم تكن ايران بعيدة عنه، يقضي بان يتولى النواب الروس التشاور مع الكونغرس لاقناعه بعدم اعطاء الضوء الاخضر للعدوان . هنا بالضبط يعود دور اسرائيل. الكونغرس لن يحيد مطلقا عن رغبات القادة الاسرائيليين، وهو حائر حاليا بين الدفع صوب العدوان وهو يدرك ان ذلك قد يدمر اسرائيل هذه المرة لان الحرب ستكون مفتوحة على مصراعيها، وبين التراجع والقبول بخسارة استراتيجية امام ايران وحلفائها فيضعف اسرائيل. ولكن في الحالتين يبدو ان اسرائيل قررت فعلا القضاء على اوباما، فهل ينقذه الروس مقابل صفقة اوسع ؟؟؟؟ ولا يمكن فهم الاندفاعة السعودية صوب الحرب والتي عبر عنها وزير الخارجية الامير سعود الفيصل في آخر اجتماع لوزارء الخارجية العرب في القاهرة، سوى من باب القلق من ان تربح ايران وحلفاؤها المعركة. لو حصل ذلك فان المشهد في الاقليم قابل للتغير. ثمة قيادات قد تتغير، واخرى قد تفقد دورها وثالثة قد تصبح في وضع لا تحسد عليه. وفي المعلومات ان الخلافات التي ظهرت امام الكاميرات بين الفيصل ووزير الخارجية المصري نبيل فهمي، اخفت خلافات اكثر عمقا في خلال الاحاديث بينهما في اروقة الجامعة، فثمة دول عديدة في الجامعة لا تريد ان تكون غطاء للعدوان على سورية رغم معارضتها للاسد. باختصار ان اوباما وضع نفسه وحلفاءه في فخ كبير . لا التقدم صوب الحرب مضمون ولا التراجع الكبير ممكن. فماذا سيفعل الكونغرس في 9 الجاري . بالاحرى ماذا ستفعل اسرائيل عبر الكونغرس ؟