آخر تقليعات حكومة الوفاق الوطني هو هيكلة الجهاز الإداري للدولة على الطريقة الماليزية واستقدام خبراء ماليزيين لهذا الغرض. قبلها بشرتنا الحكومة بتنظيم زيارات خاصة لتركيا للاستفادة من تجربتها في الحكم المحلي، وقبلها ذهب وزير العدل للاستفادة من تجربتها في القضاء ومنذ شهور توجه رئيس اللجنة العليا للانتخابات إلى كينيا للاستفادة من تجربتها في هذا الجانب، وطالما حدثتنا وزارتا الدفاع والداخلية عن استفادتهما من التجارب الأردنية والأمريكية والألمانية في هيكلة القوات المسلحة والأمن، وبالنظر إلى مجموع التجارب التي تقول الحكومة إنها تسعى للاستفادة منها نجد خليطاً غير متجانس لا يتأتى معه الخروج بأية فائدة من التجارب مجتمعة ولا من أية تجربة على حدة. فالتجارب المستلهمة إما مختلفة بذاتها عن الواقع اليمني أو متباينة فيما بينها ولا يمكن تطبيقها مجتمعة إلا إذا افترضنا أن كل وزارة أو مؤسسة دولة مستقلة ذات سيادة لا منظومة حكم في دولة واحدة، فماليزيا مثلاً هي اتحاد فيدرالي له إضافة إلى خصوصيات أخرى مستويان للحكومة، وهيكله الإداري قائم على هذا الأساس وغير قابل للتطبيق على دولة بسيطة (موحدة) ذات مستوى واحد للحكم كاليمن، وحتى لو فرضنا أن ما تقوم به الحكومة هو من قبيل الاستعداد ليمن فيدرالي، فإن شكل الفيدرالية الماليزية يقوم على خصوصيات جغرافية وديمغرافية تجعله آخر النماذج الفيدرالية التي يمكن استلهامها واحتذاؤها في تجربة فيدرالية يمنية. وإذا كانت الحكومة مصرة على النموذج الماليزي في الإدارة فلماذا يذهب المحافظون ووزراء العدل لاستلهام التجربة التركية في الحكم المحلي والقضاء المغاير تماماً لماليزيا، ولماذا يذهب رئيس اللجنة العليا للانتخابات إلى كينيا المغايرة أيضاً للنموذجين السابقين، ولماذا يتولى هيكلة الجيش والأمن أردنيون وأمريكان؟! وقبل هذا وذاك فإن كل استفادة تحتاج إلى أرضية تشريعية واليمن يمر بمرحلة انتقالية مهمة الحكومة فيها إدارة البلاد بشكل مؤقت وفقاً للدستور اليمني والمنظومة التشريعية القائمة عليه، ووفقاً لمبادرة التسوية السياسية، ولا يمكن في ظل ذلك الاستفادة ولا استلهام أية تجربة. لقد استلهمنا الاشتراكية من قبل دون برجوازية أو إقطاع، وأقمنا المؤسسات الدعوية في مجتمع كله مسلم، وأعلنت الديمقراطية بقرار فوقي، ولكن رغم ذلك كله لم نصل إلى مرحلة اختزال العالم في دولة وحشد الأضداد من الأنظمة والتجارب في سلة واحدة، ونبلغ هذا المستوى من العثة والعبثية إلا في عهد حكومة الوفاق الوطني. *صحيفة اليمن اليوم