كل الأحداث التي وقعت مؤخرا وتقع حاليا تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الدولة المصرية في غياب تام ،وأن القائمين على إدارة هذه الدولة أصابهم الشلل والجمود في الحركة والتفكير ، وأصبحوا عاجزين على إدارة مرافقها . فكوارث القطارات المتعددة من الفيوم إلى أسيوط إلى المنيا إلى البدرشين إلى أرض اللواء تثبت أن مصر في غياب، انهيارات العمارات المتكررة في الإسكندرية والدقهلية والغربية ..الخ تثبت أن مصر في غياب، قطع شريط السكك الحديدية وخطوط المترو والطرق والكباري المتكررة تثبت أن مصر في غياب، محاصرة منشآت الدولة الحيوية ومقرات الأحزاب والصحف تثبت أن مصر في غياب. أعرف أن نظام الرئيس السابق حسني مبارك ترك لنا البلد "خربانة" وتحتاج إلى إعادة إصلاح من جديد ولم يهتم أبدا بمشاكل الناس وباهتماماتهم ولا بتطوير الوطن أو إصلاحه، وأعرف أيضا أن الرئيس محمد مرسي ورث تركة ثقيلة جدا من هذا النظام، ومؤسسات دولة معظمها فاسدة ومخوخة ، وبنية تحتية منهارة، إلا أن الرئيس مرسي وبعد مرور سبعة أشهر من حكمه لم يظهر علينا ويعلن عن خطة واضحة لإعادة إصلاح هذه المؤسسات مرة أخرى، أو رؤية لحل المشكلات والكوارث التي تركها لنا نظام حسني مبارك، أو خطة لتطوير مرافق الدولة الحيوية كالسكة الحديد مثلا ،أو خطته للنهوض بالخدمات التعليمية أو الصحية، أو مخاطبة الشعب المصري بحقيقية الموقف على أرض الواقع في كل قطاعات الدولة لاسيما الحيوية منها والتي تمس حياة المواطن البسيط ووضعهم في الصورة بدلا من خداعهم بأوهام لا وجود لها. ولكن مع كل كارثة تقع كان يحمّل مسؤوليتها للنظام السابق الذي أصبح الشماعة التي يعلق عليها كل الأخطاء وكل الفشل ، حتى برنامج المائة يوم الأولى الذي أعلنه الرئيس مرسي عندما كان مرشحا للرئاسة واختاره الشعب على أساسه لم يتحقق منه شيئا على الإطلاق ، ومشروع النهضة الذي كان شعار الحملة الانتخابية له تبين أنه مشروع فكري ليس له وجود من الأصل. فالناس تحتاج إلى من يبعث في نفوسهم الأمل والتفاؤل ، وتحتاج أن ترى أي نقطة نور في نهاية النفق المظلم حتى وإن كانت صغيرة ، تحتاج أن ترى أحوال معيشتهم تتغير وتتحول إلى الأفضل وأن ثمة تغيير يحدث في البلد ، تحتاج أن ترى أهداف ثورة 25 يناير تتحقق في العيش بحرية وبكرامة وبمساواة واحترام للقانون والقضاء على الفساد والمحسوبية. إن أغلب المصريين يشعرون بأن شيئا لم يحدث وأنهم مازالوا يعيشون في عصر حسني مبارك ، وأن الأحوال تتغير من سيء إلى أسوأ بعد مرور عامين من الثورة المصرية التي بهرت العالم ، وأنهم أمام إعادة للنظام السابق في ثوب جديد ، نظام يستأثر بالسلطة ، لا يريد تحقيق إلا مصلحة شخصية ولا يعبأ ولا يهتم بعموم الناس وكأنهم مواطنون في دولة أخرى، نظام جاء لينتقم من معارضيه وتصفية حسابات مع النظام البائد. على الرئيس محمد مرسي أن ينتشل الوطن مما هو عليه الآن وأن يستعيد الدولة المصرية من جديد التي غابت ودخلت في غيبوبة حادة، وأن يكون رئيسا لكل المصريين الذين انتخبوه منهم والذين لم ينتخبوه وليس رئيسا لجماعة الإخوان المسلمين، وعليه أن يعلم جيدا أن الشعب المصري لن يرضى بالفساد و الظلم والاستبداد مرة أخرى تحت أي مسمى وإلا سيقوم بثورة جديدة أشد عنفا وضراوة تقضي على الأخضر واليابس. * كاتب مصري