"المنتصف" – عصام السفياني:- عقد المؤتمر الشعبي العام لقاءات تشاورية في عدد من المحافظات شمالا وجنوبا، غير أن اللقاءات التي عقدت في جنوب اليمن مثلت نقطة تحول حقيقية في نهج وأداء قيادات المؤتمر الشعبي العام المخنوقة بمركزية القرار وموسمية النشاط والتحرك التنظيمي. كان مقررا ان يتم لقاء تشاوري واحد فقط لقيادات المؤتمر الشعبي العام في محافظات جنوب البلاد ولم تكن فكرة التعميم على المحافظات الأخرى واردة، حيث أن القضية الجنوبية هي محور اللقاء الذي اعد له ونسق على مدى أشهر القيادي في المؤتمر وعضو اللجنة العامة أحمد الميسري. غير أن الرئيس عبد ربه منصور هادي استطاع التأثير على قيادات بارزة في المؤتمر لتجاوز فكرة اللقاء الواحد لمؤتمريي الجنوب والذي تمت كل اللقاءات التنسيقية لعقده دون إشعاره بها، كون المؤتمر احد مكونات جغرافية الجنوب وبالتالي عليهم تحديد موقف من القضية الجنوبية وتجاوز فكرة الحزب الحاكم . مكث المؤتمر كحزب بعد خروجه من سلطة الحكم المطلقة بموجب المبادرة الخليجية يتعامل مع القضية الجنوبية بطريقة مبهمة وغير محددة ولم يستطع الفكاك من عقدة مشاركته في تعقيد الوضع في الجنوب من خلال وجوده على رأس هرم السلطة وتحكمه بمفاصل صنع القرار لفترات متفاوتة وحيدا وأخرى شريكا . ورغم تحرك كل القوى السياسية لترمي بثقلها واستثمار أوراقها في الجنوب بما فيها حزب الإصلاح الذي ينظر إليه في الجنوب باعتباره الخصم الأول للجنوبيين لأنه صاحب الغطاء الديني للحرب في 1994 والتي مهدت الطريق لخلق وضع مختل في محافظات الجنوب قائم على إلغاء مبدأ الشراكة وبسط سيطرة الطرف الأوحد والذي هو المنتصر في الحرب . ويملك المؤتمر قاعدة عريضة في الجنوب غير أن الأداء التنظيمي الفاشل عمل على تغييب هذه الشريحة المهمة في التكوين السياسي اليمني وجعل من كوادر المؤتمر مسئولي سلطة فاسدين منذ بعد الحرب، وأخيرا تحولوا الى أنصار للحراك لمواجهة رغبة الإخوان المسلمين في السيطرة على كل المساحات الفارغة التي أحدثتها عملية نقل السلطة للرئيس هادي وخروج المؤتمر من الحكم المطلق . استطاع الميسري ومعه عارف الزوكا القياديان في المؤتمر إجبار الرئيس عبد ربه منصور هادي على العودة لمربع المؤتمر بعد أن كان بدأ ببناء حلقة نفوذ له في الجنوب مكونها الأساسي رفاقه المحسوبون على جغرافية منطقته وبعض الموالين الذين نزحوا معه إلى الشمال عام 86 م . وللمرة الأولى منذ وصوله بانتخابات توافقية إلى القصر شعر الرئيس هادي انه مجبر على التدخل بطريقة سريعة في قضية لم يعمل لها حسابا ولم تدخل في خانة ترتيبات الإدارة لديه وللمقربين منه في الجنوب، حيث تدخل بكل ثقله ليكون له دور ووجود في اجتماعات مؤتمريي الجنوب بعد أن شعر انه مهدد في مسقط رأسه بتمرد حزبي على طريقة إدارته قاده اثنين من قيادات الحزب الشابة وجدت طروحاتهما صدى كبيرا في أوساط شرائح المؤتمر بالجنوب. في تعامله مع ملف القضية الجنوبية اغفل الرئيس هادي أوراقا كثيره كان من شأنها تسهيل مهمته في إجراء حوار وطني ناجح وبأقل مسببات الفشل ومن هذه الأوراق المؤتمر الشعبي العام كحزب له حضور اجتماعي وسياسي في الجنوب وذهب الى البحث عن خيارات معقدة على شاكلة محمد علي احمد والإخوان المسلمين، حيث استطاع هادي تسجيل اختراق في صفوف الحراك لصالح مؤتمر الحوار الوطني بقيادة محمد علي احمد الذي بنى تيارا حراكيا عينه على إرضاء الرئيس وقلبه مع مطالب الجنوبيين . وقد مثلت كلمة الرئيس هادي في اللقاءات التشاورية دليلا على ارتباكه وعدم قدرته على التخاطب مع قيادات حزبه بلغة تنظيمية صرفة، حيث حملت كلمة هادي هما عاما وكأنه يلقي خطابا في مناسبة وطنية وليست حزبية تناقش قضية مهمة تقوم عليها مرتكزات بناء اليمن الجديد . ومن يتابع كلمة الرئيس هادي سيكتشف كيف خلت من أي اشارة لها علاقة بعقد اللقاءات التشاورية في الجنوب تحديدا والنشاط الذي سجله المنسقون للقاءات وكيف كانت المبادرة الخليجية وزيارته للخارج وغيرها من الإشارات ذات الطابع العام هي ما حملته الكلمة. ورغم ان هادي استطاع تسجيل حضور في لقاءات الجنوب وخصوصا لقاء عدن الا أن هذا الحضور كان بعلاقته الشخصية من حلقة المقربين منه وبنفوذه كرئيس وليس كأمين عام لحزب كان حتى قبل شهور هو اكبر الأحزاب تأثيرا ووجودا في الساحة اليمنية بحكم سيطرته على مقاليد السلطة. وحملت كلمة هادي رؤيته للقضية الجنوبية والتي دأب على ترحيلها إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي مازالت غالبية القوى الجنوبية ترفض المشاركة فيه حتى اللحظة حين دعا اللقاء التشاوري إلى انتظار مؤتمر الحوار الوطني الذي سيبحث حلا للقضية الجنوبية وكأنه أراد أن يقول للمؤتمريين اتركوا أي نشاط حاليا وانتظروا مخرجات مؤتمر الحوار بل ادخلوا الحوار بدون رؤية موحدة لحل القضية. وفي كلمته التي ألقاها باللقاء لفت مهندس لقاءات مؤتمريي الجنوب احمد الميسري إلى أن المؤتمر الشعبي العام مع حق الجنوبيين في حل عادل للقضية الجنوبية واعتبر الوقت الحاضر الفرصة التاريخية المناسبة لحل القضية الجنوبية ودعا الجنوبيين إلى الاتفاق حول ما ينبغي القيام به تجاه معالجات وحلول القضية الجنوبية، ونبذ التشتت والاختلاف فيما بين القوى السياسية الجنوبية . وقال الميسري إن كل فريق يدعي أحقيته في تمثيل الجنوبيين ويسعى لفرض رؤيته للحل ويرفض حتى النقاش في رأي غيره وفي ظل هذا التمزق والتنافر للقوى الجنوبية فإن الصعوبات تزداد في طريق الحل الأمثل للقضية الجنوبية وهذا يمثل نكسة لأبناء الجنوب إذا استمر الحال على ما هو عليه. وانتقد الميسري استمرار ثقافة الإقصاء التي تتحكم في نظرة القوى الجنوبية لبعضها رغم ما سببته من معاناة ومآسٍ للجنوبيين منذ ما بعد الاستقلال من الاستعمار البريطاني، وأشار إلى أن مشكلة الجنوب وجدت منذ ما بعد الاستقلال وتراكمت طوال مراحل المنعطفات السياسية التي عصفت بالجنوب حتى الدخول في الوحدة اليمنية عام 1990م وترحيل قادة الحزب الاشتراكي كل المآسي للجنوبيين إلى العصر الجديد لليمن الواحد دون أن يقوم بمعالجة ما خلفته صراعات الماضي الجنوبي والتصالح مع الجميع وطي صفحة الماضي الأليم. وأضاف الميسري انه عندما شعر المؤتمريون أن القوى الجنوبية ستعيد إنتاج الماضي باتباعها الأساليب الجديدة ولكن بالثقافة القديمة، أعلنوا انه حان الوقت لتحديد الموقف للجنوب وللقوى السياسية جميعها. وقال الميسري، بلغة حملت الكثير من القوة والثقة، " إننا جزء من هذه الجغرافيا التي تتحدثون عن تحديد مصير أهلها، وإننا قوة سياسية كبيرة ممتدة لكل المراكز والمديريات ولنا أنصار كثيرون ، وما نراه يدور حول قضية الجنوب نعتقد أنه لا يخدم بالمحصلة النهائية القضية الجنوبية ويضع العراقيل في طريق حلها العادل والمنصف". وحذر الميسري أبناء الجنوب أن "من يمنحهم أحلاماً في الهواء لن يحصد لهم إلا السراب، وأن الحلول الواقعية والعقلانية والجادة هي الوحيدة التي يمكن لها أن ترى النور معتبرا حل القضية الجنوبية لن يأتي إلا بتوافق أبناء الجنوب واقتناع كل القوى الجنوبية أننا جميعاً شركاء، وعلينا أن نتخذ من الماضي ومآسيه عبرة". وخرج اللقاء التشاوري للجان الدائمة المحلية لمحافظات: (عدن، أبين، لحج، شبوة، الضالع، جامعة عدن) ببيان ختامي حمل تأكيدات مهمة على عدد من القضايا في الساحة الجنوبية والوطنية، حيث أكد المجتمعون أن القضية الجنوبية هي قضية كل الجنوبيين بمختلف انتماءاتهم السياسية وانهم سيتقدمون الصفوف في سبيل ايجاد حل عادل بما يلبي آمال وطموحات أبناء الجنوب ولا يحق الوصاية من قبل أي مكون أو رمز سياسي أو اجتماعي في المعارضة أو السلطة. وأقر اللقاء الذهاب إلى الحوار الوطني كونه هو السبيل الوحيد للحصول على حل عادل ومرضٍ للقضية الجنوبية وأي بديل آخر غير الحوار يعد ضياعاً لحقوق الجنوبيين جميعاً مما يعني السير بأبناء الجنوب إلى مستقبل غير مأمون ويحتمل كل الخيارات المخيفة. ودعا البيان الجنوبيين في كل القوى السياسية للتنسيق لكل ما من شأنه خدمة القضية الجنوبية بما ينسجم مع متطلبات الواقع ومقررات المجتمع الدولي وبما يخدم أبناء الجنوب ويحقق لهم مستقبلاً آمناً وزاهراً بعيداً عن الإقصاء والتهميش لكل المكونات السياسية وبقية فئات المجتمع والقوى الصامتة والمستقلة. ومن خلال النقاشات التي دارت في اللقاء تبين ان قيادات المؤتمر وأنصاره في الجنوب شأنهم ككل الجنوبيين مختلفين في طريقة حل القضية الجنوبية، غير ان الجميع في المؤتمر متفقون على ان تتم المعالجات تحت سقف الوحدة مهما اختلفت طرق الحل والخيارات المطروحة . وبرزت في اللقاء أصوات تطالب بدعم حق الجنوبين في استعادة دولتهم وأصوات أخرى تطالب بدولة فيدرالية وهي الغالبية من المشاركين، كما ان هناك انتقادات وجهت لطريقة تعاطي الرئيس هادي مع القضية الجنوبية ودعمه غير المحدود لأطراف تعمل على تعقيد الوضع وتقزيم فرص الحل بالنسبة للقضية الجنوبية. بعد لقاءات المؤتمر في الجنوب ستتغير رؤية الرئيس عبد ربه منصور تجاه وضع حزبه ومكانته في التأثير على واقع القضية الجنوبية بعد ان كان فقد الامل في قدرة أي قيادي جنوبي على الخروج بموقف موحد لفروع المؤتمر في جنوب اليمن وبذلك سيتعامل هادي مع قيادات فروع مؤتمر الجنوب كأوراق جديدة يمكن ان تضاف الى سلة المساندين لمؤتمر الحوار الوطني من الجنوبيين. ويحسب للقيادي احمد الميسري وعارف الزوكا ومن خلفهم ومعهم من قيادات المؤتمر نجاحهم في إحداث تحول في رؤية الرئيس تجاه حزبه وإعادته إلى مربع الاتكاء على الحزب في أي مناورة قادمة وعدم الذهاب بعيدا في مساوماته مع أطراف القوة في صنعاء.