(خط المنتصف)* لم يكن لينقصنا سوى اندلاع جبهة اقتتال بيني في دماج ليكتمل تنوع تلك المنازلات الحمقاء التي تغوص بالبلاد في أعماق غائرة بالجراح والأوجاع، تتكرر مشاهد المنازلات السمجة لتضعنا في دائرة مغلقة من الشتات والتنافر، الاقتتال في دماج يمثل حالة من ذلك الهبل والضياع الذي أخفقنا في إحجامه والحد منه. كم تبدو الكتابة ثقيلة وباعثة على الكآبة ونحن نمضي بلكنة متعثرة وخجولة للإقرار بوجود اقتتال سني شيعي، الأمر برمته غير متيسر للقبول وليس ضمن مسار الاستيعاب البسيط، إنه دخيل على مجتمع ملتزم باعتدال ومحافظ بوسطية، فضلاً عن كونه منهكاً وشديد الإرباك، ما يجعل الأمر أكثر تداخلاً وتشابكاً أننا نعيش بيئة قابلة لتخصيب حسابات سياسية شريرة لا أول لها ولا آخر، إنها تعمل على تغذية هذا النوع من الصراع عبر منافذ دينية ووسائل إغداق مُغرية. تتسلل إلينا الانفعالات الطائفية وتحتشد بضراوة كلما كانت دماج حاضرة كساحة مواجهة محتدمة تأبى الانصياع لمنطلقات الاستجابة السياسية والأخلاقية وحتى الشراكة الوطنية، إنهم يغمسون أنوف معتقداتهم الدينية في الوحل.. نحن أمام نزال همجي رخيص، جميعهم يتنادون بصرخات "الله أكبر"، ومن فوهات المدافع والرشاشات الآلية يسقطون كل حرمات الله، مهزلة أن نتوغل في إهدار الحياة لمجرد التشبث بأفكار ماضوية ومذاهب دامرة لم تعد صالحة للتنافس أو حتى التباهي بها كفكر فلكلوري ديني. يسبقنا الآخرون بمئات السنين فيما نحن نهرع إلى الخلف بسرعة الجنون لنجلب من القرون الهجرية الأولى أسوأ صور الطائفية وأكثرها مأساوية، نتحدث عن بدعة التراويح وسب الصحابة وطريقة الوضوء ونجادل في أحقية الولاية حد الفجور، نسن الرماح ونشحذ الهمم ونستبسل في المعركة لننتصر لصحابي بعينه من صحابي آخر بعد قرون تعاقبها الزمن، ولا أدري إن كان علي أو عمر أو معاوية أو الحسين أو أحدهم سيأبه لما نفعل، يا الله كم نبدو مخبولين وسذجاً للغاية ونحن نمضي في استنساخ خطايا تاريخية لنتمثلها بصيغة مطورة تتسق مع الألفية الثالثة وثورتها التقدمية. جدير بنا أن نجد مأوى أثرياً لنضع فيه كل موروثاتنا الخلافية الدينية والنزعات التسيدية وكلما أخذنا الحنين إليها يمكننا زيارة أطلالها والتباكي عليها في متحف محكم الإغلاق وغير قابل للتسريب، سيكون الأمر لائقاً بدلاً من هذه الحماقة وهذا الانجراف الذي تذكيه أفكار مثخنة ومستعرة، إننا نعيش واحدة من أكثر الحماقات خطورة، ولربما سيترتب عليها الأذى لشكل حياتنا الآمن. التاريخ لا يعيد نفسه نحن من يكرر حماقات الماضي بطريقة تبعث على الاشمئزاز والاستفزاز أيضاً. إنه جنون وعبث محض. [email protected] * أسبوعية "المنتصف"