غموض الأحداث يحكي أن المؤامرة وراءها جهات من الصعب اتهامها 16 مسلحاً اقتحموا المنطقة العسكرية الثانية وأقل منهم اقتحموا "الدفاع" بأكملها تقرير 24 ساعة متمّم ومكمِّل لخطة الغزو الإسلاموية على اليمن اثنا عشر مسلحاً، بالتأكيد لم يأتوا لتنفيذ انقلاب إلا في حالة واحدة، وهي، أيضاً، صعبة ولا تحدث إلا في حالات نادرة في التاريخ، وهي عندما يكون استهداف الرئيس سهلاً للغاية أو آخر شيء يمكن تحقيقه، باعتبار الانقلاب الذي يبدأ باغتيال الرئيس إنما هو الحلقة الأخيرة بعد السيطرة على كافة المفاصل والمحاور الشاملة والكاملة للانقلاب ويتبقى فقط الجزئية الأخيرة وهي جزئية إعلان الانقلاب عملياً باغتيال الرئيس نفسه. فهل كان الرئيس ضحية سهلة وهو في مقر يعد المقر "رقم 1" بعد دار الرئاسة في اليمن، فبحسب معلوماتي عن هذا المجمع خلال زيارة قمت بها سنة 2009 فإن هذا المبنى يداوم فيه الرئيس باستمرار كونه المركز الحيوي الفعلي لتسيير أمور أمن الدولة والجيش والشؤون السياسية والإدارية التي أحياناً تسير من هناك، وهو يحتوي على مجمع دفاعي متكامل ومن المستوى الرفيع جداً بما فيها مقر مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة. ومقر وزير الدفاع مباشرة، حتى المشفى هو مشفى خاص جداً وسري بعض الشيء ولا يعلم الكثير به ولا يدخله إلا الرئيس ورئيس الحكومة وبعض الوزراء وأقاربهم المحددين والدخول إليه يحتاج لتوجيهات عليا وخاصة من جهات مسؤولة وكبيرة، باعتباره مركزاً خاصاً بالشخصيات الحساسة في البلد. وليس مفتوحاً لموظفي الدولة والجيش والأمن لمن هم دون الدرجة الأولى. إذاً، فكل الأمور المعقدة في عملية الدخول لأهم مركز دفاعي في الجمهورية وحتى المشفى الخاص بها، لايمكن تجاوزها بهذه السهولة، مهما بلغت الظروف حدها الأدنى من الإهمال، لأن الإهمال سيكون للحظات فقط، واقتحام قلعة كبيرة يحتاج لدراسة كل من فيها والتوصل لأطراف بداخلها للمساعدة باقتحامها، لاننسى أن الجهات المكلفة بالحماية للمجمع ليست مقتصرة على وحدة عسكرية تابعة لقائد أو لواء معين، بل إنها تحوي وحدات هي من أبرز الوحدات العسكرية ويتحكم بها جميعاً طاقم إداري مركزي واحد غالباً ما يكون الحماية الرئاسية الجسدية الخاصة بالرئيس التي تشرف على تحركات الرئيس. ما نعنيه، هنا وبما لا يدع مجالاً للشك، أن عملية اقتحام تختلف عن عملية هجوم من خارج الأسوار، والأخيرة يمكن بلعها بصعوبة، أما الأولى فلا يمكن بلعها أبداً بتقرير 24 ساعة الذي قدمته مؤسسة الرئاسة للشعب، المعنى المهم والحيوي هو أن هذه الحادثة المحرجة للدولة والحكومة والجيش والأمن والشعب بما أنها عملية اقتحام فإنها تعني غزواً، وعملية الغزو لاتأتي إلا وفق خطط وأهداف مرسومة ودراسة شاملة وكاملة بالمكان والعناصر المتواجدة والمتعاونة مع الغازي، ولأن في الأمور صعوبة نظراً لحساسية المكان فإن أكثر ما يثير شهية الغازي هو وجود طرف مستعد للتعاون معه من الداخل، يكون هذا الطرف هو الأعلى مكانة وتصرفاً وقدرة بين الأطراف المشابهة له في العمل والوظيفة والمكانة والخبرة والدراية الكاملة، واهم شيء أنه يمتلك القرار الفوقي لتوجيه وإصدار قرارات من شأنها تسهيل المهمة بإزاحة بعض العراقيل من هنا أو عمل شيء هناك مثلاً، وهذا يحتاج شخصية قوية وصارمة لا يسألها أحد عن القصد والغرض، وتنفذ أوامرها مباشرة دون تفكير ودون اعتراض، وبحسب كل تاريخ الانقلابات والتآمرات والحروب فإنه في الغالب ما يكون معروفاً عنها الدموية، وفي حالة فضحها فإنها لا تُعاقَب بل تُعاقِب من يفضحها دون تردد ودون قلق وخوف وبالتالي على الجميع أن يلتزم الصمت وينفذ دون النطق بحرف. من هي هذه الشخصية المتمتعة بكل هذه المواصفات والامتيازات، والتي تتجاوز امتيازات رئيس الجمهورية وحتى وزير الدفاع نفسه؛ كونها تجمع بين الإجرام والإدارة في نفس الوقت؟؟ تدقيق بسيط يدفعنا إلى التأكد من تورط جهات داخلية في العملية، وهذه الجهات في الواقع تعمل فوق الرئيس وتعتبره موظفاً عندها لا أقل ولا أكثر. وبالتالي فإذا ما قررت التخلص منه فإنها تفعل ذلك بارتياح وإن فشلت وكان القدر والحظ حليفه فإنها لن تتوقف عن الانتقال إلى الخطوة التالية والثالثة والرابعة و.. الأخيرة!! معرفة الشخصية وهويتها مهم في تجنيبنا الكثير من الأخطاء والكثير من التحليل، ولأننا لا نحب أن نغلق العقل عن التفكير فإننا ملزمون أن نتمكن من التعرف على أهداف الفاعل. ومعرفة الأهداف لا تعني التعرف على الفاعل فقط، بل وتعني إمكانية الحد من أهدافه القائمة والحالية الاستراتيجية والتكتيكية، وهو ما يساعد البلاد على الخروج من أزمتها الدائمة منذ العام 1967م. السيناريو الثاني: لم يكن انقلاباً ولم يكن اغتيالاً وإنما كان رسالة فقط!! نعم يمكننا القول بالنظر للنتائج فقط وما آلت إليه أنها كانت رسالة قوية وعنيفة تقوم على عدة محاور كالتالي: 1- أن من نفذ الخطة البسيطة يستطيع تنفيذ أكبر منها في حال ضاعف الإعداد إلى عشرات الأضعاف فقط من المنفذين والتكتيك والجهد والعمل. 2- أن من وصل إلى هنا يستطيع الوصول لأي مكان وبالتالي عليك إما أن تركع له وتخضع لمتطلباته وإما أن ترحل ورحيلك يجب أن لا يضره هو ومن خلفه ما لم فإن الوصول إليك أينما كنت أمر بسيط كما ترى في وصولهم الأخير إليك. 3- إرباك العمل الأمني والمخابراتي وبث الرعب في كافة الوحدات والقطاعات ونشر الإشاعات والشكوك، وهو ما يثبط من عزيمة الجيش كلياً مستفيدين من كلام الرئيس حول أن القاعدة اخترقت الأمن والمخابرات والجيش بالدرجة الأولى في إيصال هذه الرسالة المستهدفة للجيش وإظهار كلام الرئيس على أنه اعتراف كان بحاجة لإثبات، وهاهم يثبتونه بعد أن اعترف لهم بضعفه وضعف أجهزته الأمنية والدفاعية. هذه الرسائل لو أجرينا لها تحليلاً بسيطاً فسنتوصل إلى استنتاج بسيط هو أن الباعث لها يمهد بقوة طاحنة لمشروع قادم بقوة ربما يكون هو المشروع الأخير في السيطرة على اليمن ككل سواءً بقيام دولته الخاصة بمفهومه أو التحكم الكامل بالدولة خلال الفترة القريبة القادمة. وتلك الرسائل كانت موجهة للرئيس فقط، ولذلك شكل لجنة سرية للتحقيق وكان من المفترض أن لا تخذله اللجنة بذلك التقرير السخيف. السيناريو الثالث: ماذا يعني اغتيال هادي؟ ومن له مصلحة في اغتياله؟ في حال أثبتت الأيام القادمة أن المستهدف كان الرئيس هادي فقط، فإن لهذه المحاولة دلالات مركزية تقوم على حقائق فرعية يحددها: اغتيال هادي يعني فشل العملية الانتقالية وإعادة اليمن إلى مربع 2011 حيث كان المطلوب إزاحة الدولة والنظام ورئيس النظام من الحكم بدون أي بديل سوى الفوضى الكاملة والانفصالات والانشقاقات والحرب الأهلية بالكامل والتي ستؤدي لصاحب القوة المنظمة والمنتشرة والمترقب للفرصة أن يقتنصها ويعلن قيام دولته باعتبارها دولة إنقاذ. والسؤال الآن: هل يكرر أصحاب مشروع (ارحل) مشروعهم القديم بصورة جديدة تقوم على التخلص من الفترة الانتقالية بالكامل ومن رئيسها الحالي؟ الجواب يعتمد على قبول الرئيس هادي بالتمديد! فإن هو قبل فيه فإن ذلك ربما يعني أن الرئيس هادي قبل بالتمديد تحت ضغوط أصحاب مشروع (ارحل مطلب الثورة الشبابية) في هيئته الجديدة (التمديد مطلب الحوار الوطني). وهذا القبول من هادي الذي يمكن تسميته أو تعريفه على انه قبول تحت الضغط الأخير والقوي لا يعني تخلص هادي من المشكلة المتربصة به، بل يعني أن أمر اغتياله سيكون حتمياً بعد أن يدخل في الفخ ويقبل التمديد على هشاشة الدولة والفراغ الدستوري وهي الحالة التي تعني تكريس الدولة في شخص واحد كلياً. والتخلص منه يعني التخلص من الدولة القائمة بأكملها وسهولة قدوم أي قوة منظمة ومخططة ولديها مشروع خاص لبناء دولتها الخاصة عن طريق وجود قوة السلاح المنظمة سواء من خلال الجيش المسيطرة على أركانه أو شبه جيش يتمتع بمميزات هائلة يمكنها من خلاله تحقيق الخطوات الحاسمة سريعاً ومنعاً لعودة الدولة والتي سيكون من الصعب عودتها في ظل تركز القرار بيد شخص واحد تم التخلص منه، وسيستمر عمل هذه النخبة أو الجماعة المنظمة تحت مبرر وغطاء إنقاذ الدولة من الفراغ الدستوري والرئاسي والمؤسساتي في ظل الانهيار الحاصل، وعند ذلك لن يجدوا معارضاً لهم في الأيام والأشهر الأولى وهي الفترة الكافية لتثبيت ركائز الحكم والتي بدأوها من الآن عبر الرئيس هادي مع الأسف. 4- في اعتقادي إن هادي لا يريد التمديد بصورة شخصية بذلك المعنى وان كان يريده لأسباب متعلقة بذهنيته ورغبته الخاصة فإنه ليس مهماً بالقدر الذي نرى عليه الآخرين يريدون له التمديد، وان كلفه ذلك حياته وضرب رفاقه وحزبه الذي يمثله ويثق فيه، وتمديدهم له كما يتضح أنه يأتي بصورة يرسمونها له هم وعليه مراعاتهم أولا قبل نفسه، ولذلك حدث تعارض على الاتفاق السري المفترض به ان يكون تم الانتهاء منه ولذلك تأتي عملية الدفاع واقتحامها والتهديد بقتله أينما وجد كعملية تحفيز لتعجيل عملية الاتفاق على شكل التمديد القادم ولصالح من سيكون أكثر. 5- هناك ثلاثة مشاريع تهدد استقرار اليمن، الإخوان ومشروع الخلافة الراشدة، والحوثيون مشروع الولاية للفقيه، والانفصاليون ومشروع الدولة الجنوبية. ومن المثير ان من يمثلون هذه المشاريع يسعون للتمديد وبالتالي فإن عدم الذهاب لانتخابات ديمقراطية تخضع فيها القرارات للشعب ومشروعه الوطني الوحيد وهو الدولة الوطنية المدنية يعني شيئاً واحداً لاغير هو ان على الرئيس هادي الالتزام بالمبادرة الخليجية باعتبار الخروج عنها ناراً ودماراً، والالتزام بها يعني التخلص من الضغوط التي تمارس عليه، ويعني أيضاً إمكانية تمكنه من امتلاك الشرعية المطلوبة لضرب تلك المشاريع التي تحوم عليه، ولكن ورغم وضوح الفكرة استطيع ان اجزم ان هادي غارق في كأس نبيذ، ولابد من إنقاذه من الغرق لكي يتخذ الخطوة السليمة التي يراها كل ذي عقل. والذي تابع ما حصل من اقتحام للمنطقة الثانية بحضرموت يجد أنه يكاد يتطابق مع ما حدث في مجمع وزارة الدفاع، بل انه التطابق نفسه، باستثناء النتائج. فنتائج القضاء على الإرهابيين ال16 المهاجمين للمنطقة العسكرية في حضرموت لم تكن سليمة إذ تم التخلص من الرهائن الذين وقعوا بين أيديهم وهم (عساكر وضباط) وليس من المسلحين فقط؟ أي أن الفارق البسيط يكمن في مصير الرهائن وغير المستهدفين أصلا، فال16 المسلح عندما دخلوا للمنطقة الثانية بحضرموت تعمدوا احتجاز العساكر والضباط كرهائن بينما في مجمع الدفاع ظهروا على أنهم لا يريدون رهائن ولا يريدون مساومة ولا إطالة في العملية والسلامة والنجاة بأنفسهم مقابل التفاوض كأنهم لا يملكون الخطة (ب) مثلاً، والمهم هو ان اعداءهم ليسوا الجيش بل كل من يتواجد في المجمع من مرضى ومدنيين، موظفين ودكاترة وعساكر وضباط ؟؟ فهل كان هذا تمويه للهدف غير المعلن والذي لم ينجح، أم انه مقدمة للتمويه عليه في حال نجاحه الأكيد والذي كان متوقعاً وأكيداً؟! 6- من الواضح أن العملية كانت انتحارية في جزئها الأخير بينما في جزئها الأساسي كانت غزوة مسلحة تستهدف تنفيذ هدف معين ثم الانسحاب المنظم. وما حصل هو عكس في الجزئية الأخيرة، بدليل أن الأخير فيهم ظل يماطل في تفجير نفسه ساعات وساعات، أي انه لم يكن انتحارياً ويبدو انه كان لديه نية في التفاوض أو قول شيئ ما والسؤال الآن هو: هل كان المنفذون يعلمون بأنهم سيموتون جميعاً، أم انه تم توريطهم للقيام بعملية مخططة وإقناعهم ان هناك بعضاً منهم ربما سيسقطون لكن شروط النجاة للبعض الآخر متوافرة للنجاة وعليهم فقط أن لا يهتموا بالخروج؟! ثم بعد ذلك تم الغدر بهم وطرحهم في بؤرة عجيبة وغريبة!! عن قصد واضح هو إخفاء الأدلة الكافية لتوريط الجهة والشخصية المتعاونة من الداخل!! الأمر يعتمد على عقلية المخطط ونتائج العملية هنا!! فالمخطط فكر بالتخلص من الأدلة في العمليتين الأولى بحضرموت والثانية بالدفاع. وبالتالي فإن التعامل مع هذه العقلية يجب أن يكون قوياً وسريعاً وهذا ما كان يعول عليه أن يقوم به الرئيس وتقوم به اللجنة المكلفة بالتقرير العاجل والطارئ . تقرير 24 ساعة متمم للعملية الإرهابية ومكمل لها جاء تقرير ال24 ساعة ليقول لنا أن المتفجرات إيرانية والمنفذون سعوديون وهذا كل شيء، ثم شرح مفصل لما تم وكأن الأمر عبارة عن تقرير صحفي لا أقل ولا أكثر وليس تقريراً بمستوى الدولة وهيبتها المطلوب فيها أن تعوضها ولو حتى بالكلام لرفع المعنويات لدى مكوناتها وفئاتها وجماهيرها. أبرز الملاحظات على التقرير هي كالتالي: - تعمد لتجنب الاتهام المباشر بدليل ان القاعدة بعد ان تبنى الهجوم لم يجرؤ التقرير على اتهامها مباشرة. - تعمد لتوريط أو استقطاب جهات دولية متنافرة ودمجهم في صف واحد هو استهداف الرئيس واليمن في وقت يحاول فيه الإخوان المسلمون التأكيد على ان السعودية وإيران والرئيس السابق يقفون في صف واحد ضد الحركات الاسلاموية السنية وضد اليمن وضد الرئيس هادي. - أن من قام بالتقرير لم يمنحنا تقريراً عسكرياً باعتبار المكلف مسئولاً عسكرياً وما رأيناه كان تقريراً فنياً بسيطاً. - أن من قام بالتقرير متهم لحد اللحظة بأنه سبب رئيس في تحنيط الجيش بسبب انتهاجه لخطة الهيكلة التي حنطت الجيش وجعلته يضرب في عقر داره المرة تلو الأخرى وهو الشخص المتهم بتواطئه وميوله لجهات حزبية وجماعات وأشخاص بعينها. - ان التقرير لم يحدد من المستهدف وتعمد إخفاء المستهدف وهوية المستهدفين بقدر ما ركز على سرد الأحداث والأضرار الناجمة على المستوى القريب والتي يمكن معالجتها. - ما سبق يقودنا إلى ان التقرير لعبة لخداع أو تضليل أو تمويه وتغطية على تفاصيل كثيرة وجهات متورطة من الحجم الثقيل، يخشى التقرير من الإفصاح عن دورها ولو من باب تحميلها المسئولية القانونية وليس السياسية فحسب. * المصدر: صحيفة "المنتصف" السبوعية