مقدمة تبدأ نهاية حياتنا في اليوم الذي نصمت فيه عن الأشياء ذات الأهمية ( مارتن لوثر كينج ) أن صورة الشهيد سعد بن حبريش والتي تناقلتها وسائل الإعلام هي الصورة الأكثر حقيقة لحال حضرموت والجنوب في ظل دولة الاحتلال ، صورة تختزل سنوات طويلة من القهر والذل ، هي صورة حضرمي قبيلي مشدودة عمامته على رأسه ساقطاً على الأرض يسيل دمه بتهمة انتمائه إلى وطنه الحضرمي الجنوبي المحتل ، هذه هي التهمة ، وتلك هي الجريمة العظمى .. الموت .. أو .. الوحدة لست معنياً ببث مشاعر الحزن ، واستلاب تلك المشاعر المضطربة بين الغضب والقهر من صدر أحد ما في طول بلادنا وعرضها ، هذه ليست غاية تحت بند تفريغ شحنات من ألم النفوس المكلومة ، بل لتبقى تلك الأنفس في ضيق ما بها فالحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ، فلقد أكلنا يوم أٌكل الثور الأبيض ، وثورنا الأبيض هو وطننا الذي لم نعرف حقيقة قيمته يوم فرطنا فيه تحت تلك التواريخ السقيمة التي لطالما كذبت في تدوين الثورات والانتفاضات ، عندما يغيب العقل ويتوارى الحكماء تطل هذه التواريخ المعصوبة بكثير من اشتداد الخطايا فنردد الشعارات الزائفة ونورث لمن هم وراءنا أكاذيب الانتصارات الخاطئة .. أن حقيقة واحدة اليوم تتمثل في صورة الشهيد بن حبريش وهو ملقى على الطريق تماماً كما هو الوطن ملقى على قارعة الطريق لا ينظر إليه القاتل وهو من صنعاء ، ولا شهود الزور وعلى رأسهم المبعوث الأممي جمال بن عمر ولن يلتفت إليه أمراء الخليج رعاة المبادرة الخليجية ، كل الشهود والمجرمين في الجريمة متوافقين ، متراصين ، مرتبطين يتكلمون بلسان واحد ، وبجملة واحدة ، الموت أو هي الوحدة ، خياراتنا محددة موت أو وحدة ، خيارات عسيرة صعبة تحتاج إلى قرار .. ما يقع وسيقع يأتي تحت بند التفريط في حقنا في الحياة ، لسنا عبيداً ليأتي جمال بن عمر أو حتى كبير مجلس الأمن الدولي ليخيرنا بين موت أو وحدة ، خيارنا هو استقلال وتحرير وكرامة وحرية وعدالة ، خيارنا لن نتنازل عنه فما بعد قهر الرجال من قهر تقهر به الأمم والشعوب .. الحموم .. في مواجهة الدم الأحمر في تاريخنا الحضرمي العظيم ، نعم نكررها أخرى .. في تاريخنا الحضرمي العظيم أن حضرموت دخلت في العام 1937م في صلح قبائلها ، فتصالحوا وحقنوا الدم الحرام ، وحفظوا الأرض والعرض ، وثبتوا على ما تعاهدوا عليه برغم ما مر بهم من جوع وفقر وقلة الحاجة وضعف الحال والمحال ، رجال كلما اشتدت أحوالهم ما ترى في عيونهم غير نظرة الكرامة والشرف ، لا يضامون ولا يقهرون ، وكانوا الحموم هم آخر من دخلوا تحت صلح قبائل حضرموت ، كانوا أشداء على عصا انجرامس فلطالما كسروها ، ولطالما وضعوها تحت أقدامهم ، ولطالما كانوا قوماً جبارين ، هؤلاء الحموم كانوا آخر من عاهد وصالح .. اليوم في القرن الحادي والعشرين ، تشاء الأقدار أن يكون الحموم على أعتاب النفور أولاً من صلح القبائل العتيق ، ولعله قدر التاريخ أن يأتي مرة أخرى بحضرموت لتكون في مواجهة الظلم الآتي شمالاً ، ونحن في تاريخ ليس هو الأول نحن في عصر الدول والمواثيق والقوانين والنظم ، نحن في زمن يقول أن الحموم كما غيرهم في نسيج الوطن المحتل تحت بند الاحتلال اليمني لبلادنا ، فالحق المصادر هو حق واحد ، فكلنا عند إبليس مؤمنين .. ليس من المهم الآن الإفراط في تسيير المسوغات للرد ، فالحموم سيأخذون بحقهم وفق العرف القبلي بطريقتهم ، ولكن حق الوطن كيف ينتزع والموت يوزع بين الناس عدلاً ، والقهر يوزع عدلاً ، والظلم يوزع عدلاً ، الفكرة اليوم هي في الوطن وليس في القبيلة ، وليس في اجترار تلك التواريخ السقيمة بمقدار أن نتأمل في التاريخ ونقرر أن الانتماء للوطن المحتل هو الحقيقة ومنه يأتي قرار انتزاع الحرية .. الوطن ثم الوطن كعادة الأحداث تتابع البيانات فيها والخطب ، عادة من عادتنا ، ومن موروثاتنا أيضاً ، ومع هذه البيانات الآتية من القلوب الغاضبة ، نحتاج إلى الوطن ، سؤال يأتي : هل وطننا الآتي قادر على حقن دماء الناس ..؟؟ ، وهل وطننا الآتي قادر على تحويل الكابوس إلى مستقبل حالم ؟؟ ، أسئلة تتقافز ليأتي من يجيب أن الوطن أن جاء فسيعود الاشتراكي ليقتل ويسحل ، ويأتي آخر يبحث بين القبور عن حكايات طويت وانتهت ، وأن جاءك أحمق ليقول لنصلحها وحدة ونعزل حكام صنعاء ومن ظلموا ، ويأتي شاب قد فقد حذاءه في مليونية الخلاص ليقول ليأتي الوطن أولاً ثم أولاً ثم أولاً فلقد فقدت في طريق الحراك منذ سنوات مضت كثير من رفقاء النضال ، وفقدت كل شيء من أجل هذا الوطن ، فلمن نستمع وننصت .. هو الوطن الذي يختزل الحل الأوحد ، الاستقلال ليس هو غاية ومقصد ، الاستقلال هو مضمون العدالة والبناء والكرامة للإنسان ، الخروج من الأزمات يبدأ بالوطن ، حضور الوطن هو حضور الإنسان ، حان الوقت الأخير لتنفض عن وطننا الكثير من تلكم التواريخ ، ومن تلكم الكوابيس ، ولننتصر للوطن .. الوطن سيأتي بوعي ، ويأتي بعزم ، وسيأتي بحق ، أن الجراحات في طريق الحرية هي طبيعية ويجب أن تبذل للخلاص من صنعاء ومن حكمها وظلمها ، حان لمن مازال خاضعاً لصنعاء أن يتأمل إنسانياً في صورة بن حبريش ويستعيد صور ألوف سبقوه قتلوا بتهمة غياب الوطن ، أنه قدرنا في طريق النضال إلى الحرية ، فلسنا هنا أو هناك لنسلب من أحد مشاعر الغضب والقهر والحزن بمقدار أن نشيع مشاعر الانتماء إلى الوطن ..