مساء الخميس الماضي ودعت مدينة الشحر ومحافظة حضرموت ،في موكب جنائزي مهيب شيخ مطربيها الفنان سعيد عبدالمعين خميس . الذي وافاه الأجل المحتوم عن عمر تجاوز قرناً كاملاً من السنين. من السماع الصوفي وأناشيد الإمام علي بن محمد الحبشي بكلماتها الجزلة ومعانيها الروحية الرفيعة . بدأت رحلة فناننا الراحل رحمه الله كرحلة فنية متميزة غنية دامت أكثر من قرن كامل من الزمان. تعلّقَ صغيراً بالفرقة الفنية شبه العسكرية التي كان يقودها والده الفنان عبدالمعين ضمن الحاشية السلطانية في ثلاثينات القرن العشرين. أمتلك الأب والابن ناصيتي الأداء لتلك الفرقة . فقد أبدع الأب في جانب الآلات الوترية في حين كان الابن محوراً متألقاً في الجانب الأدائي والإيقاعي. أتقن في أدائه صوتاً وإيقاعا مختلف ألوان الفنون الشعبية . فمن فن السماع للمناسبات الدينية إلى فن السماع الآخر للمناسبات الاجتماعية والأفراح . فعلى صدى "مرواسه" وضجيج " هاجره" ترنمت مواكب العرسان وزفاتهم طيلة العقود الماضية من السنين. ومن " شرح الرجال" إلى الزربادي" تهادت أكتاف الشباب والرجال نغماً ورقصا. ارتبطَ في شبابه بالشاعر الكبير عبد الله محمد باحسن ، وفي كهولته بالشاعر الكبير الآخر حسين أبوبكر المحضار. وطوال هذا الامتداد الزمني الكبير، كان " سعيد" هو الصوت الصدّاح والقيثارة المغردة التي خرجت عبرها بدائع وعرائس هذين العملاقين الأدبيين إلى الناس. وكما تنبأ المتنبي أبو الطيب قبل ألف عام ؛ بأنّ أفاضل الناس أغراضٌ لدى الزمنٍ . فقد تعرض الفنان سعيد لتجربتين مريرتين كان في كلاهما مظلوما. الأولى كانت تجربة اعتقال قاسي هو وصديقه عوض عبد الرحمن باسباع رحمهما الله . في أوائل السبعينات ، حيث قضيا أكثر من ثلاث سنوات عجاف في معتقل رهيب. والثانية كانت تجربة سلبه لشقته السكنية منتصف التسعينات. رحم الله فناننا سعيد عبد المعين ، فقد كان واثق الإيمان بالله ورحمته في أشد ساعات العسرة التي واجهته. وكان كريماً مع أهله وشقيقته. لقد شكلت مسيرة حياة هذا الفنان بشقيها الشخصي والفني متلازمة مع عمرها الطويل وعطائها الجم ، أسطورةً ، سيظلُ صداها يتردد في سجل تاريخنا الثقافي على مرّ الأيام وتوالي السنين.