في أكثر من موضوع كنت قد تناولت بالاستقراء والتأمل المشهد الصحفي والإعلامي في حضرموت اليوم (صحيفة شبام وإذاعة المكلا نموذجاً) تحت عنوان شامل: في إعلام حضرموت اليوم غياب الرؤية وفقدان الدور، وسارت بنا الأيام في متاهاتها، فها نحن نعمد إلى استكمال الرؤية لهذا الموضوع المهم والشائك، نترككم في الأسطر القادمة وخلاصة ما انتهينا إليه في هذا الموضوع (القضية) الذي ما تحملها ملف. السياسة أس المشكلة: إن محاولة الإمساك برؤية مجتمعية إنسانية لمنافذ إعلام حضرموت اليوم، المقروء منها (صحيفة شبام) والمسموع (إذاعة المكلا) يجعلنا نصل إلى حقيقة واضحة لا لبس فيها، فالرؤية غائبة – تماماً – لدى منظومة السياسة المحركة لهذه المنافذ، وكثيراً ما تلجأ إلى أدواتها التي تجد فيها ضالتها المنفذة، وغالباً ما تكون ممن يقصر بها الفهم عن هتك حجب دخان الراهن ورؤية أفق المستقبل، وممن لا يتعدى النظر لديها ذواتها الصغيرة ومصالحها الخاصة، وجولة واحدة تضعك أمام حقائق الأشياء، التي تبرز واضحة، فحلحلة خفيفة لملفات وكشوفات الحوافز وبدلات السفر والإضافي وحق الإشراف والمتابعة في صنعاء، وما أدراك ما صنعاء! ومرتبات المتعاقدين ومن هم المتعاقدون وما فائدتهم وضرورتهم لاستمرار العمل وتطويره ستنبئك بيقين المكونات التي تعبث بالتاريخ الصحفي المشرف والإذاعي المجيد لحضرموت الأمس والغد. لذلك لا يجب ألا نرمي مثل هذا الانحدار المخيف في طبيعة العمل الإعلامي في حضرموت اليوم على مجموعة القادمين وفق آلية التعيينات السياسية والحزبية والشللية وغيرها، فالمشكلة في جذورها العميقة مشكلة سياسية بحتة، وأكثر من يدركها هي السلطة السياسية التي تدير المجتمع المحلي ومكوناته جميعها. عنوان للسياسي: إن المنظومة السياسية لا تستطيع أن تتنصل – اليوم – من كارثية الوضع الصحفي والإعلامي والإذاعي، فمثل هذه الأقلام والأصوات وما تنتجه من ثقافة وما تروّج له من قيم استهلاكية وسلوكيات نفعية، وما تمشي به من تصرفات هنا أو هناك، وما تشي به من علاقات غير سوية، هي انعكاس حقيقي لمأزق السياسة وفراغ السياسي وترجمة حقيقية لمشروعها المجتمعي الذي تمثله، اعترفت بذلك أم تنصلت عنه، فالأمر سيان، من هنا، كما يبدو أن أس المشكلة في المقام الأول ينحصر في السياسة وبنيتها الثقافية والإعلامية التي لا ترى في الصحافة والصحفيين والإعلاميين إلا أبوقاً تردد ما يملأ عليها ولو عن بعد، وتقبض ثمنها البخس. مشكلة وتشخيص: وإذا أردنا أن نشخّص أسباب المشكلة وتداعياتها ومظاهرها فهي تكمن – من وجهة نظرنا - في الأسباب الآتية: 1- عدم ممارسة الدور الرقابي (التقويمي) على منافذ الإعلام في حضرموت اليوم. 2- سيادة الشللية في أمر التعيينات والبحث عن المأمون وليس الأمين! 3- التسويات بين أصحاب القرار في وزارة الإعلام والمؤسسة العامة والسلطة المحلية، (واحدة لك والأخرى لنا) وهكذا. 4- عدم وجود رؤية واضحة لما هو مطلوب من العمل الإعلامي والتركيز على المشهد اللحظي والترويج الذاتي. 5- محاولة الجميع بوعي أو بدونه الخروج من شرنقة الثقافة (الشمولية) وقد كان أكثرهم من هم في الواجهة اليوم عنواناً لها بالأمس! وإعلان البراءة من تاريخهم السياسي والصحفي والإذاعي. 6- الاختلال في هذه المنظومة يكشف عن مأزق حضاري تعيشه البنية الفوقية السياسية عامة والثقافية والإعلامية خاصة، فهي غير قادرة على ربط حلقات تاريخها القريب والبعيد، ففيه كشف غطاء زيفها ونزع ورقة التوت عن نفاقها الفاضح! هل من حل؟!: هناك حل واحد فقط، يصعب – اليوم – تنفيذه، ويختصر في إرادة سلطوية حقيقية لإصلاح منظومة العمل الثقافي والصحفي والإعلامي، من خلال الوقوف بجدية أمام هذا المشهد الذي سبق أن توقفت أمامه كل تكوينات السلطة المحلية ومنظوماتها التابعة لها، في العام 2006م، بقاعة اتحاد الأدباء والكتاب بالمكلا بحضور محافظها الأسبق وقنواته المتعددة مستمعاً بمعيتهم إلى الورقة المقدمة من سكرتارية الاتحاد التي ناقشت المشكلات الثقافية والصحفية والإذاعية بشفافية عالية فتناثرت الوعود ولكنها تبخرت بعد أن غادر الجميع القاعة، فهل كانت تلك الهبة محاولة برجماتية لتحييد المكان ودلالته المجتمعية ودوره التنويري؟! لست أدري!. فهل تعاود السلطة المحلية – التشريعية والتنفيذية – الكرّة ثانية وتقف أمام مشهدها الثقافي والصحفي والإذاعي المنهار، فالأيام القادمة كفيلة بكشف المستور!. أللهم إني بلغت!: إن حضرموت اليوم لم تجد حتى اللحظة طريقها إلى شبامها الحضرمية، ولم تنصت إلى إذاعتها المكلاوية، وهو ما يؤسف له، إذ يصدق فيهم قول الأستاذ سعيد عوض باوزير في مقاله:( صرخة في أذن المثقفين) في العدد 104 من الطليعة 9 محرم 1381ه 22يونيو 1961م :( .. كيف يستطيع أحد أن يقتنع بأن في مجتمعنا بوادر يقظة ووعي شاملين وهو لا يرى أي مظهر يمكن أن يلمس باليد ؟ كيف يستطيع أحد أن يصف هذا المجتمع بالحياة وهو لا يرى إلا الجحود والركود والبرود والمظاهر التي ليست من صفات الأحياء ولا يمكن أن تقترن إلا بالموت وفقدان الحياة). بهذه العبارة لرائد من رواد صحافتنا الحضرمية، نترك لكم وخزها ودبيبها، إن كانت هذه الكلمات النابعة من القلب للكاتب الكبير باوزير منذ وقت مبكر وقد استشفت المستقبل، ورسمت ملامح المثقف المزيَّف والمزِّيف لواقعه المعيش، وهل ستجد صدى لها في دواخلكم معشر مثقفي وصحفيي وإذاعيي اليوم؟!. ونضيف تساؤلاً أخيراً ل(السلطة المحلية، المجلس المحلي، الحزب الحاكم، والمعارضة الناعمة، منظمات واتحادات إبداعية، مكاتب وزارات معنية) من يجرؤ على فتح ملفات العبث التدميري – لغةً ورسالةً وثقافةً ووعياً ودوراً - في الصحافة والثقافة والإذاعة في حضرموت اليوم؟! مخاطبين ضميرها التاريخي إن كانت تعترف بحكم التاريخ!.. أو سيصدق فيهم قول: (الغيبة حرام)!، اللهم فاشهد! وكفى!.