أيام قلائل ويهل علينا موسم الحج المعظم إلى الأراضي المقدسة . الحج الذي تشتاق القلوب لأرضه, وتحن الأفئدة لشعائره, وتتلهف نفوس ملايين المسلمين, فيأتونه رجالاً وركبانا من مشارق الأرض ومغاربها لقضاء ركن دينهم الخامس. وهذا ليس الحج الذي اقصده في مقالي لأني رأيت كما يرى غيري حجاً آخر في اليمن. فكما أن لليمنيين كعبة غير كعبة مكة, أيضاً لهم حج غير حج ذي الحجة. و الاختلاف بينهما مبين. إنه الحج إلي سوق إبليس . يا للعجب! إن صورة الحرم المكي أيام الحج و الجموع البشرية الهائلة وهي تطوف و تسعى في مكان واحد مزدحم ومكتظ محفوظة في مخيلة كل مسلم. كذلك النظر إلى أسواق القات في أرجاء اليمن عامة و المكلا خاصة وقت الذروة القاتية, تحسبه الحج من كثرة الزحمة و اكتظاظ المكان بجماهير هذا الحج العريضة. وهنا أصبح عندنا حج أخر, الأول لله خالص وعلى سنه رسوله و الثاني للشيطان وأوليائه (بالبركة). و تأدية هذا الحج اليومي ليس بالأمر السهل ولا بالهين فهو يتطلب أولاً أن يملئ الحاج جيبه مالاً,لا يهم إن كان حلالاً من حر ماله الذي سرعان ما يُنْضِبُه, أو حراماً من سرقة واحتيال و نصب و غصب, أو ما بات يعرف بضريبة (حق القات) المشهورة في المعاملات اليومية. وعليه بعدها أن يختار طريقة ذهابه و القافلة التي ستوصله. إما مع الأصحاب وزملاء العمل من الحجاج أمثاله أو فردا راكباً أو راجلا. وينتظر لحظة شد الرحال أي ما بعد الحادية عشر ظهرا – وقت الذروة القاتية – عندما تنطلق القوافل الحاجة إلى سوق إبليس جماعات وأفرادا, رجالا وركبانا, من المرسيدس إلى الحمار آمي وجوههم نحو هدف واحد, سوق إبليس. حينها تختنق الطرق بالسيارات و الازدحام المروري, وأنت يا من لا لك في هذا عمرة ولا حج عليك بالصبر فهي حالة طوارئ موسمية يومية. ساعات وتزول تماماً مثل التي تعلن في السعودية كل عام أثناء موسم الحج المعظم, لا يميزها إلا أن الثانية يسخر لها الآلاف من الجنود و رجال المرور لتيسيرها و الأخرى لا (يعني تصرفوا). بشق الأنفس وطلوع الروح بحركة بطيئة يسير الركب. فالكل لا يعنيه سوى وصوله إلى السوق ملبين في سبيله لبيك ياقات لبيك. حتى إذا وصلوا بدؤا المناسك بالطواف بين الباعة وهنا يتميز الخبيث من الطيب عند الشراء فهناك الذي يُضْحَكُ عليه و(ينقمر) ببضاعة سيئة على سوئها, وبثمن باهظ. وآخر نفس البضاعة من نفس البائع بنصف القيمة واقل. حتى بات باعة القات من الاثنين أصحاب سيارات بقرة ولاندوكروزر ألفين وعشرة. و إذا انتهى من هذا الركن شرع في تأدية بقية المناسك من وجبة غذاء, في كثير من الأيام لا تسمن ولا تغني من جوع بسبب قلة السيولة النقدية أو لعلها تكفي, ولكن ما بقي من مناسك حجته أهم وأولى. فلابد أن يُبْقي ما يوفر غرفة الفندق و الماء و البيبسي وربما الشاهي و السيجارة وكلها أركان لا يتم الحج إلا بها, و الشيشة سُنَّة. و الشعيرة الأخيرة اجتماعه مع بقية زملائه من الحجاج أو زميله على الأقل يمتد من ثلاث ساعات لمن تعجل و إلى مالا نهاية للبعض الآخر ليبدؤوه بشكوى كل واحد منهم من سوء الأحوال المعيشية وقلة المال و الأعمال ثم يتلوا فيها أذكار الغيبة و النميمة (و الحش على عباد الله) ثم يبتهلون لشيطانهم أن يجعلها (قرحة موفقة) إلى وقت الإفاضة. * إعلامي رئيس جمعية العلاقات العامة اليمنية