رصاصيةٌ مُرقطةٌ بالأسود.. أسنانها تشبه أسنان الأرنب.. وفي أسفل بطنها انتفاخ (كيس)، تختلط زرقة عينيها بالأخضر، ويُغطي جلدها السميك أشواكٌ قصيرة حادة، إذا ما اقترب منها "الخطر"تحولت إلى "بالون" تغطيه الأشواك.. سَمكة " الأرنب" أو النفّيخة –وفقاً لاسمها المحلّي- تُخفي خلف "ظرافة" شكلها سُما قاتلاً، تنتقم به من قاتلها، بعد موتها.. في حين تدافع عن نفسها بالتحايل على المُفترِس، فتنفخ "الكيس" أسفل بطنها وتصبح كالكرة المليئة بالأشواك.. المواصفات أعلاه، خاصة "جدا" بسمكة أثارت خوف المواطنين في غزة، بعد تحذيرات وزارة الزراعة ودائرة حماية المستهلك من "سُمّيتها" القاتلة، وإصابة أربعة مواطنين من غزة بالتسمم بعد أكلها مباشرة.. "أرنبٌ" في البحر! المهندس الكيميائي في الإدارة العامة للثروة السمكية جهاد صلاح أكد أن سمكة "الأرنب" محلية، تعيش في شواطئ غزة على أعماق قريبة من الساحل، قائلا :"الأرنب أو النفيخة سمكة شاطئية قاعية، تعيش على بعد كيلو أو اثنين من شواطئ القطاع، وتستقر في أعماقه". وأضاف ل " فلسطين" :"تضع هذه السمكة بيضها على الصخور بين أعشاب البحر، وتتغذى على الطحالب والمحاريات والسرطان، ويساعدها على تمزيق غذائها الأسنان القوية في مقدمة فمها والتي تشبه أسنان الأرنب". ولم يكن إطلاق اسم الأرنب أو النفيخة على السمكة من باب الصدفة، إذا إنها ترجع لطبيعة شكلها، تبعا للمهندس صلاح الذي تابع :"ونظرا لانتفاخ السمكة عند تعرضها للخطر، فقد أطلق عليها العامة اسم النفيخة، ولأن أسنانها الأمامية قوية وتشبه أسنان الأرنب إلى حد كبير، كان اسم الأرنب أنسب لها، وهي تُسمى علمياً ب " Lagocephalus sceleratus" وتنتمي لعائلة الأسماك المنتفخة أو Tetradontidae ". يتراوح وزن أسماك الأرنب في شواطئ غزة، ما بين 6 كيلو إلى كيلو واحد، وتختلف أعمارها وفق حجمها، فذات الأحجام الكبيرة يفوق عمرها الثلاث سنوات، بينما وزنت أكبر الأسماك المُصادرة من أسواق القطاع وزنت 6 كيلو فقط، في حين توجد أحجام أكبر للسمكة في بيئتها الرئيسية، كالمحيط الهادي والهندي، والبحرين الأحمر والمتوسط - وفق م. صلاح. تفوق أنواع هذه السمكة العشرين في العالم، ويُعرف منها اثنان فقط في القطاع، إحداها هي الرقطاء، والأخرى يميل لونها للأخضر الزيتي لكنها بدون نقاط.. تكمن خطورة سمكة " الأرنب" بدرجة سميتها العالية، إذ تفرز سماً بروتينياً يطلق عليه "التيترو دوكسين" والذي " يتركز في معدتها بصورة كبيرة، في حين ينتشر أسفل رأسها وأعضائها التناسلية وتحت جلدها، ويتكون نتيجة تناولها طحالب بحرية سامة". قاتل "سريع" ويُعد السم البروتيني الذي تفرزه هذه السمكة من أشد السموم فتكا بمتناوليه، نظرا لسرعته وعدم توفر ترياق طبي لشفائه، عنه يقول م. صلاح :"التيترو دوكسين سم عضوي سريع المفعول، لا مضاد له، وإذا ما تناوله الإنسان يتعرق بشكل غزير، وتتخدر أطرافه الأربعة، ولا يستطيع الكلام إلى أن يتوقف عن التنفس". وحذر م. صلاح من تناول "الأرنب" أو تداولها، قائلا : "استصدرنا قراراً من الدائرة القانونية بمنع صيد هذه السمكة وبيعها وتناولها، ووزعنا إخطارات على الصيادين والتجار ودلال "الحِسبة"، لضمان تضييق دائرة الإصابة بالتسمم، خاصة بعد إصابة ثلاثة مواطنين من حي الشيخ رضوان في فترة متقاربة". وقال :"دخل القطاع ما يقارب 30 إلى 40 سمكة أرنب، عن طريق الصيادين الذين اشتروها من زملاء مهنتهم المصريين، ونظرا لعمق المسافة التي يُدخلها الصياد المصري، تتاح له الفرصة لاصطياد الأرنب بأحجام كبيرة وكميات وفيرة". ونفى م. صلاح أن تكون الأسماك دخلت القطاع عن طريق الأنفاق، قائلا :"دخلت عن طريق البحر بواسطة الصيادين الفلسطينيين الذين أغراهم أحجامها ووزنها، ولم يكونوا على اطلاع بأمر المنع"، وأكد أن المنع يكون كل عام خلال فترة ظهور الأسماك ما بين ابريل ويوليو، ونظرا لصغر المساحة المتاحة للصياد الفلسطيني، كان ظهورها قليلاً وخطرها أقل.. وأشار م. صلاح إلى أن "الأرانب" من أغلى الأسماك في العالم، وتلاقي إقبالاً شديداً لأن لحومها تخلو من الألياف، ولها مذاق الدجاج"، مستدركا " لكنها تحتاج لطباخين محترفين ومهرة يتخلصون من الأجزاء السامة، وهذا ما لا يدركه المواطن الغزي الذي يقطع ذيل السمكة ورأسها فقط". وتابع :"واجهنا بعض الاعتراض على منع بيع السمكة من الصيادين، ولكن بعد إصابة أحدهم بالتسمم بعد أكله لكبدها، رضخوا لقرارنا ولم يعودوا لشراء الأسماك من الجانب المصري وبيعها في غزة". صودرت.. وأحرقت واستكمالا لخطوات الإدارة العامة للثروة السمكية في وزارة الزراعة، قابلنا احد مفتشي التموين الذي شارك في عملية مصادرة "الأرنب" من السوق وإتلافها، حيث شرح مراحل منع تداول السمكة ومصادرتها، قائلا :"بعد الإخطارات التي قدمتها وزارة الزراعة، اجتمعنا كدائرة تفتيش وحماية مصلحة المستهلك، وقسمنا العمل بين مراقبة الأسواق ومصادرة الأسماك السامة وإتلافها". وتابع :"شاركت بمصادرة ما يقارب 15% من الأسماك، وكانت جميعها لا تتجاوز 2 كيلو، إلا واحدة بلغت 5 كيلوات، وجميعها أتلفت حرقا".. ونفى وجود "الأرنب" حاليا في أسواق غزة، وفق متابعته، " فالناس ينفرون منها بعد معرفتهم بدرجة سميتها وخطورتها، ناهيك عن ارتفاع أسعارها".. وللتأكد من وجود الأسماك في الأسواق من عدمه، قابلنا بائع الأسماك ياسر شويح حيث أكد ل " فلسطين" أنه وزملاءه البائعين امتنعوا عن التداول "بالأرنب" بعد تحذير وزارة الزراعة ووسائل الإعلام منها.. وقال :"كان الطلب عليها جيداً قبل التحذير، لأن لحومها لذيذة، وتخلو من الأشواك، وبعت شخصيا أكثر من عشر أسماك"، مؤكدا أنه لم يعرف بِسُميتها إلا بعد التحذيرات، وأضاف :" حتى إذا توفرت في الأسواق، لن يشتريها المواطنون، فهم حريصون على صحتهم وصحة أبنائهم". وفي الوقت الذي عزف التجار عن شراء السمك السام، امتنع الصيادون عن صيده وبيعه، وفق رئيس جمعية الصيادين في غزة، محمود العاصي الذي أكد أن أسواق غزة وشباك صياديها تخلو من "الأرنب"، وقال :"ما وصل القطاع كان أعداداً قليلة وصلتنا عن طريق صيادي مصر، وفي سنوات عملي في الصيد اصطدت "النفيخة" ذات الحجم الصغير الذي يميل لونه إلى الأصفر أو الأخضر". وتابع :"يأمن الناس لأنواع الأسماك المعتادة كالسردين والسكمبلة، والتي يكثر صيدها هذه الفترة، ولما انتشرت "النفيخة" في الأسواق، اشتراه الناس لأن طعمه مختلف عن باقي الأسماك، وامتنعوا عن شرائه بعد التحذيرات التي وصلتهم، بينما استمر الصيادون بشرائه من المصريين إلى أن تسمم زميل لنا، إثر تناوله كبد السمكة، الأمر الذي جعلنا نمتنع عن صيدها وتداولها". وعنه شخصيا يرفض العاصي تناول وصيد "الأرنب" وقال " لو وقعت في شباكي بالخطأ سأعيدها للماء بكل تأكيد، فأنا حريص على صحتي شخصيا، وعلى سلامة زبائني". وفي استطلاع رأي أجرته صحيفة "فلسطين" رفض عدد من مشتري الأسماك في سوق النصيرات للسمك، فكرة شراء "سم " وإن كان لذيذ الطعم، مؤكدين أن المواطن الفلسطيني حريص على صحته ولن يجلب البلاء لأهل بيته، ورغم أن بعضهم أشاد بطعم "الأرنب" إلا أنهم رفضوا شراءه خوفا وحذرا.. صحيفة فلسطين