يقوم المحقق بإغلاق المكيف ويفتح نافذتين كبيرتين متقابلتين بالغرفة ويدير مروحة معلقة بالجدار ليخرج دخان سيجارته ويستنشق هواء البحر النقي المقابل لمبنى النيابة العامة .. يروقه المنظر وتنعشه نسمات البحر الخفيفة .. يتشجع ويرخي ربطة عنقه وكأنه يتخفف من إحراج قضية وفاة الشابة.. يقطع التأمل مساعده حضرة المحقق هل هي جريمة قتل أو انتحار ؟.ينفخ دخان سيجارته في الهواء بضجر ويهمس أتمنى ان تكون قضية انتحار فإذا كانت جريمة شرف فقد وقعنا في المشاكل ! المساعد: سيدي لم اعد أفهمك ، ما الذي يدفعك ان تظنها جريمة شرف 1؟ المحقق : لنعد إلى العمل أحضر السبورة ولنستحضر كل الاحتمالات !. يقسم المحقق السبورة إلى أربع مربعات ويكتب في المربع الأول الجريمة : انتحار أو قتل من اجل الشرف وفي الثاني : أداة الجريمة ومنفذ الجريمة لا يوجد ، وفي الثالث : دوافع الجريمة مرض نفسي أو عضوي أو مشاكل عائلية ، وفي المربع الأخير ملاحظات مهمة : 30% من قضايا القتل في هذه المنطقة جرائم شرف . لنأخذ احتمال الانتحار أولا : ماذا يقول تقرير الطبيب الشرعي ؟ المساعد : سبب الوفاة نزيف حاد وارتجاج في المخ أدى إلى الوفاة ، وفحص الدم لم يبين أي مركبات كيمائية أو دوائية . المحقق: هل يوجد على الجثة جروح أو خدوش أو اثر للمقاومة . ماذا يقول الشهود والذين حضروا الحادثة ؟ . المساعد : لا يوجد أي خدوش أو آثار لجريمة قتل ، والشهود لم يروا أي شيء يثير شكوكهم . المحقق: لننتقل إلى افتراض القتل بدافع الشرف ، إفادات العائلة وتحرياتنا تؤكد ان الوفاة حصلت في العاشرة صباحا ، ولم يكن احد من الأهل موجودا في البيت حينها ... ويستطرد هل استوجبت زميلاتها في الثانوية ؟ . المساعد : الإفادات عادية ولا تثير أي شكوك ، والطالبة كانت منطوية نسبيا وكانت علاقاتها بزميلاتها عادية ، ولم نحصل على أي معلومات تفيد التحقيق .... لقد سقط الاحتمال الثاني المحقق: إننا ندور في حلقة مفرغة .. من واقع خبرتي تجعلني ارفض فرضية الانتحار لان الضحية من عائلة غنية ومتدّينة من الصعب ان تقدم على الانتحار دون سبب ، كما ان فرضية القتل بسبب الدفاع عن الشرف تحتاج إلى أدلة مادية ودامغة ، فلو اقتنعنا مئة بالمئة بالجريمة فان القاضي لا يعترف إلا بدليل قوي ودوافع مسنودة وبأدلة مادية محسوسة . المساعد : هل نسجلها حادثة وفاة وننتقل إلى قضية أخرى !؟ المحقق: للأسف نعم . خذ معك الملف إلى الأرشيف ، واحضر ملف القضية الأخرى . بينما يكاد المساعد يختفي وراء السلالم الخشبية يهرع وراءه المحقق مطالبا إياه بالعودة سريعا فيحضر وهو يلهث ، يراجع المحقق الملف ويتأمل الصور الملتقطة من غرفة الضحية ، ويسال بتلهف أتذكر ماذا قال لنا الأب عن هذه الصورة ؟ ألم يقل أنها صورة اخو الضحية وانه مسافر منذ فترة طويلة .. إذا لنتمسك بهذا الأمل الأخير . المحقق: آتني بكل بيانات الصورة من إدارة الهجرة والجوازات ، واحرص بان تأتي بأسماء إخوة وأخوات الضحية .. تنفجر اسراير وجهه بعد تأمل تقرير إدارة الهجرة والجوازات ويأمر المساعد بإحضار السبورة من جديد وان يكتب الآتي : المربع الأول الجريمة : انتحار بسبب تجربة حب فاشل ، وفي المربع الثاني : دوافع الجريمة إحباط شديد من رفض الأهل لزواج الضحية بسبب التفاوت الاجتماعي والطبقي ، وفي المربع الثالث معلومات مهمة : الدليل على التهمة صورة الشاب في غرفة الضحية والتي أكدت الوثائق والشهود بأنه تقدم لخطبة الفتاة واعترافات الأهل بعد مواجهتهم بالشاب وأهله وإقرارهم بإرغامها على الزواج بابن عمها عنوة ... بعد تردد وتأمل طويل يأمر المحقق بالتحفظ على الملف كقضية وفاة بسبب الانتحار فقط . المساعد : سيدي لا يجوز لنا ان نتكتم على جريمة ولا سيما إننا لم نجد سلاح الجريمة الجزء المادي ، يجب المتابعة . المحقق: بسبب غياب الدليل القطعي أمرت بالتحفظ على القضية ، إذا ادعينا على جريمة قتل بسبب الحب دون أدلة سنفشل في المحكمة ، ولن نصل إلى إدانة الأهل سنكسب فقط فضيحة العائلة دون جدوى .. لا تنسى إننا في مجتمع شرقي !. * Binamar25_(at)_hotmail.com *