أرادت كرة القدم أن يكون أتلتيكو مدريد بطلا للدوري الإسباني، الساحرة المستديرة التي لا تعترف بالمنطق، وكثيرا ما حطمت معنويات الجديرين بالبطولة، استسلمت اليوم للعدل ومنحت أتلتيكو ما كافح للوصول اليه. أتلتيكو لم يصنع مجدا شخصيا اليوم فحسب، بل أعاد بث الحياة في جسد الليجا بأكملها، تلك البطولة التي لم تعرف بطلا بخلاف الغريمين برشلونة وريال مدريد في آخر 10 أعوام، بالتحديد منذ فاز فالنسيا بنسخة 2003-2004 قبل أن يبدأ عصر الاحتكار. الثائر الأرجنتيني دييجو سيميوني غيّر معادلات لعبة القط والفأر، ونجح في صنع المستحيل بأقل إمكانات متاحة، رغم إفراط خصميه في إنفاق الملايين على صفقات قياسية، راهن هو على كتيبة من المغمورين زهيدي السعر، وجعل منهم نجوما تتهافت عليهم كبرى أندية القارة العجوز. وزع البرسا والريال الليجا بينهما بمعدل ست القاب للكتالوني وثلاثة للمدريدي في العقد الأخير، ووضع سيميوني وكتيبة المقاتلين خاصته اليوم حدا لتلك القسمة، مهديا الروخيبلانكوس لقبا مستحقا لم ينعموا به طيلة 18 عاما. كرر سيميوني اليوم ما فعله رافائيل بنيتيز مع "الخفافيش" في 2004 ، لكن ببريق أكبر، إذ نجح في الموازنة بين الليجا ودوري أبطال أوروبا، الذي بلغ نهائيه في لشبونة وسيصطدم بالريال بعد أسبوع بأحلام الثنائية التاريخية. أسماء مثل كانييزاريس، ألبيلدا، مارتشينا، ميستا، أيمار، أيالا وفيسنتي قد تجد لها نسخا مكررة وأكثر تطورا ربما في وجوه كورتوا، كوستا، كوكي، جابي، أردا، راؤول جارسيا، جودين، ميراندا، فيليبي لويس، خوانفران، تياجو وفيا.. الطموح والعمل الجماعي المتقن، القتال حتى اللحظة الاخيرة في حضرة حارس متميز، دفاع صلد، وسط حديدي، وهجوم ناري. يمكن إدراك مدى نجاح الثورة التي قادها سيميوني في أتلتيكو مع معرفة أن معظم أفراد الفريق الحالي، بطل الليجا والمتأهل لنهائي لشبونة، هم أنفسهم من خسروا أمام الباسيتي فريق الدرجة الثانية في دور ال32 من بطولة كأس الملك قبل عامين تقريبا، وهم أيضا من كانوا على وشك الهبوط وتوديع الليجا. قدم سيميوني أوراق اعتماده كمدرب كفء خلال موسمين ونصف فقط بالتتويج بالدوري الأوروبي ثم السوبر الأوروبي وكأس الملك والليجا، والأهم كسر احتكار الريال والبرسا. تسلم سيميوني فريقا مهلهلا وضعيفا من سلفه جريجوريو مانزانو، ودون عصا سحرية أو صفقات قياسية حول نفس اللاعبين إلى نجوم "سوبر"، وجعل من الفريق أحد كبار القارة. وصل سيميوني من بلاد تشي جيفارا فأشعل فتيل الثورة، وحول لاعبين فاقدين الثقة بأنفسهم من كثرة ما سمعوه من صافرات استهجان وسباب الى وحوش كاسرة متقدي الحماس وفي غاية الانضباط التكتيكي، وجنى ثمار ما زرعه نتائج مذهلة، السيادة المحلية والطموح للسيادة القارية والعالمية قريبا.