تتسارع الأحداث ,وتجري الرياح علي نحو يربك اللاعبين . الذين غادروا أماكن الفرجة ,سئموا اللعب المنفرد مصرون علي تغيير اللعبة وقواعدها تماماً' هم في الملعب منذ شهور ,محتشدون, بكامل لياقتهم وطاقتهم وقد وفرت انتصاراتهم السلمية الساحقة رصيداً يقف بهم في الصدارة . المشكلة , الآن , وقد سقط الحاكم العجوز: عجز الشركاء الذين يعول عليهم الجمهور في التقاط اللحظة المنتظرة والدفع بالمسار إلي نهايته المأمولة . هي لحظة فتية , شابة , تخلقت من رحم اعتراك صاخبٍ , مكلف , التعامل معها بذهنية شائخة , وأفكار مترهلة , ومخاوف مزمنة ,لن يفضي بنا إلى وطن شابٍ , سخي , وقوي , بل إلى دار مسنين كبيرة , تحكمها ذات التقاليد الهرمة ,والمواضعات المكتهلة . لم تثر اليمن ضد ليلها ,كي تصحو على أوضاع بالية , لم يقدم الثوار أرواحهم ودمائهم من أجل أن يستمر ذات الدم الفاسد في الحكم . لم يقدم شعبنا هذه التضحيات من أجل هذا الثمن البخس , الذي تلوح به التواطؤات المعلنة . لا وجهة تتعين , على يد نائبٍ تعمد صالح إبقائه معلقاً دونما قرار تعيين بغية إنفاذ سيناريو التوريث, وضع يذكرنا بما فعله مبارك تماماً ,وإن إختلفت الصورة قليلاً ,ليست المسألة شخصية تتعلق برجل نكن له الكثير من الإحترام , لكن السؤال :هل هو قائم مقام وفقاً لدستورٍ ثار اليمنيون عليه ؟ أم هو رئيس إنتقالي جاء عن طريق توافق وطني عام ؟ نحن مع الحالة الثانية ,لأننا مع الأولى نعيد إنتاج كل مشاكلنا المستعصية .؟ لا وضع يترتب علي مواريث الفوضى ,لا حياة تنهض على مبادرة ميتة ,لا بناء يؤسس على حكم خراب . هل سنجهز أنفسنا لجولة أخرى من حوارات بلهاء مع أحمد الصوفي وعبده الجندي وياسر اليماني وطارق الشامي ؟ نكبر الجميع عن التورط في مهزلة شائنة كهذه ؟ ربما إحتجنا إلى حملة ضخمة لمكافحة المألآت الهازلة . لا حقيقة يمكن أن تفرض برجال أستمرأو الحضور الشكلي على هامش الزيف . اللحظة الجديدة , تستدعي جدة في التفكير , جدة في المواقف, من المهم التصرف وفق موجبات التحول الراهن , ووفق المكاسب المتحققة . لسنا في موقف ضعف , كي نقبل بأرباع الحلول وأنصافها , نحن في أقوى حالاتنا الآن , والتصرف بوهّن خيانة . إن الدم الغزير الذي سال , من قلب مدائننا العزيزة , شهادة دامغة ضد الكذب والخداع. نظام صالح: جسد محروق , ووجه متفحم , وأي عمليه جراحية سياسية تعيد تجميلهُ وترقيعهُ , هي محض تشويه لوجه الثورة الجميل , محاوله قبيحة لإسقاط رهاناتها التغييرية الحاسمة لليمن شكلاً ومضموناً . أسقطت الثورة " علياً " , وبقى أن تسقط مبادرات الأحياء المتسفلة, واطئة السقف. أختارت وجهتها اليمن ,أندفعت بها الريحُ إلى بر الأمان , من الخيانة الأن ,أن تلوي عنقها المخاوف ,أو يعود بها الجبن إلى الوراء بعض خطوة , وقد دفعت كلفة التجاوز كاملة , غادرنا مراوحات الأمس ,ما عدنا بحاجة لغزل القبيح المستجدي إشفاق سلطة مسورة , هذه سلطتنا المغتصبة نعيدها بسلام , لا حاجة للتكسر أمام غاصبين صاروا خارج الوطن والزمن . علينا اليوم الإنتقال إلى الموقع الذي هيأته الثورة كي نشرع في طرح خيارات إنتقالية جادة للسلطة , مسنودة بالإرادة الشعبية المحتشدة في الشارع , والتي تمثل أصل المشروعية . إن العمل المفتوح والحر في ساحات التغيير نمىّ حساسية مفرطة تجاه إشتغالات الغرف المغلقة . كم هو مخيب للأمل والرجاء أن يجيء المكسب أقل من الخسارة , لقد خرج شعبنا لإسقاط منطق الصفقات والتسويات المجحفة حيث كان هناك دائماً تاجرٌ وحيد يستأثر بالسلطة والثروة , ويتجر بالأرض والسماء والبشر والمصالح العامة والخاصة. إن أي إنجاز غير مكتمل , هو تخديج للثورة , وإجهاض لروحها , وشعبنا بكل تأكيد لن يقبل بإستيلاد مسخ آخر ولن يرضَ بنتيجة ناقصة ,ولا نصر كاذب . لن يرجع ولن يعود دون تحقيق ما أراده كليةً , ليس مهماً ما يريده الآخرون إلا بعد تحقيقه كامل إرادته وسيادته , لا أولوية لسوى شعبنا ,لا مصلحة سابقة لأحد ,لا مصالح خارجية تسبق مصالحنا الداخلية في التغيير والبناء . قدرنا أن لا نحمل قضايانا خالصة , في الهم الفقير , تتجمع هموم الكبار , في مصيبتنا تتشابك مصائب العالم , فلا ندري ما نفكك وما نحل , تتكاثر أعباء التغيير نظراً لإرث تعاقدات الفساد وتعهداته وشراكاته السرية منها والمعلنة. ثورتنا ضد صالح تستثير أصحاب المصالح , يغيب خوفنا فتحضر مخاوف الآخرين , تركة معقدة تضاعف معضلاتنا ومشكلاتنا وتعيقنا بإستمرار . اليوم نحن أمام مرحلة حاسمة وإزاء فرصة تجاوز ستدفع اليمن ثمن إفلاتها على نحو فادح , على الثورة أن تبقى ممسكةً بالزمام , على المشترك أن يتجاسر , السيولة الزائدة في المواقف وقت الذروة ,تُميع القضايا وتغبش الرؤية , الخلاص الآن في مرمى الثورة , وعلينا أن لا نفوت الفرصة وأن لا نضع أنفسنا في مرمى المغامرين الصغار .